+ -

خطفت الملاكمة الجزائرية، إيمان خليف، الأضواء في عام 2024، ليس محليا فحسب، بل عالميا، بعد أن تحدت العالم بأسره، وتوجت بالمعدن النفيس، في أولمبياد باريس، في صورة حقيقية لجزائرية "فحلة" أثبتت أنها الأحسن في وزنها وفي اختصاصها.

تحولت الملاكمة الجزائرية إيمان خليف، البالغة من العمر 25 سنة (ولدت يوم 2 ماي 1999 بعين سيد علي بالأغواط)، تحولت إلى قضية رأي عام بامتياز، لتعطي مثالا حيا للمرأة الجزائرية التي تحدت العالم وواصلت حلمها إلى الأخير دون الاكتراث بالعراقيل التي وضعت لها، والتصريحات الجارحة التي لم تنل من عزيمتها، وحملات التنمر ضدها، سواء خلال بطولة العالم 2022 أو في ألعاب البحر الأبيض المتوسط 2022، وأخيراً الألعاب الأولمبية لـ2024.

إيمان خليف، التي تربت في قرية صغيرة تدعى بيبان مصباح التابعة إدارياً لولاية تيارت بغرب البلاد، بدأت مسيرتها الرياضية كلاعبة كرة قدم، ولكن سرعان ما اتجهت نحو الملاكمة بتوجيه من إحدى زميلاتها، التي أعلمتها بقرب فتح فرع نسوي في هذه الرياضة بنادي الحماية المدنية بتيارت، تحت إشراف المدرب محمد شعوة، لتبدأ مسيرتها في الفن النبيل، الرياضة التي عشقتها وعملت على الذهاب فيها إلى أبعد حد لاجتثاث أهلها من الفقر ولتحقيق حلم طالما راودها بالتألق عالمياً.

ورغم الظروف الصعبة، وخاصةً نقص الإمكانيات، للتنقل إلى قاعة التدريبات، إلا أن ذلك لم يثبط من عزيمتها: "كنت مجبرة على التنقل يومياً من القرية التي كنت أقطن بها إلى غاية قاعة التدريب، وكان علي أن أوفر المال من أجل تلك التنقلات المتعبة، ولذلك كانت أجمع الحديد والبلاستيك لبيعه لكي أموّل تنقلاتي تلك"، قالا البطلة الأولمبية في أحد تصريحاتها الصحفية.

ورغم ذلك، إلا أن مسيرتها الدولية التي بدأت سنة 2018 بمشاركتها في أولى بطولة عالمية بنيو دلهي بالهند، كانت توحي بأنها ستحظى بمسيرة حافلة، وهي التي خطفت المرتبة الـ17، رغم أن المنافسة كانت قوية للغاية، وتراجعت بعدها بطلتنا إلى المرتبة الـ33 في البطولة العالمية لعام 2019 بروسيا.

خليف شاركت بعدها في الألعاب الأولمبية بطوكيو 2020، واحتلت المرتبة الخامسة، وهي مرتبة مشرّفة بالنسبة لها في أول مشاركة لها على هذا المستوى.

 

2022/2023 بداية التألق.. والمشاكل

 

ولم تتوقف إيمان خليف عند هذا الحد، بل واصلت العمل وثابرت إلى أن بدأت ثمار عملها تظهر للعيان، وتجلى ذلك سنة 2022 مع مشاركتها المشرّفة للغاية في كأس العالم بأنطاليا في تركيا، حيث احتلت المرتبة الثانية ونالت الفضية.. وتلتها ميدالية ذهبية في ألعاب البحر الأبيض المتوسط في جوان 2022 بوهران، التي كان طعمها خاصا، بما أنها جاءت في عقر الديار.

ولكن المشاكل جاءت تباعاً بعدها في بطولة العالم التي جرت بنيو دلهي بالهند، حيث قرّر الاتحاد الدولي للملاكمة إقصاءها، بعد أن وصلت إلى نهائي المنافسة على حساب ملاكمة تيلاندية برفقة الملاكمة التايوانية، لين يو تينغ، بحجة أن التحليلات التي أجراها الثنائي (وجود نسبة عالية من نسبة التستيستيرون أو هرمون الذكورة)، أثبتت أنهما ليس لديهما الأهلية للمشاركة في أي منافسة، حسب "أي بي أي".

ورغم الطعن الذي تقدم به الاتحاد الجزائري للملاكمة، إلا أن الاتحاد الدولي رفضه جملة وتفصيلاً، ولكن الرّد جاء من اللجنة الأولمبية الدولية، التي أكدت أن التحليلات التي يجريها الاتحاد على الملاكمات ليس لديه أي مصداقية وغير معترف بها.

للإشارة، فإن اللجنة الأولمبية الدولية كانت قد رفضت في وقت سابق التعامل مع الاتحاد الدولي، الذي يرأسه الروسي، عمر كريمليف، لاشتباهه في عدة قضايا مرتبطة بالرشوة وبفضائح تحكيمية بالجملة.

 

2024 سنة أحلى تتويج في أولمبياد باريس

 

وبعدها وفي سنة 2024، حققت الملاكمة الجزائرية أحلى تتويج بالميدالية الذهبية في أولمبياد باريس، رغم أن الطريق لم يكن محفوفاً بالورد مرةً أخرى؛ فقد عاشت ظروفا قاسية ومشاكل بالجملة، سواء مع المحيط العام أو حتى منافساتها اللاتي حاولن النيل من معنوياتها بإثارة الشكوك حول جنسها، رغم اعتراف اللجنة الأولمبية بأنها امرأة، بدليل خروج رئيس اللجنة الأولمبية الدولية توماس باخ عن صمته، ليؤكد أن هيئته لا تعترف إلا بالمعلومات المدونة في جواز السفر وأن الحديث عن تحاليل سابقة لا تهمه ولا تغير شيئا من قناعة اللجنة الدولية الأولمبية.

ولعل الرأي العام الرياضي يتذكر جيداً الحادثة التي جرت مع الإيطالية، "كاريني"، التي رفضت النزال مع إيمان وقررت الانسحاب، لتؤكد بعدها أنه لم يكن بمقدورها التنافس وأن النزال لم يكن عادلاً. بعدها تدخلت رئيسة وزراء إيطاليا، "جيورجينا ميلوني" التي أكدت أن النزال لم يكن عادلاً. وندّد كبار القوم من الغرب، على غرار رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، دونالد ترامب، ورئيس روسيا، فلاديمير بوتين، وأغنى رجل في العالم، في صورة أيلون ماسك، نددوا بدورهم بما حدث وانهالوا بتصريحات جارحة ضد خليف، ولكن ذلك لم يزد الجزائرية إلا عزيمة وإصراراً.

وفي الدور ربع النهائي لأولمبياد باريس، نازلت بطلتنا، المجرية، أنا لوكا هاموري، التي استفزتها بصورة في "ستوري" لها، أرادت من خلالها أن تبعث برسالة أنها ستلاكم كائناً غير عادي، ولكن مرةً أخرى جاء الرّد من الجزائرية في الحلبة، حيث فازت عليها بإجماع الحكام. وفي الدور نصف النهائي، تمكنت خليف من الإطاحة بالتايلاندية، سوانا فينق، لتحجز مكانها في نهائي الألعاب الأولمبية بحلبة قاعة "رولان ڤاروس" الشهيرة.

كان يوم التاسع من شهر أوت 2024 يوما تاريخيا لخليف وللملاكمة الجزائرية بصفة خاصة، حيث كان الموعد مع حصد المعدن النفيس، الذي انتزعته ابنة الجزائر عن جدارة واستحقاق، بتغلبها على الصينية يانغ ليو.

وكان هذا التتويج الثاني في الألعاب الأولمبية بالنسبة للملاكمة الجزائرية، بعد ذهبية محمد سلطاني (رحمه الله) في أطلنطا (1996). كما أن هذا التتويج له طعم خاص؛ لأنه جاء من امرأة حديدية تحدت العالم وواجهت جميع أشكال التنمر، ولكنها لقيت دعماً كبيراً من الشعب الجزائري والسلطات الجزائرية التي كرّمتها في الأخير، مع تلقيها وسام الاستحقاق الوطني، من الرئيس عبد المجيد تبون يوم 14 أوت 2024.

 

ألقى الورد في النهر.. الوفد الجزائري يعيد الاعتبار لضحايا "مجزرة السين" بباريس

 

ألقى أعضاء من الوفد الجزائري، الذي شارك في حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في باريس، الورد في نهر السين، تكريما للضحايا الجزائريين الذين ألقت بهم الشرطة الفرنسية في النهر عام 1961، ليلقوا حتفهم بعد احتجاجهم على الاستعمار الغاشم.

وفي حفل الافتتاح، الذي أقيم على نهر السين في إطار دورة الألعاب الأولمبية باريس 2024، قطع نحو 6800 رياضي المسار، الذي يبلغ طوله 6 كيلومترات بـ85 قاربا، ألقى رياضيون جزائريون من المشاركين في موكب القوارب الافتتاحي حاملين أعلام بلادهم، الورد في الماء، تخليدا لذكرى الجزائريين الذين تم قتلهم وإلقاؤهم في نهر السين عام 1961، علما أنه في 17 أكتوبر 1961، هاجمت الشرطة الفرنسية بأمر من رئيس شرطة باريس آنذاك موريس بابون، مظاهرة سلمية لآلاف الجزائريين خرجوا للمطالبة باستقلال البلاد.

وقتلت الشرطة الفرنسية مئات المتظاهرين الجزائريين عمدا في الشوارع ومحطات مترو الأنفاق، فيما ألقت بعدد من المصابين من الجسور في نهر السين، مما أدى إلى مقتلهم، وهو ما بات يعرف بـ "مجزرة باريس 1961″. للإشارة، حظي إلقاء الوفد الجزائري للورد في النهر وخلفيته التاريخية بتغطية إعلامية واسعة في الصحافة العالمية.

 

 

كلمات دلالية: