نقل أسلحة روسية إلى ليبيا يخلط الأوراق

+ -

سيشكل، لا محالة، حديث رئيس الوزراء الليبي، عبد الحميد دبيبة، نهاية الأسبوع، وقبله وزير الدفاع الإيطالي، غيدو كروزيتو، عن "نقل موسكو لمعدات من قاعدتي طرطوس البحرية وحميميم الجوية إلى ليبيا"، في أعقاب تفكك نظام الأسد، نقطة تحول في طريقة التعاطي مع الأزمة الليبية في بلدان الجوار الليبي، وسيجعلها خاضعة للموازين العسكرية والأمنية على حساب العملية السياسية.

ومن مؤشرات ذلك، المخاوف التي عبر عنها قائد حكومة طرابلس المعترف بها أمميا ودوليا، بقوله إنه "يخشى من تحول بلده الواقع ساحة للصراع بين الدول"، منطلقا من تقارير تحدثت عن رصد تحركات روسية في قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية الجوية باتجاه ليبيا، ولم تستبعد تلك التقارير أن تحمل الرحلات عتادا عسكريا روسيا، استُعمل في الحرب في سوريا بين قوات النظام السابق والمعارضة والتنظيمات المسلحة، وحتى الجماعات الإرهابية المنتمية إلى أكثر من تنظيم.

ورفض دبيبة، خلال مؤتمر صحفي، نشطه أول أمس، أن تكون بلاده "ساحة دولية تتقاطع فيها مصالح الدول الصغيرة والكبيرة"، في إشارة إلى نقل السلاح الروسي إلى شرق ليبيا، حيث تتلقى الميليشيات التابعة للواء المتقاعد، خليفة حفتر، المتخندقة في بنغازي، شرقي ليبيا، دعما روسيا منذ سنوات، ضد الحكومة الشرعية المتخذة من طرابلس عاصمة لها.

وضمنيا، يرى المسؤول السياسي أن ما قامت به موسكو بمثابة "تدخل قوات عنوة على الشعب الليبي"، مادام "لم يجر في إطار الاتفاقات بين الدول"، على حد قوله، وهي إشارة إلى الاتفاق الأمني المبرم مع أنقرة، والذي على أساسه قامت القوات التركية بتنفيذ عمليات عسكرية وتوجيه ضربات قوية لدحر مليشيات خليفة حفتر، على مشارف طرابلس، منذ نحو ثلاث السنوات.

وفي خضم هذه التحركات، دخلت إيطاليا على الخط، القوة المستعمرة السابقة في ليبيا، واصفة، على لسان وزيرها للدفاع، الأمر بـ"غير الجيد"، معتبرا في حديثه إلى جريدة "لاريبيبليكا"، الأربعاء الماضي، أن "السفن والغواصات الروسية في البحر الأبيض المتوسط، تشكل دائما مصدر قلق"، خصوصا إذا كانت على "بعد خطوات قليلة منا، بدلا من أن تكون بعيدة ألف كيلومتر".

والى غاية الآن، لم تتفاعل الجزائر والقاهرة وتونس مع هذه التطورات، غير أنه من المستبعد أن تتم مثل هذه الإجراءات والتحركات من دون التنسيق مع دول الجوار الليبي، التي اجتمعت في الجزائر أكثر من مرة، وتباحثت المسألة الليبية وبلورت مقترحات وأجرت وساطات، لمساعدة البلد الجريح على تجاوز أزمته القائمة منذ قرابة 14 سنة.

وفي حالة تأكد المعلومات، فإن الأزمة الليبية ستتجه نحو التعقيد أكثر من الانفراج، بدليل أن القوات الأجنبية غير مقبولة من جميع أطراف الصراع، مثلما يجري حاليا في مالي.

ومنذ الإطاحة بالأسد، لم يتضح بعد مصير القاعدتين العسكريتين الروسيتين في سوريا، وهما موطئ قدم للطموحات الجيوسياسية لروسيا في الشرق الأوسط، حالتا دون سقوط نظام عائلة الأسد لسنوات، وصدتا عليه التحالف الدولي الغربي الذي ركب موجة احتجاجات شعبية تحولت بسرعة إلى صراع مسلح على السلطة.

ولم تحسم روسيا في مصير المنشأتين، غير أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قال إن بلاده "ستنظر في وجود قواعدها في سوريا أو الانسحاب.. لكن قبل ذلك يجب النظر كيف ستتطور العلاقات مع القوى السياسية التي تسيطر الآن، وستسيطر على الوضع في سوريا مستقبلا".

وأشار بوتين، في لقائه السنوي، قبل ثلاثة أيام، إلى أن "بقاءنا سيعتمد على توافق المصالح مع السلطات الجديدة هناك". 

استغلال قذر

وفي ظل هذه التجاذبات، تسعى دول أخرى إلى حشر أنفها في الأزمة الليبية، من دون اتفاق تعاون وخارج الاعتبارات الجغرافية والتاريخية مع البلد النفطي، على غرار المغرب والإمارات اللذين يتحركان انطلاقا من أجندات إيديولوجية ومصلحية واستراتيجية، أكثر منها بنائية تصب في فائدة كل الشعب الليبي.

وآخر هذه المحاولات، استضافة المملكة المغربية، في الأيام الثلاثة الماضية، ممثلين لمجلس النواب الليبي والمجلس الأعلى للدولة، من أجل ما سمته "التعاون مع بعثة الأمم المتحدة وكسر الجمود السياسي وإنهاء المراحل الانتقالية"، الأمر الذي رفضته الحكومة الشرعية واعتبرته تدخلا في شؤونها، ودعتها إلى "ضرورة التنسيق المسبق معها لعقد أي اجتماعات بين الأطراف الليبية على أراضي المملكة المغربية"، و"الالتزام بالنهج الدبلوماسي المتعارف عليه".

وفي وقت تحتاج السلطة العلوية في المملكة نفسها، إلى من يساعدها لتهدئة شعبها الثائر على تطبيع الرباط علاقاتها مع الكيان الصهيوني، وعلى الوضع المعيشي الذي لا يطاق، وإلى وساطة ومفاوضات لإنهاء احتلالها للصحراء الغربية، عمدت للهروب إلى الأمام والتدخل في الشأن الليبي، لصرف الانتباه عن وضعها الداخلي المتأزم، والدليل على ذلك، أن اللقاء الذي أجري بمدينة بوزنيقة بالجارة الغربية، لم يأت بحلول واضحة، وإنما "اجتر" مخرجات لقاءات احتضنتها الجزائر وبرلين سابقا، توصلت إلى أن الحل في ليبيا "لابد أن يمر عبر انتخابات حرة ونزيهة"، ما يعني أن الأمر لا يعدو أن يكون محاولة لإضفاء غطاء دبلوماسي على نشاط غير دبلوماسي، للتأثير في المسألة الليبية بما يخدم أجندتها.