توصلت فرنسا والجنرال المتقاعد خليفة حفتر إلى تفاهمات تفتح الباب أمام الشركات الفرنسية لوضع يدها على مشاريع إعادة الإعمار في ليبيا التي عانت على مدار أكثر من 14 سنة من ويلات حرب أهلية نتيجة إسقاط نظام القذافي. وقد كانت فرنسا فاعلا رئيسيا في تفجير ليبيا وتقف مباشرة وراء تصفية القذافي ودورها أيضا في دعم الانقسام في ليبيا إلى اليوم خدمة لمصالحها.
جاءت هذه التفاهمات موازاة مع مشاركة واسعة لشركات فرنسية في "فوروم ليبيا- فرنسا" الذي انعقد بمدينة بنغازي شرقي ليبيا خلال اليومين الماضيين، حيث ستتكفل الشركات الفرنسية بأشغال إعادة الإعمار الممولة من طرف صندوق "التنمية وإعادة إعمار ليبيا" الذي يديره بلقاسم حفتر، نجل الجنرال المتقاعد الذي يسيطر على شرق ليبيا. وكان بلقاسم حفتر قد شارك منذ أسبوع في مؤتمر "الطموح الإفريقي" الذي احتضنته العاصمة الفرنسية باريس.
ومعلوم أن حفتر قد أسند لنجله بلقاسم حفتر إدارة صندوق "التنمية وإعادة إعمار ليبيا"، في حين وضع ابنه صدام حفتر على رأس المليشيات التي يديرها ويرتقب أن يخلف والده وتتهمه الأمم المتحدة باستيلائه على أموال هائلة من البنك المركزي الليبي، فيما أكدت منظمة العفو الدولية أنه ارتكب "بعض المجازر" في الشرق الليبي، في حين يرى قطاع واسع من الليبيين في أبناء حفتر مصدرا للموت والفساد والدمار، مع ذلك لا تجد فرنسا أي إشكال أخلاقي في أن تضع يدها في يد حفتر وأبنائه.
وشراكة فرنسا والجنرال المتقاعد خليفة حفتر ليست وليدة اليوم، حيث إن باريس كانت من بين أكبر الداعمين للعملية العسكرية الفاشلة التي قادها الجنرال المتقاعد للسيطرة على العاصمة طرابلس سنة 2019، التي خلفت عددا كبيرا من القتلى وتدميرا كبيرا للبنية التحتية.
فبعد أن شاركت فرنسا، خلال فترة حكم الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، في تدمير ليبيا وقيادة العمليات العسكرية للناتو في ليبيا من أجل إسقاط القذافي، وهو ما أدى إلى تدمير واسع للبنية التحتية الليبية، واصلت في عهد الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون لعب هذا الدور من خلال شراكتها مع الجنرال حفتر.
ولعبت فرنسا دائما دورا سلبيا في ليبيا منذ إسقاط نظام القذافي، من خلال مشاركتها في المؤامرة ضد الشعب الليبي، سواء من خلال تحريك الأحداث في بنغازي التي انطلقت منها شرارة الأزمة أو بتوفير الدعم العسكري واللوجستيكي والإعلامي "للثوار"، كما ساهمت في تعزيز الانقسام الداخلي ومنع أي جهود دولية خيرة لتوحيد صفوف الشعب الليبي ومؤسساته، من خلال دعمها المفتوح للجنرال المتقاعد الطامح للسلطة بأي ثمن وبأي طريقة كانت، وهو ما ساهم في زيادة الشرخ بين الإخوة الفرقاء في ليبيا وتثبيت الانقسام بين بنغازي وطرابلس، من خلال دعم حكومات موازية لحكومة معترف بها دوليا. واليوم تسعى فرنسا لأن تقبض الثمن من خلال إعادة بناء ما كانت سببا في تهديمه من منشآت حيوية خلال الحرب على ليبيا أو خلال الهجوم الفاشل على طرابلس، وتقدم مقابله ملايير الدولارات على حساب الشعب الليبي ومقدراته، وهو ما يفسر حرص فرنسا الدؤوب على منع التوصل إلى أي تفاهمات أو حلول في ليبيا ، لأن وحدة الصف الليبي ينهي أي دور أو مصلحة لفرنسا في ليبيا.
إن ما قامت به فرنسا ليس غريبا ولا جديدا على الفكر الاستعماري الفرنسي، الذي كان ولا يزال محركها الأساسي لمشاريعه الاستعمارية والتوسعية، خاصة في القارة الإفريقية، وإن اختلفت الأساليب والخطط، حيث تقوم بإشعال الحروب وتدمير الدول وضرب مقوماتها بهدف السيطرة عليها وعلى ثرواتها ومقدراتها، وهو ما فعلته وتفعله حرفيا في ليبيا اليوم. وتستفيد فرنسا، في تنفيذ خططها الاستعمارية مختبئة وراء شعار "إعادة الإعمار"، من خدمات وكلاء حولوا جزءا من ليبيا إلى مملكة وإلى سجل تجاري في خدمة الأجندات الخارجية والمصالح الدولية مقابل ضمان بقائهم في الحكم. نفس المخطط الذي تنفذه في ليبيا تنفذه أيضا في المغرب، فبعد سيطرتها على الاقتصاد المغربي، حيث إن الشركات الفرنسية تدير القطاعات الحيوية في المغرب، وضعت الآن نصب أعينها خيرات وثروات الشعب الصحراوي، ومن أجل وضع يدها على هذه الثروات قام الرئيس الفرنسي بخطوة ضد الشرعية الدولية ومواثيق الأمم المتحدة، لاقت تنديدا داخل فرنسا وخارجها، بعد قيامه بالاعتراف بالسيادة المزعومة للنظام المغربي على الصحراء الغربية، وقبل القيام بهذه الخطوة قامت الشركات الفرنسية بزيارة الإقليم المحتل من الصحراء الغربية لاستكشاف فرص الاستثمار بتأطير من السلطات الفرنسية.
ففرنسا التي خسرت موقعها بمنطقة الساحل وبترت أذرعها تسعى لتفعيل مخططاتها الاستعمارية من جديد في كل من ليبيا والصحراء الغربية، من خلال تعزيز والتمكين للانقسام في ليبيا، ومنه شفط أكبر قدر ممكن من أموال الشعب الليبي التي يقدمها الجنرال المتقاعد كرشاوى مقابل بقائه في الحكم، أو من خلال دعمه للاحتلال المغربي للصحراء الغربية من أجل السيطرة على مقدرات وخيرات الشعب الصحراوي.