38serv

+ -

 دعت ولاية العاصمة المواطنين وسكان الأحياء نهاية الأسبوع الماضي إلى حملة نظافة تشمل كل شوارع وطرقات وأفنية الأحياء يتعاون فيها الجميع على جعل العاصمة الجزائرية فعلا بيضاء طاهرة نظيفة كما هو مشهور ومعروف عنها بأنها الجزائر البيضاء.

إن الشارع والبيت والحي والمدينة يمثلون المحيط الذي يعيش فيه الإنسان، وهذا المحيط تعرفه البشرية اليوم باسم “البيئة” وديننا الإسلامي يحثنا على الاعتناء بالبيئة ويأمرنا بوجوب المحافظة عليها... دين الإيمان بالقيم الإنسانية الرفيعة، وعدم تلويث المحيط الفيزيائي أو المعنوي بأي آثار ضارة، وإن نظافة المحيط مسؤولية الجميع، فعلى كل واحد منا تقع مسؤولية المحافظة على بيئة صحية نظيفة وعلى محيط جميل وبديع يسر الناظرين ويأخذ بالألباب.

حث الإسلام على النظافة وأعطاها اهتماما كبيرا، ومن أسباب اهتمام الإسلام بالنظافة أنها تعد واحدة من أهم الأمور التي تحافظ على حياة البشر، وهي تقترن بالصحة والراحة النفسية والعقلية، كما وترتبط بالحضارة والتقدم؛ فبعض الدول تفرض غرامات وعقوبات على الممارسات الخاطئة في الطرق والشوارع، ومن يحافظ على نظافة الطرقات كما يحافظ على نظافة بيته فهذا يدل على نفس سوية، وصحة جيدة وأخلاق حسنة.

هذا وإن نظافة المحيط، واجب كل إنسان، لأن المجتمع الراقي هو الذي يحافظ علي بيئته، ويحميها من أي تلوث أو أذي، لأنه جزء منها، لأنها مقر سكناه وفيها مأواه، ولأنها عنوان هويته، ودليل سلوكه وحضارته، وكما يتأثر الإنسان ببيئته فإن البيئة تتأثر أيضا بالإنسان. ويحث الإسلام على المحافظة على البيئة، وتنحية الأذى عنها، ففي الحديث: “بكل خطوة يمشيها إلى الصلاة صدقة ويميط الأذى عن الطريق صدقة”.

وتوضح التعاليم الإسلامية أن الذي يحافظ على بيئته ونظافتها وعدم تركها بل يرعاها وينحي الأذى عنها أن له جزاء عظيما عند الله تعالى يوم القيامة، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: “لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين”.

فالشارع الحكيم رغب في تنظيف الشوارع من كل المؤذيات؛ بل جعلها شعبة من شعب الإيمان كما جاء في الحديث الذي قال فيه الرسول صلّى الله عليه وسلم: “الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان”.

ولولا هذه العقيدة الراسخة والعقلية السائدة لدى كل المسلمين عبر التاريخ لفتكت بهم الأمراض والأوبئة المهلكة كما حدث لغيرهم من شعوب الأرض الذين لم يكونوا يحافظون على الطهارة والنظافة كما يحافظ عليها المسلمون الذين يعتبرونها جزءا من دينهم.

أيها المسلم، إن الإسلام دين النظافة، فواجب عليك أن تكون النظافة عنوانا لحياتك، وأن يكون قلبك نظيفا ليس فيه حقد ولا حسد ولا عجب ولا رياء، وأن يكون مظهرك نظيفا، فتعتني بثيابك وجسدك من غير إسراف، وأن يكون بيتك نظيفا، مزينا بالورود والأزهار، وأن يكون شارعك نظيفا، فلا تُلقي القمامات في الطريق، بل ضعها في المكان المخصص لها أو سلمها لعمال النظافة.
الإسلام دين الجمال والكمال، حث على النظافة والطهارة؛ قال تعالى: {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين}، وقال تعالى: {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود}، وقال تعالى: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}.
كما أمر النبي صلّى الله عليه وسلم بإماطة الأذى عن طرقات المسلمين، روى مسلم في صحيحه أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: “عُرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يُماط عن الطريق”.

وإن في تنظيف البيئة وتنقيتها خير كثير ومنافع للناس في الدنيا والآخرة، ففي صحيح مسلم عن أَبي برزة قال: قلتُ يا نبي الله؛ علمني شيئا أنتفِع به؟ قال: “اعزل الأذى عن طريق المسلمين”. وروي أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: “إن الله تعالى طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفنيتكم ولا تتشبهوا باليهود”.

والإسلام وهو يأمر بذلك يقصد إلى تخلية البيوت والشوارع من القمامات التي تنبعث منها رائحة غير طيبة وتكون مصدرا للعلل وانتشار الأمراض والعدوى. ولا شك أن المحافظة على نظافة الأماكن العامة والطرقات والمنتزهات وغيرها هو من المحافظة على المال العام الذي يشترك فيه الناس جميعا؛ قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}.
ألا فلنحافظ على نظافتنا ونظافة أحيائنا، ولنحافظ على صحتنا ولنحافظ على حياتنا من الوهن والضعف والمظهر السيئ.