لم ينتظر الاحتلال الإسرائيلي كثيرا بعد سقوط نظام بشار الأسد ليشرع في عملية تفكيك الجيش السوري وتصفية علمائه، في تكرار للسيناريو العراقي بعد إسقاط نظام صدام حسين، فما قامت به إسرائيل خلال اليومين الماضيين بتنفيذ أكبر هجوم جوي في تاريخ الكيان، استهدف المقدرات العسكرية والعلمية لسوريا، كان يحمل عدة رسائل لقائد "هيئة تحرير الشام"، أبو محمد الجولاني، وتحقيق أهداف استراتيجية وتصفية حسابات تاريخية مع سوريا. خلال 48 ساعة أقدم سلاح الجو "الإسرائيلي" على تنفيذ أكثر من 300 غارة جوية تسببت في تدمير أهم المواقع العسكرية السورية، بما فيها المطارات وأسراب الطائرات القديمة والحديثة والمروحيات وأنظمة الدفاع الجوي وأسلحة الإشارة ومواقع إنتاج ومستودعات أسلحة وصواريخ أرض أرض والسفن الحربية بميناء اللاذقية والبنى التحتية ومركز البحوث العلمية في برزة في دمشق، واعتبرت هذه العملية أكبر عملية عسكرية جوية في تاريخ الكيان المحتل، فاقت حتى العمليات التي شهدتها الحروب العربية الإسرائيلية سنتي 67 و73 حسب ما ذهب إليه متابعون.
وبرر الكيان هذه العمليات غير المسبوقة بذريعة "تدمير الأسلحة الإستراتيجية السورية التي قد تشكل تهديدا له"، كما يقول إنه يسعى لتدمير أسلحة النظام السوري السابق، وإن كانت الحقيقة أن هذه الأسلحة التي دمرها الاحتلال هي أسلحة الدولة السورية وهي ملك للشعب السوري ليحمي حدوده وسيادته المنتهكة.
لكن يبدو أن الكيان أراد انتهاز الفرصة لتفكيك جيش عمره حوالي 80 سنة وكان يعد أحد أهم الجيوش العربية التي شاركت في الحروب العربية ضد الكيان، وبالتالي تصفية حسابات تاريخية مع سوريا، إلى جانب جعلها مكشوفة الظهر دون حماية ولا قدرة لها للدفاع عن سيادتها ومصالحها، وبالتالي ستكون مستباحة بشكل أكبر ودون قرار ورهينة قوى دولية تفرض عليها أجندات وقرارات صعبة ربما ما كانت لتكون لو حافظت سوريا على مقدراتها العسكرية، وإن كانت قد تضررت خلال العشر سنوات من الحرب. وعليه، فإن سوريا لن تكون لها الفرصة حتى أن تفكر في استعادة حتى الأراضي التي تم اغتصابها من جديد بعد الإطاحة بنظام الأسد أو ترد على أي عدوان مستقبلي ربما يهدد وحدتها الترابية ويقضم المزيد من مساحة سوريا التاريخية.
رسالة أخرى حملتها العملية العسكرية للاحتلال الصهيوني في سوريا، طالت تقريبا كل مناطق سوريا وأماكن تواجد القواعد والمقرات العسكرية ومخازن الأسلحة، وفحوى هذه الرسالة أن الكيان الصهيوني ومن ورائه الولايات المتحدة والدول الغربية لا يثقون في الحاكم الجديد لسوريا، أمير جبهة النصرة المصنفة كجماعة إرهابية من طرف الولايات المتحدة، ولا يريدون أن يكون تحت يده الترسانة العسكرية المهمة التي كانت بين يدي الجيش السوري. العملية العسكرية لم تكتف بتفكيك الجيش السوري بل طالت أيضا علماءه ومختبره العلمي. ففي مؤشر خطير، ذكر الجميع بما حدث في العراق بعيد إسقاط نظام صدام حسين، عثر أمس على العالم السوري البارز في مجال الكيمياء العضوية، الدكتور حمدي إسماعيل ندى، مقتولا بظروف غامضة داخل منزله في العاصمة السورية دمشق، ويُعتبر من أبرز العلماء في مجاله وكانت له إسهامات كبيرة في تطوير الأبحاث الكيميائية على المستوى المحلي والدولي، ما يوحي بأن هناك مخططا لتصفية كل العلماء الذين يمكن أن تكون لهم إسهامات في بناء سوريا أو تكون إسهاماتهم مصدر إزعاج للكيان الصهيوني، ولا يستبعد أن يكون العالم على رأس قائمة اغتيالات ستكون سوريا مسرحا لها كما كان الحال مع علماء العراق، حيث تمت تصفية أكثر من 350 عالما نوويا وأكثر من 80 ضابطا في الجيش، ومحرك هذه الاغتيالات "إن هؤلاء العلماء والفنيين أخطر من أسلحة العراق الحربية، لأنهم هم الذين ينتجون هذه الأسلحة"، ونفس المبرر سيساق اليوم في سوريا وسنشهد اغتيالات بالجملة للعلماء السوريين.
ما تعيشه سوريا اليوم يعد نسخة كاربونية للسيناريو العراقي، ويجعل الحكام الجدد أمام أيام صعاب وتحديات جسام، واستباحة الكيان الصهيوني لسوريا بهذا الشكل أمام مرأى العالم وتواطؤ الدول الحليفة سيزيد من تعقيد مهمة "الجولاني" ومن معه، لأن هامش المناورة أمامهم ضيق ولا يملكون الوسائل ولا القدرة على تحريك الكثير من الخطوط داخل المشهد السوري الملغم داخليا وخارجيا إلا إذا كانت هناك أجندات تم وضعها مع الحلفاء ممن ساهموا في إسقاط نظام الأسد.