38serv
في ظرف 11 يوما استطاع المسلحون في سوريا أن ينجزوا ما عجزوا عنه خلال 13 سنة وإسقاط نظام آل الأسد، أي منذ بداية أحداث درعا وعسكرة الثورة السورية، وما أعقب تلك الأحداث من تفجّر للأوضاع وتدخّل دولي دعمت كل دولة طرفا من أطراف الأزمة السورية، وهو ما دفعه لطرح العديد من الأسئلة حول الوصفة السحرية التي قادت من يقف وراء عملية "صد العدوان" إلى إسقاط نظام الأسد بهذه السهولة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه مرتبط بمستقبل سوريا وقدرة نجاح أبناء سوريا في النجاح في ما فشلت فيه باقي التجارب التي سبقتهم.
هناك الكثير من مناطق الظل في المشهد السوري خلال الأسبوعين اللذين سبقا سقوط نظام الأسد، خاصة من حيث التوقيت والظروف التي أحاطت وساهمت وسهّلت ومكّنت من وصول المسلحين إلى دمشق وانهيار الجيش السوري بتلك الطريقة، فمهما كانت قوة وتسليح الجماعات المسلحة لن تستطيع أن تتقدم نحو دمشق، وتتساقط في طريقها، بهذه الطريقة، حلب وحماه وغيرها من المدن التي كانت محاطة بتعزيزات عسكرية ليست بالهيّنة.
لا يمكن أن تكون قوة المعارضة المسلحة وإن جرى تدريبها وتسليحها وتنظيمها على مدار عام كامل، كما قال قائد عملية "صد العدوان" المدعو "الجولاني"، أن تنجز ما أنجزته خلال أسبوع واحد، وهي المهمة التي فشلت في تحقيقها على مدار تقريبا عقد ونصف من الزمن، لولا خطب ما جرى داخل الجيش السوري وتوافقات دولية حصلت، وكان سقوط حمص في أيدي المعارضة له الأثر المعنوي الأكبر على باقي قوات الجيش السوري الذي تفكّك وانهار بشكل سريع، في تكرار لسيناريو معركة مطار بغداد خلال غزو العراق.
كما أن انفراط عقد الجيش السوري، لم يترك حيزا للقوات الروسية ولا المليشيات الإيرانية أن تتحرك وحدها في ساحة المعركة، لكن مع ذلك لا يمكن أن يكون ذلك السبب الوحيد في رفع روسيا يدها عن النظام السوري بهذه الطريقة، وهنا تحضر فرضية أخرى وهي حصول روسيا على ضمانات من الأطراف التي رعت هجوم "صد العدوان" وعلى رأسها تركيا، لكن هل تشمل هذه الضمانات بقاء روسيا في سوريا وخاصة في ميناء طرطوس؟ منفذ روسيا إلى المياه الدافئة، وهل ستسمح الولايات المتحدة لروسيا بالتواجد بهذه المنطقة الإستراتيجية بعد سقوط نظام بشار الأسد؟ لا أحد يتصور بأن تقدّم واشنطن تنازلات مماثلة لموسكو في عز حرب الاحتواء المشتعلة في جبهات عدة ،على غرار أوكرانيا ومنطقة الساحل.
أما فيما يخص الحالة الإيرانية، لا أحد كان يتصور بأن إيران يمكن أن تتخلى عن بشار الأسد بهذه الطريقة، لأن ذهابه يعني تحجيم دورها في المنطقة وخسارة أوراق ضغط مهمة كانت تضغط بها على الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ما يجعل اليوم إيران دون أجنحة، وعليه فسقوط نظام بشار الأسد ستكون عواقبه وخيمة على النظام في إيران الذي أظهرت الأحداث أنه مخترق بشكل كبير، ولعل اغتيال القيادي في "حماس" اسماعيل هنية أكبر دليل على ذلك.
كما أن أسئلة أخرى تطرح نفسها بقوة بخصوص توقيت الهجوم، فمباشرة بعد نهاية الحرب في لبنان وفشل إسرائيل في تحقيق أي من الأهداف التي أعلنت عنها خلال عدوانها، سواء على لبنان أو على غزة، وهو العدوان الذي استغلته لضرب مواقع استراتيجية ساهمت في ضرب مفاصل عمل وتحركات الجيش السوري، وعليه ما تم الفشل في تحقيقه في لبنان وغزة، سيتم استدراكه بإسقاط نظام الأسد الذي كان يعتبر همزة وصل بين إيران وحزب الله وفصائل المقاومة في لبنان وفلسطين.
النظام السوري، اليوم، يدفع ثمن وضع كل بيضه في سلة روسيا وإيران، وكان باستطاعته بدلا من أن يستقوي بقوى خارجية، كما فعلت أيضا المعارضة المسلحة، كانت له كل الفرص الممكنة والوقت لأن يفتح حوارا حقيقيا مع المعارضة الحقّة السورية ويفتح المجال لبناء دولة ديمقراطية ويسمح بالتداول على السلطة، في آخر المطاف الأوكسجين الذي أبقى النظام السوري على قيد الحياة والذي وفّرته له كل من طهران وموسكو، جاء في الوقت الذي لم يعد يجدي نفعا وخسر بشار الأسد وحلفائه كل سوريا وخرج في آخر المطاف من الباب الضيق.