اليمين الفرنسي يستغل توتر العلاقات مع الجزائر

+ -

أحيا اليمين الفرنسي من جديد مساعيه الهادفة إلى إلغاء اتفاقية الهجرة الجزائرية -الفرنسية لعام 1968، عبر مقترح تقدمت به النائب ميشال طابارو، ابنة أبيها "جاك" العضو المؤسس لمنظمة الجيش السري الفرنسي المتورط في ارتكاب جرائم بحق الجزائريين قبيل الاستقلال، في محاولة من هذا التيار لاستغلال الظرف المتأزم في العلاقات الثنائية.

ويستمد المقترح الجديد روحه من مبادرتين اقترحهما حزبها العام الماضي، الأولى على مستوى الجمعية الوطنية عن طريق النائب إيريك سيوتي المطرود من الحزب، ومجلس الشيوخ عبر برونو روتايو، وزير الداخلية الحالي ورئيس كتلة الجمهوريين السابق بالمجلس، وفشلتا في تحقيق أهدافهما، حيث عارضهما 151 (اليسار وأنصار الرئيس إيمانويل ماكرون)، مقابل 114 مؤيد (اليمين التقليدي المتطرف وسط النواب الذين شاركوا في عملية التصويت البالغ عددهم 267 في عملية التصويت بالجمعية الوطنية الفرنسية).

وتدعو اللائحة الحكومة الفرنسية للتنصل من الاتفاقية الفرنسية الجزائرية الموقعة في 27 ديسمبر 1968، وتذرعت صاحبتها بأن الاتفاقية تم التفاوض بشأنها في سياق سياسي ودبلوماسي واقتصادي مختلف تماما عن الواقع الحالي، وأضافت أنها، أي الاتفاقية، أنشأت نظاما قانونيا مناسبا للجزائريين لا يبرره أي شيء اليوم، معتبرة أنه لم يعد هناك سبب يبرر استفادة المواطنين الجزائريين من هذا الوضع القانوني الذي يسهل دخولهم إلى فرنسا وإقامتهم في ظل ظروف أفضل من تلك التي يحكمها قانون دخول وإقامة الأجانب.

وقالت طابارو في عرض الأسباب إن المزايا التي توفرها الاتفاقية للرعايا الجزائريين أحدثت شرخا في النظام القانوني بفرنسا، زيادة على مسؤوليتها عن التواجد الكبير للجزائريين على الأراضي الفرنسية، مستندة إلى أحدث الإحصائيات للمعهد الوطني للإحصاء، إذ يشكلون أول جنسية أجنبية في فرنسا وثاني مستفيد من تصاريح الإقامة الأولى وثالث بلد منشأ لحاملي التأشيرات الصادرة عن فرنسا بعد المغاربة، وهو ما لم تشر إليه البرلمانية في عرض الأسباب خوفا من إضعاف حجتها، باعتبار أن المغاربة يخضعون للنظام العام المنظم للهجرة (الجزائر تراجعت إلى المرتبة الرابعة بعد الصينيين المغاربة والهنود في 2023).

واحتمت مثلها مثل غلاة اليمين بورقة السفير السابق كزافيي دريانكور التي لفت فيها إلى أن الاتفاقية تحرم المشرع والحكومة الفرنسية من إمكانية التصرف بشكل كبير في حركة الأشخاص القادمين من الجزائر.

كما استخدمت النائب في تبريرها من جديد المزاعم بعدم بذل السلطات الجزائرية ما يكفي من التعاون، لاسيما فيما يتعلق بإصدار التصاريح القنصلية التي من دونها لا يمكن الوفاء بالتزامات مغادرة الأراضي الفرنسية.

ولم تفوت البرلمانية الفرصة للإشارة إلى الوضع المتدهور للعلاقات الجزائرية الفرنسية منذ الصيف الماضي، آخره مسلسل الكاتب بوعلام صنصال محاولة إيصال فكرة مفادها أن فرضية إعادة التفاوض على اتفاقيات 1968 التي أعلنتها إليزابيث بورن، رئيسة الوزراء السابقة في نهاية عام 2023، لم تعد عملية، ما يوجب التنصل منها.

وتابعت أن المخاوف بأن إلغاء الاتفاقية التي عوضت أحكام اتفاقية إيفيان التي تتيح حرية أكبر لرعايا البلدين لا يؤدي حتما إلى الوضع السابق أي معاهدة "إيفيان"، وقالت: "سيظل المواطنون الجزائريون، في أي حال، خاضعين لقواعد دخول منطقة "شنغن" بعد التعديلات التي أدرجت على الاتفاقية"، مستبعدة قبول السلطات الفرنسية، بمجرد التنديد بالاتفاقية، بالسماح لجميع الجزائريين الذين يحملون بطاقة هوية بسيطة بدخول فرنسا.

ورقة انتخابية

ومن الجلي أن البرلمانية التي لا تفوت أي فرصة لاستهداف الجزائر تريد هي وعائلتها السياسية استغلال الظرف السياسي الحالي المتميز بالتدهور المتسارع للعلاقات الثنائية الجزائرية الفرنسية على مستويات عدة، خصوصا منذ تفجر قضية "الصيد الكبير" بوعلام صنصال، للإجهاز على هذه الاتفاقية التي تبقى هدفا لقوى اليمين بتياراته على أمل إرضاء الأوساط المعادية للمهاجرين في أفق إجراء انتخابات برلمانية مسبقة في فرنسا.

وتحتاج المبادرة إلى عدة أشهر لبرمجتها، وسط تساؤلات عن الموقف الرسمي الفرنسي منها، علما أن وزير الداخلية برونو روتايو من أكبر داعمي إلغاء الاتفاقية.

ويحتاج الجمهوريون (46 عضوا) إلى رفقائهم المبعدين بزعامة إيريك سيوتي (16 عضوا) والتجمع الوطني (124 عضوا) وكتلة آفاق المؤيدة للوزير الأول الأسبق إدوارد فيليب المشكلة من 34 عضوا.

ومن الناحية القانونية لن يكون للتصويت لصالح الاتفاقية أي أثر قانوني، باعتبار أن الدستور لا يتيح لهم إصدار قرار ملزم للحكومة، لكن من الناحية السياسية فإنها ستزيد وضع العلاقات الثنائية تأزما وضرب المصالح الفرنسية في الجزائر.