حراس المنارات البحرية.. ظروف عمل قاسية مقابل أجور زهيدة

+ -

عددهم الإجمالي على المستوى الوطني لا يتعدى الأربعمائة مستخدم، يتولون تأمين حركة البواخر والملاحة البحرية على طول الشريط الساحلي للبلاد، مقابل أجور زهيدة جدا وظروف عمل قاسية وخطيرة، وفي كثير من الأحيان استثنائية، لاسيما على مستوى المنارات المعزولة.. كيف لا وهم يعملون لمدة تصل إلى عشرة أيام متتالية دون انقطاع لا ليلا ولا نهارا، تتكرر مرتين في الشهر، معرضين حياتهم لأخطار محدقة تستهدفهم من كل الاتجاهات.

جدّدت نقابة حرّاس المنارات التابعة لوحدة الغرب مطالبها إلى أعلى السلطات في البلاد، من أجل الالتفات إلى حالة هذه الشريحة العمالية الاجتماعية والمهنية الماضية، حسب السيد قادة أوزار أمين عام النقابة، في التدهور، "بالرغم من كل نداءات الاستغاثة التي تم توجيهها في وقت سابق لكل الجهات ذات الصلة، فضلا عن شرعية المطالب والانشغالات المرفوعة من قبل عمال تم تجريدهم من أبسط حقوقهم المخولة بقوة القانون ومزاولتهم لمهام ذات ثقل في أجواء من المخاطرة والمغامرة "، على حد تعبيره.

وحسب ذات المتحدث، الذي أدلى بتصريح لـ "الخبر" أمس، فإن "دار لقمان بقيت على حالها، بل على العكس ازدادت الأمور تعقيدا، في ضوء تجميد كل الترقيات وانعدام أي تربصات مفترضة لصالح المستخدمين، مقابل أجور ومستحقات زهيدة تصل في أحسن الأحوال إلى حدود 37 ألف دج لحارس قضى قرابة ثلاثة عقود من الخدمة كحارس في منارات بحرية جلها معزولة في عرض البحر، مع ما يترتب عن ذلك من مخاطر وصعوبات، ناهيك عن غياب أي تكفل بالحالات المرضية وما أكثرها، نتيجة ضغط العمل وصعوبته".

 

المنارات المعزولة الرهان الصعب

 

ولاستظهار وجه من أوجه معاناة هؤلاء العمال، لا يزال حارس منارة رأس الإبرة مثلا الواقع في منطقة كريشتل بوهران، "المنارة على بعد 4 ميل بحري من مرفأ الصيد"، يواجه صعوبات جمّة عقب تدبّر أمر تنقله إلى عين المكان، من خلال اضطراره إلى تجاوز سلالم حجرية موروثة من عهد الاستعمار للوصول إلى موقع المنارة في أعلى الجبل بعلو يصل إلى 137 متر من على سطح البحر.

مع ما يترتب عن ذلك من مشاق وجهد كبيرين، نتيجة حمله لمتاعه ومعداته، والمؤونة الغذائية التي تكفيه لقضاء عشرة أيام متتالية، مع إمكانية تمديد هذه الفترة الزمنية الطويلة أصلا إلى أجل غير مسمى في حال اضطراب الأحوال الجوية وهيجان البحر.

باعتبار أن الآلة التي تركها المستعمر والتي تتولى نقل أي وسائل ومعدات من الأسفل باتجاه المنارة عن طريق زر فقط، باتت معطلة، ولم تكلف إدارة الديوان الوطني للإشارات البحرية نفسها عناء إصلاحها، تاركة أعوانها يصارعون مشقة نقل قارورات الغاز، والأفرشة، والأغذية التي يشترونها من أموالهم الخاصة، فضلا عن الأواني التي يحضرونها من منازلهم بسبب عدم توفرها في كل المنارات، والأضواء التابعة لوحدة الغرب والمتمثلة في سبع منارات، زائد 19 ضوء.

دون الحديث عن الوضع الكارثي الذي آلت إليه البناية نتيجة تصدع الجدران وانهيار بعض الأسقف وتحطم بعض السلالم وتخريب جل المعدات.

وتشتد معاناة الحراس وظروف عملهم القاسية جدا في محور المنارات البحرية المعزولة يضيف ذات المتحدث، على غرار منارة رأس الإبرة بكريشتل، ومنارة جزر حبيباس، ومنارة رشقون ببوزجار، ومنارة أرزيو، بجهة وهران فقط، ناهيك عن المنارات المماثلة والتي تقع في كل جهات الوطن ما يستدعي تغيير هذا الوضع من خلال تدخل مستعجل من قبل الجهات المعنية للوقوف على هكذا ظروف تتنافى مع كرامة العامل وتتهدد حياته في كل حين، نتيجة استمرار تطفل بعض الدخلاء على هذه المواقع أمثال بعض الحراقة والمعتدين في غياب أي وسائل حماية أو طرق نجدة سريعة، وهو ما أدى في كثير من الأحيان لتعرض بعض العمال لمضايقات واعتداءات.

 

بحارة بموجب المهام وموظفون بأرض الواقع

 

والغريب في الأمر يضيف المسؤول الأول عن نقابة حراس المنارات، هو أن "هؤلاء العمال يقضون كل أوقات عملهم في البحر، وأحيانا في عرضه لتأمين حركة البواخر والملاحة البحرية في إطار المهام الموكلين بها، والمتمثلة أساسا في إشعال الأضواء، وتثبيت الإشارات لتفادي ارتطام البواخر بأي حواجز صخرية داخل المياه.

إضافة إلى مهام أخرى كثيرة إلا أنهم لا يزالون يتبعون لاختصاص وزارة الأشغال العمومية ومصالح الوظيف العمومي، ومجردين من صفة البحري التي يمارسونها في أرض الواقع، مع حرمانهم الكلي من أي امتيازات يحظى بها نظراؤهم ممن يتقلدون مثل هذه المهام في أسلاك أخرى".

والحال كذلك، أدت هذه الظروف القاسية والوسائل شبه المنعدمة والامتيازات المحدودة إلى نهايات مأساوية حسب ذات المتحدث، نتيجة استفحال الأمراض المهنية التي أدت إلى مفارقة بعض الحراس الحياة أثناء خدمتهم، أو بمجرد استفادتهم من التقاعد، مثلما حدث مؤخرا مع أحد الحراس.

مضيفا بأن يوميات حرّاس المنارات لم تتغير، وقصص المغامرات التي يواجهونها في مناطق معزولة دون أية حماية لا تزال على حالها، وهو ما يحكم على بعض الحرّاس بتفويت فرصة حضور مراسيم دفن أقربائهم، مثلما حدث مع بعض العمال من بينهم حارس تعذر عليه تشييع جنازة ابن أخيه لأنه كان يعمل على مستوى جزر حبيباس الواقعة على مسافة 16 كيلومتر في عرض البحر، ولم يتسن له الحضور إلا بعد تفكيك خيمة العزاء وانصراف كل المشيعين والمعزين من الأهل والجيران والأقارب.

تماما مثلما حدث لعامل آخر في سنوات سابقة، الذي كان مداوما في نفس المنارة المذكورة "جزر حبيباس" وترك زوجته حامل، وتوفيت أثناء وضعها ولم يحضر جنازتها بسبب اضطراب البحر.