فرنسا: ماكرون في مرمى نيران اليمين المتطرف

38serv

+ -

لم يتجاوز عُمر حكومة ميشيل بارنييه بعد ثلاثة أشهر، وهي مهددة بالسقوط، كما يتضح من العديد من المؤشرات المرتبطة بالأخبار السياسية الفرنسية. وإذا حدث هذا، فسوف تُسجل حكومة بارنييه في التاريخ باعتبارها أقصر حكومة تنفيذية في حياة الجمهورية الخامسة.

سيكون هذا الأربعاء، 4 ديسمبر، بمثابة علامة فارقة إذا قدّمت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي، مارين لوبان، بصفتها زعيمة التجمع الوطني، اقتراحا بحجب الثقة والانضمام إلى اقتراح الجبهة الشعبية الجديدة NFP بسبب رفضها للميزانية. وترفض مارين لوبان تعديل المعاشات التقاعدية وأعلنت نيتها التصويت لصالح اقتراح حجب الثقة ضد الحكومة. وعلى الرغم من الموافقة على الحسابات بموجب المادة 49.3، فإن الحكومة لن تبقى على قيد الحياة هذا الأسبوع.

وصرحت لوبان قائلة "لقد عرضت عليه خطوطنا الحمراء ولم يرغب في قبولها "لا يمكننا قبول هذه الميزانيات غير العادلة إلى حد كبير، لأنها تجعل الفرنسيين يدفعون ثمن عدم كفاءة الرئيس ماكرون".

واستسلم بارنييه لثلاثة من "الخطوط الحمراء" الأربعة التي طرحتها مارين لوبان، فقد ألغى ضريبة على الكهرباء وخفض المساعدات الطبية للمهاجرين غير الشرعيين، وقرر عدم التوقف عن دعم الأدوية المختلفة، لكنه رفض تأخير زيادة المعاش لمدة ستة أشهر.

وبدا صباح الاثنين، أنه من الممكن التوصل إلى اتفاق بين حكومة الأقلية بقيادة ميشيل بارنييه وحزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان، لكن حاملة شعلة اليمين المتطرف رفضت السماح للمتقاعدين بالخضوع للتعديل الذي يراه رئيس الوزراء ضروريا. وتُقدم لوبان نفسها وتتموقع كزعيمة تهتم بجيوب الفرنسيين. وفي غياب اتفاق، أعلن بارنييه أنه ستتم الموافقة على ميزانيات الضمان الاجتماعي لعام 2025 دون تصويت برلماني بموجب المادة 49.3، كما فعلت الحكومة السابقة بناء على طلب الرئيس ماكرون فيما يتعلق بإصلاح نظام التقاعد. ولم تتأخر مارين لوبان في الرد بالقول "هذا النص، مثل الحكومة، يستحق سحب الثقة".

وللتذكير، كان اليسار قد أعلن بالفعل عن اقتراح بسحب الثقة، والذي سيتم مناقشته هذا الأربعاء. ويقود حزب لوبان حزبه الخاص، لكنه سيدعم الجبهة الشعبية الجديدة حتى تخسر حكومة بارنييه، لأنها لا تتمتع بالأغلبية في الجمعية الوطنية. وستكون هذه هي المرة الأولى منذ عام 1962 في عهد جورج بومبيدو التي تسقط فيها حكومة في فرنسا بهذه الطريقة، وتم تعيين ميشيل بارنييه في الخامس من سبتمبر الماضي بعد مفاوضات شاقة.

وخلال الانتخابات التشريعية المبكرة الصيف الماضي والتي دعا إليها الرئيس ماكرون بعد فشله المرير في الانتخابات الأوروبية لصالح حزب التجمع الوطني، انقسمت الجمعية الوطنية الفرنسية إلى ثلاث كتل (الجبهة الشعبية الجديدة التي حصلت على أكبر عدد من الأصوات) والتجمع الوطني وحلفاء ماكرون الوسطيين). ومع ذلك، لم يحصل أي منها على الأغلبية المطلقة. وأجّل ماكرون تعيين رئيس الوزراء إلى ما بعد دورة الألعاب الأولمبية في باريس، واستبعد أخيرًا أن يكون تحالف اليسار هو الفائز.

وقد اختار ميشيل بارنييه، وهو المحافظ الذي كان مفاوض الاتحاد الأوروبي بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والذي كان الوحيد الذي كانت مارين لوبان على استعداد لدعمه، وسيدخل بارنييه التاريخ تحت اسم ميشيل القصير.

ولتبرير استخدام المادة 49.3، صرح بارنييه قائلا "إن البلاد تمر بمشاكل خطيرة تجبرها على مواجهة التزامات معينة (...) لن يسامحنا الفرنسيون إذا اخترنا المصالح الخاصة على مصالح الأمة".

وبلهجة جديّة، أعلن بارنييه أن النواب "يجب أن يقرروا ما إذا كانت فرنسا لديها نص مالي مسؤول ومفيد للمواطنين أم أنها تدخل منطقة مجهولة". والحقيقة هي أنه من غير الممكن الدعوة إلى انتخابات جديدة قبل الصيف، لذا يتعيّن على ماكرون أن يبحث عن رئيس وزراء جديد وأن يشكل حكومة جديدة. وهنا مرة أخرى، يجب أن يكون ذلك على ذوق مارين لوبان.

ومن ناحية أخرى، ظلت علاوة المخاطر في فرنسا عند المستوى الذي كانت عليه قبل عشر سنوات، وهي قريبة من مثيلتها في اليونان.

واليوم، من الواضح أن ماكرون أصبح رهينة لليمين المتطرف. وفي الواقع، فرضت لوبان شروطا قاسية على بارنييه، مثل دعمه لإدخال قانون انتخابي نسبي. وهذا هو المفتاح لفوز التجمع الوطني بالانتخابات، حيث حصل على 37% من الأصوات في الانتخابات التشريعية الصيف الماضي، وبهذا الدعم سيكون الرابح الأكبر مع حلفائه المحافظين بقيادة إريك سيوتي، الذي تسبّب في انقسام داخل الحزب الديغولي، من خلال دعم لوبان في الانتخابات التشريعية. وطالبت لوبان أيضًا بتقييد جذري للهجرة وإجراء استفتاء على أولوية القانون الفرنسي على القانون الأوروبي.

 

الفوضى الاقتصادية

 

تمر فرنسا بوضع يثير قلق أوروبا، فقد بلغ الدين هذا العام 113% من الناتج المحلي الإجمالي واتسع العجز العام إلى 5,5%، وأصبحت سندات العشر سنوات أعلى من السندات الإسبانية والبرتغالية.

وأقر بارنييه بأن البلاد مهددة "بسيف دموقليس" وتحتاج إلى 60 ألف مليون يورو، يريد جمع 25.000 مليون مع زيادة الضرائب، سيبدأ الأمر بالشركات، لكنه سيذهب إلى أبعد من ذلك. وقد طلب بالفعل من المتقاعدين الانتظار بضعة أشهر في عام 2025 حتى يتم إعادة تقييم معاشاتهم التقاعدية. وفي المقابل، يترنح ماكرون، مع تراجع شعبيته، من مستنقع إلى آخر. ويلوح في الأفق احتمال إجراء انتخابات جديدة واستقالة نزيل قصر الإليزيه، الأمر الذي قد يؤدي حتى إلى قبر الجمهورية الخامسة وإلغاء الدستور الحالي.

وفي تجمع حاشد في نيس، يوم الأحد الماضي، قالت مارين لوبان: "نعتقد أنه ستكون هناك انتخابات في أقل من عام"، "لا يمكن أن يحدث ذلك إلا بعد مرور 12 شهرًا على آخر مرة والتي جرت في 30 يونيو و7 يوليو 2024".

مارين لوبان وطائفتها اليمينية المتطرفة موجودة بالفعل في الحملة التمهيدية تحت شعار: "حتى النصر"، ولن يكون احتلال ماتينيون إلا مقدمة للهدف النهائي، الإليزيه. وفي عام 2027 تطمح مارين لوبان إلى الانتقام من ماكرون الذي لم يتمكن من الترشح لولاية ثالثة، لكنه فرش السجاد الأحمر لزعيمة اليمين المتطرف.ال