38serv
يرى الأستاذ عمار منصوري، الباحث السابق بمركز البحث النووي بالجزائر وصاحب الأعمال والأبحاث عن التجارب النووية الفرنسية بالجزائر، يرى أن مساءلة المقررين التابعين لمجلس حقوق الإنسان الأممي لفرنسا بخصوص التجارب النووية في الجزائر، أمر ايجابي، لأنه يضعها أمام مسؤوليتها التاريخية والقانونية في قضية التفجيرات النووية الفرنسية الـ60، وتعويض ضحايا هذه التفجيرات من الجزائريين وذويهم والتوقف عن إنكار حقوقهم وتسليم الخرائط والأرشيف المتعلق بتلك التفجيرات .
اطلعتم على مراسلتي الخبراء الأمميين لفرنسا والجزائر، في رأيكم على أي زاوية يجب أن يتركز الرد الجزائري؟
. أعتقد أن هناك محاور رئيسية يجب أن يحرص عليها الجانب الجزائر، أولها المتعلق بالجانب التاريخي والإنساني وتتضمن تحرير الأرشيف المشترك، بما في ذلك خرائط دفن النفايات المشعة من أجل كتابة التاريخ الوطني وتجنب وقوع ضحايا جدد. والمسألة الثانية تخص مدى شرعية التفجيرات النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية، إلى جانب جريمة استعمال جزائريين وفرنسيين "حيوانات تجارب" وكشف الحقيقة حول المفقودين.. والمسألة الثالثة تخص ملف البيئة وتنظيف وتأهيل المواقع الأربعة (حمودية، مخابر محافظة الطاقة الذرية الفرنسية كلاهما برڤان وتاوريرت تان أفلا وتاوريرت تان أترام كلاهما باين اكر)، مع تحديد أماكن دفن النفايات المشعة ووضع خطة طويلة المدى لتسيير النفايات المشعة الفرنسية (فمن ناحية القانون الدولي هي ملك لفرنسا).
والنقطة الرابعة تخص ملف صحة السكان؛ أي التكفل الصحي والاجتماعي بسكان المناطق المعنية، مع بناء هياكل صحية تتجاوب مع طبيعة الأمراض الناجمة عن التفجيرات النووية للتكفل بها من مرحلة التشخيص إلى العلاج النهائي، والقيام بدراسات وبائية على مستوى كل الصحراء، ثم مراجعة آلية الاعتراف والتعويض بإعادة قانون موران الذي حرم الضحايا وعائلاتهم وذويهم من التعويض وتحيين لائحة الأمراض، ثم المطالبة بمؤتمر دولي تحت إشراف الأمم المتحدة لدعم الدول المتضررة من آثار التفجيرات النووية.
استند الخبراء في الوثيقتين على بيانات تشير إلى تسجيل 12000 ضحية محتملة لهذه التفجيرات، هل ترون أن هذا العدد قريب من الواقع؟
. سبق لمنظمة المجاهدين ومنظمات غير حكومية أن تحدثت عن وجود 42 ألف ضحية للتفجيرات النووية، وهذه قائمة مفتوحة، لأنه رغم وضع السلطات الجزائرية لسياج حول مواقع التلوث النووي، تبقى معدلات الإشعاع مرتفعة جدا لوجود نفايات سطحية، إلى ذلك تفيد دراسة بريطانية متخصصة أن مخلفات التلوث تستمر على مدى 22 جيلا.
وعلينا ألا ننسى أن الفرنسيين لم يقدموا دعما للجزائر لتطهير المواقع أو احتواء التلوث، بل وقفنا على ازدواجية معايير؛ إذ قامت السلطات الفرنسية بتشييد مستشفى خاص لضحايا التفجيرات النووية في مستعمرة بولينيزيا ومنحتهم ملفاتهم الطبية وعوضت الكثير من المصابين هناك، فيما لم يحصل أي جزائري على تعويض، وقامت بدفن النفايات في مناطق آمنة وتسييرها بنظام جيو-ميكانيكي، أما للجزائر فلم يتم تقديم أي شيء يذكر.
هل يخدم تدويل القضية المطالب الجزائرية؟
. يمكن القول بأن القضية دولت قبل 65 عاما، حيث عبرت الأمم المتحدة والدول النووية في تلك الفترة، الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي وبريطانيا، عن معارضتها الشديدة للتفجيرات السطحية؛ لأنها مضرة بالبيئة وتخلف آثارا مدمرة على صحة الإنسان، ناهيك عن الاعتراضات الصادرة عن الدول الإفريقية والحكومة الجزائرية المؤقتة.
لذا من الضروري الإبقاء على النقاش قائما، بتنظيم ندوات دولية تحت إشراف الأمم المتحدة لتسليط الضوء على القضية وبحث ملف التفجيرات النووية في العالم وآثارها على البيئة والإنسان، بمشاركة الدول التي كانت أراضيها مسرحا للتفجيرات النووية مثل كازاخستان، وأستراليا، وبولينيزيا وجزر مارشال.
توجه المقررون الأمميون للجزائر بـ 10 أسئلة.. برأيكم لماذا؟
. المساءلة تعد أمرا ايجابيا لما تثيره من نقاش حول القضية وإحراج للجانب الفرنسي بخصوص الاعتذار للضحايا وتعويضهم ومدى استعداده لتسليم الخرائط، رغم تحفظنا على مساءلة الطرفين في التوقيت ذاته ووضع الجزائر في سلة واحدة مع فرنسا؛ أي الضحية والمتهم معا، أو عدم الإشارة إلى مسؤولية الدولة الفرنسية الكاملة عن رفض تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر، فهي لما تركت مواقع التفجيرات والتجارب لم تجر بالاحتياطات اللازمة لحماية السكان من خطر كامن، رغم علمها بأن الجزائر لا تتوفر على القدرات والكفاءات المتخصصة للتعامل مع النفايات النووية واكتشافها.. وكان واجبا على الفرنسيين نقل هذه النفايات أو دفع أموال مقابل الإبقاء عليها على الأراضي الجزائرية .
في المراسلة الصادرة عن المقررين الأمميين، وردت إشارة إلى تقرير أعده فريق خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 1999؛ تحدثوا فيه عن وجود نسبة تلوث ضعيفة.. وذلك لإضعاف الموقف الجزائري، ما رأيكم؟
. يجب أن نعلم أن فريق الخبراء الذي جمع العينات ضم فرنسيا، أي أنه خصم وحكم في آن واحد، زيادة على أن هذا التقرير لم يصدر إلا بعد 6 سنوات من أخذ العينات، وقد تم إخضاع المواقع نفسها لخبرة أخرى تولاها المخبر المستقل "كرييراد" المتخصص في كشف التلوث النووي في 2009، حيث أظهرت النتائج وجود فروق كبيرة في مستويات الإشعاع. ولما تمت مواجهة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بهذه الحقائق، قالت بأن الأمر يتعلق بخطأ مطبعي.
في رأيكم، ما هو المطلوب من فرنسا الآن؟
. الفرنسيون يعرفون ما يجب فعله، للمضي إلى الأمام في العلاقات الثنائية، ويكون ذلك بمعالجة القضايا العالقة؛ أي رد الاعتبار للضحايا وتعويضهم إعلاء لقيم حقوق الإنسان والحقيقة والعدالة، وتسليم الخرائط والأرشيف والمساعدة في تطهير المواقع الملوثة أو مراقبتها. وننبه هنا لو تنبعث من جبل تاوريرت منتجات الانشطار المشعة الكامنة بداخله، ستحدث كارثة إنسانية نتيجة عنصر البلوتونيوم (Pu-239) الموجود الذي يعد أخطر عنصر كيميائيا ونوويا وله مدة "نصف الحياة" تساوي 24110 سنة. وعليه، تبرز ضرورة تجهيز جبل تاوريرت تان افات بنظام مراقبة جيو-ميكانيكي مثل الذي وضعته فرنسا في بولينيزيا.. وكفانا الكيل بمكيالين.