لم يكن الشاعر أبو الطيب المتنبي حكيما فقط، عندما قال: "إذا أتتك مذمتي من ناقص.. فهي الشهادة لي بأني كامل"، ولكنه كان صاحب استشراف يفوق مراكز البحث والدراسات الحالية، التي ترتبط نتائجها بعامل الوقت، مثل المعلبات التي لها مدة محددة لصلاحية استهلاكها، كيف لا وهو درس حقيقة سيوتي وزمور ولوبان وروتايو.. وغيرهم من القطيع دون أن يعرفهم. استرجعت حكمة المتنبي، وأنا أسمع وأشاهد ما يسمى بـ"النخب" السياسية والإعلامية الفرنسية، التي تتداول يوميا على نفث سمومها، بسبب ومن غير سبب، على الجزائر وتنعتها بشتى النعوت والشتائم.
هذه الأسماء التي تقدم نفسها للرأي العام، على أنها ملائكة، وغيرها شياطين، سرعان ما يسقط عنها القناع، رغم مساحيق "الماكياج" التي تعمد إليها قنوات بولوري لتبييضها في غسالة العهر الإعلامي، فهي مطلوبة في العدالة ومتورطة في الفساد المالي والأخلاقي، ومتهمة في ملفات اختلاس ورشاوى وبيع الذمم والمناولة لصالح من يدفع لها أكثر.
كل الذين يتطاولون على الجزائر، صحيفة سوابقهم العدلية مملوءة بـ"الجرائم"، وهذا شأنهم مع الفرنسيين الذين ينتخبونهم أو يرفعون أسهمهم في المزاد الإفسادي، لكني كنت أتمنى أن من ينتقد الجزائر ويشتكي من نظامها أو حتى من يشتمها، يكون على بياض أو خاليا من العيوب، على الأقل، ليثير فينا التأمل في أقواله لعل وعسى، أو يكشف لنا اعوجاجا فينا لم نكن نراه أو لا نرغب فيمن يذكرنا به، لكن للأسف لم نجد سوى من هو متابع قضائيا في أكثر من اختلاس للمال العام، أو محكوم بالسجن وممنوع من الترشح لأي انتخابات بفرنسا أو مكبل بـ"بالسوار الإلكتروني".
وفي تقرير رسمي عام 2024، تم تسجيل 934 جريمة تتعلق بالمساس بالنزاهة، استغلال النفوذ، وتضارب المصالح، والمحسوبية وغيرها.
وقد ارتفعت جرائم الفساد التي يعاقب عليها القانون بالسجن لمدة قد تصل إلى 10 سنوات، من 278 حالة في عام 2023 إلى 324 حالة في عام 2024. وضمن هذه الدائرة تنفرد الأحزاب اليمينية في فرنسا، وخاصة حزب التجمع الوطني والحزب الجمهوري، بأنها من بين الأكثر تورطا في قضايا الفساد، ومن أن قيادييها أيديهم ملطخة بالرشاوى والفضائح الأخلاقية.
رائحة نخب هذه الأحزاب التي تتجنى يوميا لـ"شيطنة" الجزائر بماضيها وحاضرها، ملوثة إلى درجة أن استطلاعات الرأي أكدت أن 85 بالمائة من الفرنسيين يعتقدون أن الطبقة السياسية بحاجة إلى تغيير، مما يعكس استياء واسعا من الفساد.
وللحيلولة دون حدوث هذا التغيير في الداخل الفرنسي، فإن دغدغة المشاعر بالحنين إلى وهم "الجزائر الفرنسية"، هو آخر ما يملكه هذا التيار، وهو ترويج خطاب معاداة الجزائر، لكسب أصوات انتخابية تكسب الحصانة لأمثال إيريك سيوتي المطلوب في العدالة رفقة كريستيان إيستروزي، أو تمنع حبل المقصلة عن مارين لوبان وتخرجها من الساحة السياسية نهائيا، أو تعيد بعث مسيرة إيريك زمور أو تحمي برونو روتايو بـ"الجزائرفوبيا"، لكي لا ينتهي مثلما انتهى قبله فرانسوا فيون ونيكولا ساركوزي وبريس هورتوفو وكلود غيون في مزبلة التاريخ.
قد ينجح خطاب هؤلاء في خداع البعض من الفرنسيين لبعض الوقت، في حملة الدعاية ضد الجزائر وشعبها، لكن ليس لكل الوقت، لأنهم أشبه بقطع مسطحة مثل "الزبدة"، سرعان ما تذوب لمجرد سطوع شمس الحقيقة عليهم، لأنهم مشروع فساد وإفساد ومرتزقة ومجرمون بقرار من القضاء الفرنسي الذي ينتظر ملفاتهم الواحد تلو الآخر، وصدق المتنبي حين قال: "إذا أتتك مذمتي من ناقص.. فهي الشهادة لي بأني كامل"، وكذب صنصال وسيوتي وزمور ومارين لوبان ومن سار في تيارهم إلى يوم يبعثون.
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال