38serv
تعتبر سوريا دولة ذات أهمية جيوسياسية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، بالنظر إلى موقعها الجغرافي وتحالفات دمشق ضمن نطاق "محور المقاومة"، ما جعل انهيار نظام آل الأسد له تداعيات كبيرة على المنطقة وعلى الصعيد الدولي، ولعل أكبر المعنيين اللذان سيتأثران بشكل أكبر بخلع نظام بشار الأسد هما روسيا وإيران اللذان أسندا حكمه منذ تفجّر الأحداث في 2011، لأن رحيله يعني خسارة استراتيجية لا تعوّض.
وتوجهت الأنظار إلى كل من موسكو وطهران بعدما تأكّد نجاح عملية "صد العدوان" بإسقاط نظام بشار الأسد، وسيطرت المعارضة المسلحة على دمشق بعد أن وضعت يدها على مدن استراتيجية كحلب وحماه، وأعلنت روسيا منحها اللجوء السياسي لبشار الأسد وعائلته، وقامت بإنزال العلم السوري القديم ووضعت بدله العلم الجديد حسب ما نقلته وسائل إعلام سورية.
وباشرت موسكو، وفق وكالة "تاس"، اتصالات مع ممثلين للمعارضة السورية التي "ضمن قادتها أمن القواعد العسكرية الروسية والمؤسسات الدبلوماسية في سوريا"، وأوضحت على لسان مسؤول روسي، أن روسيا تدعم دائما البحث عن حل سياسي للأزمة السورية. وأكد المصدر في الكرملين، أن روسيا تأمل في مواصلة الحوار السياسي باسم مصالح الشعب السوري وتطوير العلاقات الثنائية بين روسيا الاتحادية وسوريا. وأشارت تقارير إعلامية بأن الوضع في محيط قاعدة حميميم الجوية وطرطوس البحرية متوتر للغاية. وتعتبر قاعدة طرطوس البحرية المنفذ الوحيد لروسيا إلى البحر الأبيض المتوسط، وتستعملها كقاعدة رئيسية لعملياتها ونشاطاتها في المياه الدافئة، كما أن قاعدة حميميم باللاذقية تعتبر محطة لنقل العسكريين والمتعاقدين الروس من وإلى إفريقيا التي أصبحت فضاء حيويا بالنسبة لموسكو لتوسيع نفوذها في القارة، وعليه فإن خسارة روسيا موطئ قدمها في سوريا سيعتبر خسارة استراتيجية كبيرة لروسيا على كل الأصعدة.
بالنسبة لإيران التي دعمت نظام الأسد وسخّرت كل إمكانياتها لبقاء نظامه على مدار 13 سنة الماضية، كون سوريا كانت حلقة مهمة في هندسة الإستراتيجية الإيرانية في المنطقة، حيث كانت همزة وصل بينها وبين حليفها الرئيسي في لبنان حزب الله، وامتدادا لأجنحتها في كل من العراق واليمن. وتبحث إيران، اليوم، عن علاقات طبيعية مع دمشق ما بعد الأسد، حيث فتحت قناة مباشرة للتواصل مع فصائل في القيادة الجديدة في سوريا، وأوضح مسؤول إيراني في تصريح لوكالة "رويترز"، أن هذا يمثل محاولة "لمنع مسار عدائي" بين البلدين، وأضاف: "هذا التواصل مفتاح لاستقرار العلاقات وتجنّب مزيد من التوترات الإقليمية". وقال بيان للخارجية الإيرانية، الأحد، إن طهران تدعو إلى "إنهاء الصراعات العسكرية على الفور ومنع الأعمال الإرهابية وبدء حوار وطني بمشاركة جميع فئات المجتمع السوري". وأضافت أنها "لن تدخّر جهدا في المساعدة على إرساء الأمن والاستقرار في سوريا"، وأنها "ستواصل مشاوراتها مع كافة الأطراف المؤثرة وخاصة في المنطقة"، وتوقعت أن تستمر "العلاقات الطويلة الأمد والودية بين الشعبين الإيراني والسوري على أساس اتباع نهج حكيم وبعيد النظر من البلدين."
لكن دخول مسلحين إلى السفارة الإيرانية بدمشق وتكسير مكاتبها والعبث بمحتوياتها، مؤشر سلبي حول مستقبل التواجد والنفوذ الإيراني في سوريا، وإن كانت طهران تعوّل على المكوّن الشيعي في سوريا لضمان حضورها في المشهد السوري المقبل.
وكل المعطيات اليوم أصبحت في غير صالح إيران، فمن جهة فقدت حليفها في سوريا، ومن جهة أخرى تزامن هذا المستجد مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهو المعروف بمواقفه المتشددة تجاه إيران التي خسرت ورقة مهمة في مواجهة الضغوط الأمريكية. ولم تكن لا روسيا ولا إيران قادرتان على مواصلة دعم وإسناد نظام الأسد الذي وصل إلى مرحلة النهاية خاصة، وأجبر هذا الوضع حليفيه إلى التخلي عنه بعد فقد الثقة في جيشه الذي تراجع بشكل مفاجئ أمام زحف قوات المعارضة المسلحة والذي أرجعه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى العامل النفسي وغياب الحافز، مشيرا إلى أن "الجيش السوري لم يؤدّ مهمته بشكل صحيح هنا، ولم يكن من المفترض أبدًا أن نحل محل الجيش السوري لحل مشاكلهم الداخلية وتسويتها".