+ -

لما يتحدث الرئيس تبون عن محاولات يائسة للنيل من استقرار الجزائر من طرف قوى تعادي كل ما هو جزائري، يظن البعض أنها مجرد فزاعة يراد بها تخويف الناس والزج بهم في حالة الجمود.. وإن كان غالبية المواطنين يدركون جيدا أن الحقيقة الماثلة أن الجزائر، بمواقفها الدبلوماسية والإنسانية، صائبة ولا غبار على مصداقيتها، سوى أن المنزعجين من النبرة والظرف الإقليمي والدولي الراهن يدفعون بأصحاب النوايا السيئة إلى تصنيفها في خانة التحدي لإرادة القوى العظمى.. لحاجة في نفوسهم وأمنيات لن تتحقق أبدا.

تبون، وأمام قاعة المؤتمرات بقصر الأمم، وضع أصبعه على الجرح وأعاد تنبيه العقول ولفت الأنظار إلى خطر المؤامرات التي تهدد البلاد والعباد، بغرض كسر أنفة الجزائري وتحطيم كبريائه وعنفوانه "الوراثي" وإخضاعه، تحت ضربات الحرب النفسية، لإرادة محور الشر (تجار الحروب والفوضى والفشل) الذي يتربص بالجزائر طمعا في ثرواتها وخيراتها التي حرم منها بعد عقود من التصحير والنهب والافتراس، على حد تعبير زعيمة حزب العمال، السيدة لويزة حنون.

فمن كان يقصد تبون بكلامه عن الافتراس، ومن يمارسه الآن، بالرغم من الزج بالمفترسين الأوليغارشيين ورؤوسهم في السجون منذ خمس سنوات؟ الجواب: في كلمته التوجيهية، أمام الولاة، أول أمس، حيث أورد تبون في سياق حديثه عن الاستقرار الذي تنعم به الجزائر وتعمل بكل الوسائل السلمية من أجل تعميمه في كامل المنطقة كلمة الـ"هاشتاغ" التي تشير بلا شك ولا مواربة إلى ما أقدم عليه الذباب الإلكتروني المغربي مؤخرا، بنشر وسم "مانيش راضي" في مواقع التواصل، مزيفا الحقائق حول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الجزائر، وظن كثير من رواد شبكات التواصل أن الأمر يتعلق بتحرك في الشارع السياسي الوطني مجددا للتعبير عن سخط أو غضب إزاء أوضاع يراد تصويرها وهي بعيدة كل البعد عن الواقع.

كلام تبون كان واضحا، ووجه رسالة مشفرة إلى المغرب، مفادها أن من الأفضل لكم الانشغال بمشاكلكم وستر عوراتكم والتكفل بالشأن الشعبي المغربي قبل الانشغال بما تفعله الجزائر دولة وحكومة وشعبا من أجل محو ما تبقى من تراكمات عقود الارتهان والتبعية للاستعمار القديم والجديد وعملائه من بقايا العصابات التي كانت تجثم على صدر الأمة.

ولم يفوت رئيس الجمهورية، الذي صال وجال بين جميع القطاعات الحكومية، مصححا ومصوبا الكثير من الانحرافات بأسلوب هادئ ودقيق، لم يفوت الفرصة للتعبير عن تقديره للحملة المضادة الصادرة عن الشباب الجزائريين الذين لم يدخروا جهدا في الرد على حملة المخزن المنزعج من التقارير الدولية التي تصنف الجزائر في الخانة الخضراء اقتصاديا واجتماعيا وتكرس ريادتها في الذود عن القضايا العربية والإفريقية من على منبر الأمم المتحدة، فضلا عن توقيت بدأت تقطف فيه الجزائر ثمار الإصلاحات الهيكلية والقطاعية بإنجازات يلمسها المواطنون، وإن اعترف الرئيس تبون بأن الكثير من العمل مازال ينتظر الحكومة لتجسيد ما يجب من برامج ومشاريع خدمة لرفاهية المجتمع بمختلف فئاته وشرائحه.

ومن أجل ذلك، أطلق رواد الشبكات الاجتماعية هاشتاغ "أنا مع بلادي"، الذي استطاع قبر الوسم المغربي في وقت قياسي، ما يعكس يقظة وفطنة الشباب الجزائري، الرافض لأي مساس باستقرار وأمن وطنه، واستعداده للذود عنه بكل ما يملك، تماما مثلما فعل أجداده وآباؤه من قبل..

رد الرئيس تبون على حملات الجار الغارق في مستنقع الأزمات لم يتوقف عند الإشارة إلى وسم "مانيش راضي" المقبور، بل تعداه إلى تذكير المخزن وملكه وأمرائه وحلفائه في الضفة الشمالية للمتوسط بخيانة أسلافهم للأمير عبد القادر بن محيي الدين الجزائري، وهو في أوج جهاده ضد الاستعمار الفرنسي.. وهو أقسى ما يمكن سماعه من ردود وبشكل رسمي وبلسان المسؤول الأول في الدولة الجزائرية، ما يجعل وقع الكلام غير قابل للتحمل.

وهنا.. لا بد من التساؤل عن الغاية أو الهدف الذي يبحث عنه المغرب من وراء محاولاته غير المنتهية للإساءة للجزائر التي اضطرت إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية وفرض التأشيرة على حاملي جوازات السفر المغربية، تفاديا للدخول في ما لا يريده الجزائريون لأنفسهم ولغيرهم.. بينما يفضل الطرف الآخر تأجيج المشكلات بل والبحث عنها إشباعا لنزوات ورغبات أسياده الذين مارسوا الإبادة ضد الشعب الجزائري وغيره من شعوب القارة الإفريقية والهند الصينية، وهو يدعم بكل بسالة الإبادة الجارية في الشرق الأوسط وتحديدا في قطاع غزة بفلسطين المحتلة.