+ -

 يعاني إخوان لنا في فلسطين وغيرها من الظلم والعدوان والإبادة الجماعية، ما يتطلب منا نجدتهم ومساعدتهم ومدّ يد العون لهم دون منة أو شفقة، بل هو الواجب العيني في مثل هذه الظروف، وإن أي تقصير أو تخاذل منا في ذلك سنحاسب عليه في الدنيا والآخرة.

إن من أوكد حقوق الأخوة بين المسلمين وأَولاها أن يحمل بعضهم عبء بعض، وأن يبادروا إلى مساعدة بعضهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، قال الله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه بها كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة”...

لقد قَدِم المهاجرون من مكة إلى المدينة وهم في حال من الفاقة والحاجة الشديدة، فوجدوا إخوانهم الأنصار في استقبالهم بصدرٍ منشرح، ونفوسٍ سمحة، وأيدٍ مبسوطة بالبر والعطاء، يواسونهم بالأموال، ويؤنسونهم بالحب والوصال، فكانوا في الكرم وحسن السجايا مثلا يحتذى، وبلغوا في الفضل مبلغا استحقوا به ثناء الله تعالى عليهم، ومدحه سبحانه لهم؛ حيث قال عز وجل: {والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}، وعن أنس رضي الله عنه قال: لما قدم النبي صلّى الله عليه وسلم المدينة أتاه المهاجرون، فقالوا: يا رسول الله، ما رأينا قوما أبذل من كثير ولا أحسن مواساة من قليل من قوم نزلنا بين أظهرهم، لقد كفونا المؤنة وأشركونا في المهنأ، حتى لقد خفنا أن يذهبوا بالأجر كله، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: “لا، ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم”.

إخوان لنا في فلسطين وغيرها، في كرب شديد وضيق وضنك، نسأل الله تعالى أن يرفع ما بهم من بلاء، ونملك لهم أن ندعو الله عز وجل ولا نعجز أو نفتر عن الدعاء، بل أعجز الناس من عجز عن الدعاء، والله عز وجل يجيب دعاء من دعاه: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون}.

والواجب أن يسارع المسلمون جميعهم لدعم الفلسطينيين، ماديا ومعنويا، ووقف آلة الحرب والتدمير، وبكل ما تيسّر من السبل؛ السياسية والإعلامية والمادية والإغاثية، واللهج بالدعاء لهم بالنصرِ والثبات. فهذا فرض عظيم، والتخاذل عنه إثم جسيم، وتركهم يجوعون من أعظم المحرّمات، وأشدّ الموبقات.

وعلينا نصرهم بما تيسر من مال أو غيره، ففي حديث الصحيحين: “انصر أخاك ظالما أو مظلوما”، ونعني بالنصرة تلك الغيرة الإيمانية التي تدفع المسلم لرفع الظلم عن أخيه المسلم المستضعف، أو لمدّ يد العون إليه. وإن نصرة فلسطين والفلسطينيين ومساعدتهم واجب أخلاقي وإنساني وشرعي، توجبه علينا الظروف القاسية التي يمرّ بها إخواننا، من قصف متواصل، وتقتيل وتشريد العزل، وهدم بيوتهم وسلب أرضهم ومحاولة تهجيرهم، حيث لا يمكن وصف ذلك إلا بالإبادة الجماعية والعالم “المتحضر” كله يتفرّج، مع الأسف، بل يسارع إلى مدّ يد العون للمعتدي الغاصب.

ولنحذر جميعًا، كل الحذر، من خذلان إخواننا وعدم التفاعل معهم ونصرتهم ومساندتهم، فخذلان المسلمين سبب لخذلان الله للعبد، فعن جابر بن عبد الله وأبي طلحة بن سهل الأنصاري رضي الله عنهم جميعا، قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تُنتَهك فيه حرمته، ويُنتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرِئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه، ويُنتَهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب نُصرَته”.

فلا ينبغي لقادر أن يتأخر عن نجدة إخوانه وإغاثتهم وتخفيف آلامهم، فواجب الأمة نحوهم البذل بسخاء، شكرا لهم وتثبيتا لأقدامهم، ونكاية في عدوهم. هذا وإن الوحدة الشعورية بين المسلمين منحة قدسية ومنحة إلهية يخلفها الله تعالى على قلوب المخلصين من عباده والأصفياء من أوليائه، وهي قوة إيمانية نفسية تورث الشعور العميق بالمحبة والعاطفة والاحترام والثقة المتبادلة بينهم، وتورث أخلص المشاعر الصادقة، باتخاذ مواقف إيجابية من محبة وإيثار ورحمة وعفو وتعاون وتكافل وابتعاد عن كل ما يضرّ في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وكرامتهم.