تفاقمت أزمة الثقة بين الحكومة المغربية والمواطنين، وسط تصاعد الغضب الشعبي من انشغال السلطة بأجنداتها الخاصة وتنمية ثرواتها بينما تغرق البلاد في أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة، في مشهد يعكس لا مبالاة صارخة بمعاناة الشعب.
أثار فوز رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، عبر شركتيه "أفريقيا غاز" و"غرين أوف أفريكا"، بصفقة ضخمة لتحلية مياه البحر بجهة الدار البيضاء بقيمة 15 مليار درهم جدلا واسعا، حيث اعتبره المتتبعون خرقا واضحا لقواعد الشفافية والنزاهة. فرغم افتقار الشركتين إلى الخبرة اللازمة في هذا المجال إلا أن الصفقة مررت دون منافسة حقيقية، في ظل انسحاب غريب للعديد من الشركات المنافسة.
وتساءلت النائبة البرلمانية، فاطمة التامني، عن مصداقية هذه الصفقة، مشيرة إلى تضارب واضح في المصالح، حيث يشرف رئيس الحكومة على الاتفاقيات المتعلقة بالمشروع، في الوقت الذي يستفيد منه مباشرة عبر شركاته، مضيفة أن هذه الوضعية تتناقض مع القوانين المنظمة لتعاقدات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، التي تنص على استبعاد أي مترشح يشكل تضاربا في المصالح.
وأمام البرلمان، دافع أخنوش عن فوز شركته بالصفقة بأسلوب أثار الاستياء، من خلال استحضاره والده في النقاش ومحاولته ربط نجاحه بأصوله العائلية، وهو ما اعتبر إهانة للنواب وللمؤسسة التشريعية.
القيادي عبد الله بوانو، من حزب "العدالة والتنمية"، وصف هذا التصرف بـ"غير اللائق"، مشددا على ضرورة محاسبة المسؤولين الذين يستغلون مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية بدلا من حماية مصالح الشعب.
وقال بوانو إنه في الوقت الذي تستمر الحكومة في تنمية مصالحها الشخصية، تعاني البلاد من ارتفاع مقلق في مؤشرات الأزمة الاجتماعية، وإن البطالة بين الشباب بلغت مستويات غير مسبوقة، فيما الفوارق الاجتماعية والمجالية تتسع بشكل ينذر بالخطر، ورغم ذلك ترفض الحكومة إعادة النظر في مشاريع قوانين اجتماعية مثيرة للجدل، مثل قانون الإضراب ودمج أنظمة التغطية الصحية، متحدية بذلك أصوات النقابات والمجتمع المدني.
وفي هذا السياق، نبهت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل إلى أن السياسات الحكومية تمثل هجوما صريحا على الحقوق الاجتماعية والنقابية، فبدلا من فتح حوار جاد مع ممثلي العمال تعمل الحكومة على تقييد حق الإضراب، متجاهلة المبادئ الدستورية والمواثيق الدولية.
حكومة "تدير" البلاد بعقلية رجل أعمال
وأكدت كونفدرالية الشغل أنه لا يمكن لحكومة تدير البلاد بتفكير رجل الأعمال أن تنجح في كسب ثقة المواطنين، فالمؤسسات الديمقراطية وجدت لحماية مصالح الشعب وليس لتعزيز امتيازات النخب الحاكمة، موضحة أن استمرار الوضع الحالي ينذر بتعميق أزمة الشرعية السياسية ويدعو إلى صحوة وطنية لإعادة التوازن بين السلطة والمواطن.
وأضافت الكنفدرالية أن تجاهل الحكومة لمعاناة الشعب من أجل مراكمة الثروات الخاصة ليس إلا بداية الانحدار، فإما أن تصحو على واقعها وتستجيب للمطالب الشعبية أو أنها ستواجه موجة غير مسبوقة من الغضب الذي قد يعصف بها إلى غير رجعة.
وشددت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل على أنه في ظل هذا المشهد القاتم، يبدو أن حكومة المخزن قد اختارت بوضوح الانحياز إلى مصالحها الخاصة على حساب الشعب المغربي وتجاهل الأزمات الاجتماعية واستغلال النفوذ لتحقيق مكاسب شخصية، وهو ما يضع البلاد على شفا هاوية سياسية واقتصادية.