تبين من خلال ملاحظة الأطراف المطالبة بـ "الإفراج الفوري" عن الكاتب الفرنكو - جزائري، بوعلام صنصال في فرنسا، الموقوف تحت النظر بالجزائر، بأن أغلبهم جهات وتيارات سياسية تنتمي إلى اليمين المتطرف والدوائر التي تقدم خطابا معاديا للجزائر وخادما للسردية الصهيوينة، أحيانا، بينما فئة محدودة من الأدباء والمثقفين، يدافعون عن الرجل من منطلق حرية التعبير.
واللافت أن رموز تيار اليمين واليمين المتطرف، جلهم انخرطوا وتحركوا بقوة من أجل الإفراج عن الأديب ومعهم المجلس الاستشاري للمؤسسات اليهودية "كريف" والسياسيين المعروفين بعدائهم الشديد للجزائر، كإيريك زمور ومارين لوبان وسارة كنافو والدبلوماسي الفرنسي السابق غزافييه دريانكور وسيلين بينا، كاتبة عمود في شبكة "سي نيوز"، ما يوحي أن دافعهم لا يتعلق بحرية التعبير فقط، وإلا لماذا لم يتحركوا عندما قتل عشرات الصحفيين في غزة بفلسطين؟ والسؤال الذي يفرض نفسه : هل سيفعل هؤلاء نفس الشيء لو أن الكاتب بوعلام صنصال كان تحدث عن حدود فلسطين المغتصبة سنة 1948 بدل حدود 1967 مثلا، وعن مخلفات جرائم فرنسا في القارة الإفريقية وهل ستصنف طروحاته ضمن حرية التعبير لو تحدث عن أن 7 أكتوبر عبارة عن رد فعل ومقاومة احتلال، وليس هجوما على مدنيين .. أم أنه يصنف ضمن خانة "معاداة السامية" ويتم عزله عن الإعلام وإبعاده عن دوائر التأثير، مثلما حدث للمفكرين الفرنسيين روجيه غارودي رينيه غينو، وتمارس شتى أنواع العنف الرمزي وأساليب الإبعاد والمحاصرة الناعمة.
وفي هذا الاتجاه كتب أستاذ العلوم السياسية والإعلامي سابقا، عابد شارف، قائلا في منشور على حسابه بمنصة "إكس"، "مع كل هذا الدعم، نخاطر بحدوث مظاهرات شعبية في الجزائر للمطالبة بإبقائه رهن الاحتجاز" .. ويحمل منشور عابد شارف الساخر، دلالات رمزية استفهامية حول أسباب وأسرار تحرك هذه التيارات بهذه القوة لفائدة صنصال، بينما تدس رؤوسها في التراب، عندما يتعلق الأمر بالقضايا التحررية والمضطهدين الحقيقيين.
وذهبت هذه النخب التي ترى عادة جزءا واحدا من الصورة، ومنهم نائب حزب التجمع الوطني، غيوم بيجو، إلى حد القول "إذا مس النظام في الجزائر شعرة من رأس هذا الرجل المضيء، فسيتعين على فرنسا الرد بطريقة مدمرة"، في تعليق ينطوي على حجم الغضب الذي انتاب رموز هذا التيار إثر توقيف صنصال ويثير التساؤل حول أسباب تمتع صاحب مؤلف 2084 نهاية العالم، المتهم بسرقة عنوانه، بهذه الحظوة لدى هذا التيار اليميني المتشدد .
كما يتعين التوقف عند بيان مجلس المؤسسات اليهودية في فرنسا، الذي نادرا أو لم يسبق له أن أعلن تضامنه أو تحرك لفائدة كاتب أو مثقف أو سياسي يحمل الجنسية الجزائرية، مثلما قام مع الكاتب محل التوقيف، وفي ذلك أيضا إشارة قوية إلى وجود تقاطع ورابط قوي بين طروحات الكاتب والطروحات الصهيوينة، التي على أساسها يباد شعب برمته في غزة.
وخارج هذه الدائرة، يستفيد صنصال أيضا من دعم من دوائر أدبية وثقافية، كالمقال الذي نشره كتاب فرنسيون وأجانب، بينهم أربعة حائزين على جائزة نوبل في الأدب والكاتب البريطاني الشهير سلمان رشدي، ومعهم وول سوينكا وهو دعم يبدو مفهوما ومألوفا، كونه يأتي "زملاء" في المجال، غير أنه قد يتم استعماله في غير سياقه، أو في إطار "حق يراد به باطل" ولم يكن صنصال محل إجراءات أمنية في السنوات الماضية، غير أنه بعد حوار أجراه في وسيلة إعلام م لها ميولات يمينية متطرفة "Frontières"، تطرق صنصال إلى "التشكيك في حدود الجزائر"، والقول إن "كل غرب الجزائر ينتمي تاريخيا إلى المغرب"، الأمر الذي وضعه، على ما يبدو، تحت طائلة مواد خطيرة في قانون العقوبات الجزائري، وبمجرد دخوله إلى الجزائر، اُقتيد إلى التحريات الأمنية.