38serv
لما قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في خطابه الأخير للأمة، عقب حجب الثقة عن حكومة الوزير الأول السابق، ميشال بارنييه، إنه لن يستقيل وسيكمل ما تبقى من عهدته، كان يعلم جيدا أن مصيره ليس بيده.
في نفس الخطاب أظهر ماكرون ندما على قراره بحل البرلمان، شهر جوان المنصرم، قرار يدفع ثمنه اليوم غاليا، بسبب عجز الجمعية الوطنية الفرنسية (الغرفة السفلى للبرلمان) من تشكيل أغلبية قادرة على الحكم.
وضع ماكرون عقب سقوط الحكومة السابقة، لخصه جون فرانسوا كوبي، وهو رجل سياسي مخضرم ينتمي إلى حزب الجمهوريين، يومها قائلا: "لا يمكنه الصمود حتى 2027". فماكرون لا يستطيع تشكيل حكومة قادرة على الصمود في وجه حجب الثقة، ولا يمكنه حل هذا البرلمان الفسيفسائي قبل جويلية 2025.
وما زاد من متاعب نزيل قصر الإيليزيه، مشاكل مارين لوبان القضائية، فمنذ أيام قليلة انتهت محاكمة شدت انتباه الفرنسيين، مثُلت فيها رئيسة المجموعة البرلمانية لحزب التجمع الوطني المتطرف، كمتهمة في قضية توظيف مساعدين برلمانيين في البرلمان الأوروبي، تقاضوا أجورا دون أن تطأ أقدامهم مقر البرلمان.
الحبكة في الحكاية، هي أن ممثل النيابة العامة التمس عقوبة السجن 3 سنوات ومنع من الترشح لأي منصب طيلة نفس المدة، ما يعني أنه في حال أصدرت هيئة المحكمة حكمها شهر مارس المقبل وفق التماس النيابة، سيستحيل عليها الترشح سنة 2027 للرئاسيات..
فما العمل، حلمها الذي تعيش من أجله هو أن تصبح رئيسة لفرنسا؟ الحل الوحيد أمامها، دفع الأزمة السياسية الحالية إلى مزيد من التعفن بإسقاط أي حكومة يشكلها ماكرون، ودفعه للاستقالة في أقرب وقت قبل شهر مارس 2025.
مارين لوبان فندت من قبل هذا المخطط، لكنها، أمس، أقرت في حوار ليومية "لوباريزيان" أنها تحضّر نفسها لرئاسيات مسبقة، مؤكدة: "نعم، أحضّر نفسي لرئاسيات مسبقة بالنظر لتقلص هامش المناورة أمام الرئيس ماكرون".
وأضافت لوبان: "وضعيته (ماكرون)، هشة جدا، فالضربة القاضية قد تأتيه من أسرته السياسية، التي يمكن أن لا تتفق مع الوزير الأول الجديد، فرانسوا بايرو، أو من الأسواق المالية".
وهنا تقصد لوبان، أن فرنسا التي تتخبط في مديونية داخلية فلكية تجاوزت 3 آلاف مليار أورو، لا يمكنها تحمل تراجع الأسواق المالية العالمية عن منحها قروضا لتسيير البلاد.
ففي حال سقطت حكومة أخرى، فإن التصنيف الائتماني لفرنسا سيتراجع بدوره بسبب مخاوف المقرضين، وينجر عنه ارتفاع نسبة فوائد القروض الائتمانية التي لا يمكن لباريس أن تتخلى عنها.
والمفارقة في الأخير، هي أن مارين لوبان وجون لوك ميلونشون، زعيم حزب "فرنسا الأبية" اليساري، رغم عدائهما، سيضعان اليد في اليد لإسقاط حكومات ماكرون المستقبلية لدفعه للاستقالة، فحتى ميلونشون البالغ من العمر 73 سنة، يحلم برئاسيات مسبقة قبل أن يتقدم في السن أكثر، إن استمر ماكرون في الحكم حتى 2027.
للإشارة، فإن حكومة بارنييه سقطت بفضل أصوات حزبي لوبان وميلونشون.