الفطر البري.. من غذاء للفقراء إلى طبق للأثرياء

+ -

تحول الفطر البري من غذاء للفقراء والمحتاجين إلى أكلة للأثرياء ومادة لإعداد الأطباق الراقية، وكذا مصدر رزق للكثير من العائلات ببعض ولايات الوطن، والتي تلجأ للبحث عنه في الغابات وجمعه، ثم بيعه في الأسواق الشعبية وعلى حواف الطرقات، خاصة في ظل الإقبال الكبير الذي أصبح يعرفه من طرف فئة من المستهلكين لما له من أهمية غذائية، في واقع أدى إلى تسجيل ارتفاع في أسعاره.

هو نوع من النباتات البرية التي تنمو داخل الغابات، يعرف بـ "لحم الغابة"، ويطلق عليه في بعض المناطق اسم "اليرسال"، وفي مناطق أخرى "القرسال"، في حين يسميه آخرون "الخلخول" أو "المحاري". وكثيرا ما يبدأ هذا النبات بالظهور مع تساقط أولى الأمطار الخريفية ويستمر في الغالب إلى فصل الشتاء، وتجده بالأخص فوق جدوع أشجار البلوط، سيما اليابسة منها في شكل شرائح دائرية أو هلالية، إما ذات لون أبيض أو رمادي يتراوح قطرها بين 5 و25 سنتمترا أثناء النضج، حيث يتم تحضيره واستهلاكه في أطباق متنوعة.

 

 

غزو كبير للغابات بحثا عن الفطر البري

 

وكشف بعض سكان المناطق الجبلية بأن الغابات المتاخمة لهم أصبحت تشهد مع بداية فصل الخريف من كل سنة غزوا للكثير من الأشخاص، الذين يقصدونها بحثا عن هذا النوع من الفطر، سواء بغرض الاستهلاك في بيوتهم أو لتسويقه وضمان توفير مداخيل.

من بين هؤلاء الشاب "مهدي" 38 سنة، الذي يقول "بحكم أنني أعاني من البطالة، فضلت اقتحام عالم جمع وبيع الفطر البري لكسب بعض الأموال... كل موسم خريف ومع بداية ظهور هذا الفطر أغتنم الأيام التي تكون فيها الأجواء صحوة، وأقوم بجولات رفقة بعض أصدقائي داخل الغابة، بحثا عن كميات منه، وذلك لبيعه في السوق... لقد أصبح الفطر البري مصدر دخل الكثير من العائلات ذات المستوى المعيشي المحدود بالمنطقة في ظل الإقبال الكبير عليه".

من جهته، أشار "عمار" 44 سنة، بأنه يقوم بنشاط جني وبيع الفطر كل سنة، باعتباره يقطن في منطقة تشتهر بهذا النوع من النباتات، "الكثير من الغابات أصبحت تشهد خلال فصل الخريف وبداية فصل الشتاء غزوا من طرف الباحثين عن اليرسال وبعض الفواكه البرية الأخرى... الظاهرة استفحلت أكثر في السنوات الأخيرة بعد عودة الأمن إلى هذه الفضاءات".

ويضيف "في القديم كان الإقبال على اليرسال يقتصر على العائلات ذات المستوى المعيشي المحدود القاطنة بمحاذاة الغابات التي تقوم بقطفه والاستعانة به في إعداد الوجبات الغذائية، لكنه اليوم أصبح يباع في الأسواق، ما جعله محل اهتمام من طرف شرائح أخرى من المجتمع، بما في ذلك الكثير من النساء اللواتي يلجأن إلى البحث عنه وبيعه قصد توفير مداخيل إضافية".

  

سعر الكيلوغرام الواحد وصل إلى 900 دينار

 

وفي خضم هذه الوضعية، توسعت عملية بيع الفطر البري إلى الكثير من محلات الخضر والفواكه والبقالات وكذا الأسواق الشعبية، بعدما كان تسويقه في السابق يتم في أماكن معنية خاصة على حواف بعض الطرق، كما هو الشأن على مستوى ولاية جيجل، حيث أصبحت أغلبية الأسواق القديمة تشتهر ببيع الفطر البري، مثل سوق الجمعة بني حبيبي، أين أوضح "مراد" أحد الباعة بأن هذا النوع من الفطر يعرف إقبالا متزايدا من طرف زبائن السوق من سنة لأخرى.

كما أكد "أغلبية الذين يقدمون على شراء اليرسال هم من رجال المال والأثرياء، والأشخاص الذين يبحثون عن الأطباق المتميزة والراقية، إضافة إلى بعض أصحاب المطاعم الفخمة الذين أصبحوا يدرجونه ضمن قائمة المأكولات المعروضة خلال فصلي الخريف والشتاء".

وحسب المتحدث، فإن هذا الإقبال والأهمية الغذائية جعلت من أسعار الفطر البري ترتفع بسرعة، حيث وصل سعر الكيلوغرام الواحد هذه السنة في بعض المناطق إلى حدود 900 دينار، مع استقراره في مناطق أخرى عند 800 دينار، بعدما كان قبل سنوات قليلة لا يتجاوز الـ 500 دينار.

ويتم تناول الفطر البري بعد تحضيره بطرق تختلف من منطقة لأخرى ومن مطبخ لآخر، ويشير بعض الطباخين بأنه غالبا ما يقدم في شكل شرائح إما مشوي أو مقلي، في حين تفضل بعض العائلات استعماله في إعداد أطباق عصرية أو تقليدية متنوعة ومزجه مع مأكولات أخرى حسب رغبات كل منها، ويتميز بلذة وذوق خاص.

كما يحذر مختصون من عدم التفريق بين الفطر البري الصالح للاستهلاك وأنواع أخرى من الفطر السام، أو ما يعرف في كثير من المناطق بـ "الفقاع"، هذا الأخير الذي تسبب في إصابة أشخاص وعائلات بتسممات خلال السنوات الأخيرة.

وقد حركت هذه الحوادث السلطات ببعض الولايات، كما هو الشأن على مستوى ولايتي جيجل وسكيكدة، حيث أطلقت مؤخرا مؤسسات الصحة الجوارية بكل من الطاهير، أولاد عسكر وسيدي معروف وكذا المؤسسة الاستشفائية بالقل حملة تحسيسية في أوساط المواطنين حول مخاطر التسمم بالفطر البري.                           

 

"يجب الاستعانة بأصحاب الخبرة في عملية القطف لتفادي الفطر السام"

 

كشف الدكتور بواب ضياء الدين، أخصائي في أمراض الغدد والسكري بأنه ينصح بالاستنجاد بأصحاب الخبرة أثناء عملية قطف وتسويق الفطر البري، وذلك لتفادي استهلاك النوع السام.

أوضح الدكتور بواب، في تصريح لـ "الخبر"، بأن الفطر البري له فوائد غذائية وصحية كبيرة، باعتباره يحتوي على أحسن البروتينات، مقارنة بتلك الموجودة في اللحوم بأنواعها والأسماك، لأنه خالي من الدسوم، زيادة على كون الغرام الواحد من البروتين الموجود في الفطر أقل تكلفة من البروتين الذي تحتوي عليه باقي المواد الأخرى، مع توفره على العديد من الألياف.

وأضاف المتحدث بأن هذا النوع من الفطر يحتوي كذلك على نسبة معتبرة من الكالسيوم، فيتامين د، البوتاسيوم، مضادات الأكسدة، فضلا عن كونه خال من الغلوتين، ما يجعله غذاء صحيا للمصابين ببعض الأمراض على غرار داء السكري والضغط الدموي.

وأكد بواب من جهة أخرى بأن هناك أنواع من الفطر البري السام تتواجد على مستوى الغابات، وتسبب للأشخاص الذين يتناولونها أعراض خطيرة سواء على مستوى الجهاز الهضمي، أو حتى العصبي والعضلي، ما يستدعي، كما قال، ضرورة أخد الحيطة والحذر أثناء الاستهلاك، وذلك عن طريق الاستنجاد بذوي الخبرة والاختصاص.