+ -

عندما تختبر الرحلة من العاصمة إلى وادي سوف (700 كلم إلى جنوب شرقي العاصمة) على متن سيارة أجرة، مرورا بولاية بسكرة، ستكتشف كم هو شاق الطريق الرابط بين البويرة ووادي سوف مرورا ببسكرة، غالبية مقاطعه متعبة لا تستجيب لخطة تجسيد إقلاع اقتصادي وتنمية مستدامة في مناطق الهضاب العليا. كان يفترض أن يكون ممرا سهلا لعقد سلام الصلح مع المستقبل،

كان يفترض فتح طريق سيار من البويرة إلى مدينة الألف قبة، يسمى (طريق المستقبل) يليق بالإمكانات والمؤشرات الاقتصادية والتجارية والسياحية الواعدة التي تزخر بها هذه الولاية، يفتح شهية العمل والاستثمار، يصالح الجزائريين مع الصحراء ويخرجهم من الصورة النمطية التي تلقن في المناهج والمقررات المدرسية من غير اكتشافها واختبار جمالها وإمكانات المستقبل المتوفرة بها وتحويلها إلى رقعة جغرافية جالبة ومستقطبة للحياة.

 

الريادة في عدة محاصيل..

 

من بسكرة (نحو 500 كلم جنوب شرق العاصمة) وفي الطريق إلى مدينة الألف قبة، كان بعض من أبناء هذه المدينة على متن سيارة الأجرة، يتحدثون عن مغامراتهم مع الأرض، مع الفلاحة، خصوصا وأن (الوادي) احتلت مكانة امتيازية في مخيلة الجزائريين كوجهة شهيرة بإنتاج البطاطا ومنظومة واسعة من الخضر والفواكه.

وفيما يشير عبدالله (45 عاما) بمنطقة (غمار)، إلى أنه باع كل ما لديه من ممتلكات لشراء ما أمكن من عتاد للانخراط في إصلاح الأرض والاستثمار فيها، يقول نعيم "لقد كانت مغامرة بأتم معنى الكلمة، عندما أقبلت على بيع كل ما تمتلكه زوجتي من ذهب لاقتحام عالم زراعة الأرض..."، في مؤشر واضح إلى الفكر الجديد الذي راح يبرز ويتهيأ في أذهان الناس هناك لاستصلاح الأرض والاستثمار فيها، لتقديم قيمة مضافة لنفسه ولقطاع الفلاحة، بدل أن يبقى حبيس متلازمة (انتظار ما هو اجتماعي) من الدولة.

هذا الفكر الجديد المتمرد على متلازمة (المواطن الذي ينتظر مساعدة الدولة)، جعل وادي سوف تبرز كوجهة رائدة في توفير الأمن الغذائي الوطني، ويقول مدير المصالح الفلاحية، عدلان معطى الله، "في السنوات الأخيرة أصبحت وادي سوف تسهم في توفير الأمن الغذائي في عدة محاصيل زراعية وحققت 7 بالمائة من مجموع الإنتاج النباتي من أصل الإنتاج النباتي الوطني، فيما بلغ مجموع إنتاج المحاصيل الحقلية 13 بالمائة وإنتاج الطماطم 20 بالمائة من مجموع الإنتاج الوطني والثوم 16 بالمائة والبصل 5 بالمائة والبطاطا أزيد من 40 بالمائة من مجموع الإنتاج الوطني، محطمة بذلك المرتبة الأولى وطنيا في هذا المنتوج..".

ويرتقب، تبعا لتصريحات المسؤول ذاته، أن يتم الشروع في تموين السوق الوطنية بالبطاطا اعتبارا من النصف الثاني من شهر نوفمبر إلى غاية بداية أفريل المقبل، وهو "تموين يضمن فترة الفراغ الوطني ويسهم في استقرار الأسعار التي عرفت التهابا، وهو منتوج معروف بنوعيته ينتج بشكل موسمي ومتأخر..".

 

سمعة عالمية..!

 

والزائر لبعض البلديات بوسعه الوقوف على مقدرات وإمكانات زراعية هائلة تزخر بها الولاية كبروز أقطاب فلاحية عملاقة في عدة شعب، مثل تطوير زراعة الذرى وعباد الشمس ضمن الإستراتجية الوطنية الهادفة إلى تقليص فاتورة الاستيراد في مجال الصناعات الزيتية. ويقول مدير المصالح الفلاحية "لدينا عدة أقطاب زراعية، قطب زراعي متخصص في الحبوب بالمنطقة الحدودية بني قشة وآخر خاص بالخضراوات بصفة عامة بمنطقة سوف، تشمل البطاطا، الفول السوداني، البصل، الثوم والطماطم الحقلية. كما تشهد الولاية تطورا جد ملحوظ في المحاصيل المحمية تحت البيوت البلاستيكية العملاقة..".

وموازاة مع ذلك، راحت وادي سوف تفرض نفسها كوجهة بارزة لإنتاج التمور، بعد أن راح القطب المتخصص في زراعة النخيل يتوسع، فهي الولاية التي تنفرد بخاصية نظام (الغوط) وهو نظام مصنف ومحمي من قبل منظمة اليونسكو بالنظر إلى خاصية التمور التي ينتجها.

وعرفت الولاية ازدهارا في تصدير هذه المادة ووصلت إلى مرحلة متطورة في اتجاه دول أوروبية وآسيوية، نتيجة وحدات التكييف، بعد أن أصبحت تحوز على شهادات دولية تسمح لها بولوج الأسواق العالمية (ISO 2022.ufs…) للبلدان الأوروبية والآسيوية.

 

السوفي مقدس للعمل...!

 

البروز اللافت لهذه الولاية زراعيا، نجد تفسيره في الثقافة الشعبية المتوارثة بخصوص تقديس العمل في جانب خدمة الأرض، وهي ثقافة لا تزال حية وفاعلة في أذهان المواطن السوفي، ما جعلته يقدم على العمل رغم قساوة الطبيعة وضغط الظروف بشكل متواصل، على نحو ما يشير إليه الدكتور خليفة قعيد، مراسل "الخبر" سابقا، في كتابه "تفعيل الثقافة الشعبية في التنمية المستدامة، نموذج وادي سوف"، جاء فيه "إن الإنسان في سوف وفي مراحل تاريخية استطاع بعبقريته أن يهتدي إلى مياه الطبقة السطحية القريبة من الأرض، كما تمكن من تدليل الطبيعة القاهرة واستغلال المعطيات البيئية، إذ قام بتسخير حركة الرياح لتصريف زحف الرمال وإبعادها عن (الغوط)، بعد أن حدق في زراعة النخيل واستغلال مكوناتها...".

ولا يزال مفعول هذه الثقافة الشعبية في التعاطي مع الزراعة متواصلا، استنادا لأقوال بعض من أبناء الولاية، وكانت له ارتداداته على تجليات النمو الذي حققته الوادي وراحت تفرض نفسها كوجهة لافتة لخلق الثروة وتقديم قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، في مؤشر واضح لبروز فكر جديد للعمل يكسر متلازمة الريع اللعينة التي رهنت مستقبل البلاد والعباد لعشريات طويلة، فكر بوسعه فتح أذهان ملايين العمال والموظفين بالجزائر ممن ينتظرون الأجر الشهري، على إمكانات بديلة لتحرير أنفسهم من متلازمة الأجرة الشهرية. إنه فكر عملي يؤسس لفكر مواطنة جديد، يرسم القطيعة مع (المواطن الاتكالي الذي أصبح ينتظر إلا ما هو اجتماعي) (citoyen assisté).

 

أوقفوا أبناءهم عن الدراسة..!

 

فإذا زرت مدينة الألف قبة وقبة، كما أسمتها الباحثة السويسرية إيزابيل ايبرهارد، ستسمع روايات العديد من الناس ممن يقولون "إن هناك من باع منزله للحصول على ما يلزم من مال لشراء العتاد اللازم لخوض مغامرة الاستثمار الفلاحي.."، بينما يشير آخرون إلى أن "هناك من أوقف أبناءه عن الدراسة نهائيا وإلحاقهم بتجربة خدمة الأرض والاستثمار فيها..."، في إشارة واضحة إلى أن السوفي يؤمن بالاحتمالات التي تجعل الحياة تعاش أيضا بأشكال أخرى، فالحياة من منظور أنثربولوجي، تعاش بأشكال منحنية ومسطحة ومكعبة وليست مستقيمة فقط كما اعتاد عليها غالبية الناس.

ولعل أحسن وصف لقيمة العمل والمثابرة لدى إنسان وادي سوف، كما جاء في الكتاب المذكور، هو ما أورده الفرنسي (cauvet Gaston) في كتابه (سوف والسوافة)، قائلا "هذا النشاط الجسدي والفكري، هذه الجدية والمثابرة في العمل، يشكلان أحد الطباع الأكثر بروزا.... أبدا، لن يتهرب السوفي من العمل وفي ساعات النهار الأكثر حرارة..".

 

"أصبحت سلة غذاء الجزائريين..."

 

وتستوي الوادي على مساحة فلاحية إجمالية تقدر بمليون و47 ألف هكتار، المستغلة منها إلى غاية اليوم هي 91 ألف هكتار، فيما بلغت المساحة المخصصة للمراعي 700 ألف هكتار، في مؤشر واضح إلى أن مستقبل الفلاحة له آفاق واعدة قياسا بالأراضي الشاسعة.

ويقول مدير المصالح الفلاحية "إن المساحة المستغلة هي في توسع من عام لآخر ولاسيما في جانب المحاصيل الحقلية والخضراوات، وساعد على ذلك توفر الولاية على ثروة مائية، جعلت كل المحاصيل مسقية ولا تعتمد على الأمطار، تستعمل فيها محاور الرش والري بالتقطير...".

وفيما رفض مدير المصالح الفلاحية إعطاءنا أي إحصائيات بشأن بعض الشعب الإستراتجية وآفاقها المستقبلية، نزولا عند تعليمات وتوصيات وزير الفلاحة حماية لما أسماه، بعض المعلومات الإستراتجية للأمن الغذائي، أكد لنا في الوقت ذاته قائلا "وادي سوف أصبحت سلة الأمن الغذائي للجزائر، بعد أن أصبحت الطماطم والثوم والبصل والبطاطا... تنتج خلال موسمين، أي ولاية تتميز بنمط زراعي بموسمين لكل محصول...".

 

تسعف الجزائريين بالشمة والسجائر..

 

إنها ولاية تسعف الجزائريين حتى بـ"الشمة والسجائر"، كونها تحتل المرتبة الأولى وطنيا في إنتاج التبغ باعتبارها محصولا زراعيا يدخل ضمن التحويل الصناعي الموجه للاستهلاك وطنيا، في شكل شمة وسجائر تنتجها المؤسسة الوطنية للتبغ والكبريت، تتواجد زراعتها بكل من بلديات قمار، الرقيبة، حاسي خليفة، المقرن بإنتاج سنوي يقارب 45 ألف قنطار، وهي زراعة كانت متواجدة حتى خلال الحقبة الاستعمارية، راهنت عليها عشرات العائلات ممن رأت فيها مصدرا اقتصاديا تقليديا.

وساعدت برامج دعم الدولة لتأطير مختلف الشعب الفلاحية، يضيف، في شكل تحفيزات من جانب زيادة كمية الأسمدة المقدمة للفلاحين من 20 إلى 50 بالمائة التي اقرها الرئيس عبد المجيد تبون، تشمل الحبوب، البطاطا، النخيل، فضلا عن دعم وزارة الفلاحة لبرنامج الري المتضمن تقديم الدعم، في جانب محاور الرش والسقي بالتقطير وحفر الآبار.

إذ يتم تخصيص كل موسم ما بين 80 و100 مليون دينار للري، بينما يتم رصد ما بين 600 و700 مليون دج للأسمدة، وظلت يد الدولة ممدودة في كل موسم لدعم كل ما له صلة بالمكننة الزراعية تتضمن الجرارات ولواحقها كالحاصدات، برصد 15 إلى 20 مليون دينار كل موسم.

كما بات دعم الدولة متواصلا لفتح المسالك الكهربائية في خطة لفتح مزيد من المسالك الفلاحية في ظل حرص السلطات المركزية والمحلية على زيادة عدد المستثمرات. كما تم، استنادا للمسؤول ذاته، إعادة بعث عملية تسوية العقار منذ 2022 تحت إشراف والي الوادي الذي أعطى أولوية لمعالجة مختلف الملفات العالقة.

كما ظل دعم الدولة متواصلا في مجال حماية الصحة الحيوانية في جانب توفير اللقاح المجاني للمربين وتوفر مختلف المبيدات للمعالجة الصحية النباتية لمعالجة الآفات الاقتصادية للتمور.

وقد ساعد النمو في مختلف المحاصيل الزراعية على إشعال شهية متعاملين اقتصاديين ممن يرغبون بالاستثمار في الصناعات التحويلية، ولو أن مديرة وكالة الشباك الموحد للاستثمار بالواد رفضت منحنا أي معلومات عن الاستثمار وآفاقه تحت ذريعة أنها لم تحصل على ترخيص من المديرية العامة للوكالة الوطنية للاستثمار، وهو المنطق ذاته الذي واجهناه مع عدة قطاعات هناك.

 

في انتظار فتح طرقاتها..

 

ومع ذلك، ظلت ولاية الوادي مغلقة من جانب الطرقات الوطنية التي لم تكن في مستوى الاسم الذي صنعته الولاية لنفسها في مجال النمو الزراعي خلال السنوات السبع الأخيرة، ولا حتى في مستوى الرهان التجاري الذي تتهيأ له الوادي، بحكم توفرها على منفذين أو معبرين حدوديين مع تونس وليبيا.

ويقول مدير الأشغال العمومية، عبدالله صلاي، "الولاية لم تدرك تهيئة وتحديث لكل المحاور الكبرى، الاقتصادية والاجتماعية، فقط يوجد إلى غاية اليوم، محور أول يعرف انطلاقة في أشغال ازدواجية الطريق الوطني رقم 48، يربط ما بين الوادي وبسكرة على مسافة 60 مترا كشطر ثان، لتبقى عدة محاور أخرى ذات أهمية اقتصادية واجتماعية، تتطلب التحديث والازدواجية، منها الطريق الوطني رقم 16 وتكملة الطريق الحدودي إلى حدود ولاية ورقلة..".

وتابع المدير قائلا "ولاية الوادي بإمكانها الارتقاء إلى مصاف عاصمة حضرية، كونها تتربع على فضاء اقتصادي كبير تحمله شبكة طرقات ذات أهمية قصوى، هما الطريقان الوطنيان 48 و16 مع الطريقين الوطنيين 121 و123، الرابطين بين الشريط الحدودي والمدن الشمالية كخنشلة، تبسة، بسكرة مع الحدود الجنوبية كولايات المغير، تقرت وورقلة، ما يستدعي في أقرب وقت تحديث وإنجاز ازدواجية لهذه الطرق الوطنية للوصول إلى درجة مقبولة من إعادة الاعتبار لها، يستجيب لحجم الاحتياج الوطني المهيأ من تراب الولاية في اتجاه المدن الشمالية والدول المجاورة عن طريق فضاءات التبادل التجاري..".

 

فضاء اقتصادي عملاق..

 

واستجابة لتجسيد هذا التوجه، يضيف، قامت مصالح الأشغال العمومية مؤخرا وتحت إشراف الوالي ببذل مجهودات جبارة لأجل بعث ازدواجية الطريق المزدوج رقم 48 في شطره الثاني، إنهاء أشغال تدعيم بعض المقاطع للطرق الوطنية 16 و48 مكرر وإنهاء توسعة المطار الدولي وبعث وتدعيم الطريق الوطني رقم 16 عبر ثلاثة (3) مقاطع متباينة بطول 40 كلم...".

وموازاة مع ذلك، يجري الترتيب حاليا للتكفل بملف استفادة ولاية الوادي من السكة الحديدية، إذ وإلى غاية اليوم، يضيف المدير، تمت كل التنسيقات الضرورية مع مصالح الوكالة الوطنية للدراسات وإنجاز السكة الحديدية (أنسريف)، بعقد عدة اجتماعات تكفلت بدراسة كل التحفظات عن المسارات الجارية دراستها والتي تشمل ثلاثة (3) محاور، المسار المزدوج بين مركز الولاية ومنطقة سطيل، الوادي-تقرت والمحور الثالث يتمثل في الوادي ومنطقة جبل العنق...".

ويرتقب أن تسهم كل هذه المنشآت والهياكل القاعدية مستقبلا في تغيير وجه ولاية الوادي، من جانب الرد على الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والزراعية، بل وستشكل فضاء مناسبا للمناطق الحرة الحدودية مستقبلا، أي أن السكة الحديدية والطرق الوطنية المزدوجة إلى جانب المطار الدولي ستشكل تهيئة فضائية شاملة للولاية وباقي الولايات المجاورة والمناطق الحدودية، ما يجعل من الوادي واحدة من أكبر الفضاءات الاقتصادية بالمنطقة.

إذ وطالما سمع الناس بشروع السلطات المركزية والمحلية في الترتيب للدراسة التقنية الخاصة بالسكة الحديدية وبداية أشغال إنجاز الطريق الوطني المزدوج رقم 48 في شطره الثاني، راح مستثمرون يتوافدون على نحو لافت على المنطقة الصناعية وباقي مناطق النشاطات، يضيف المدير.

 

ترقب لفتح منطقة التبادل الحر..

 

وتنظر السلطات العليا للبلاد إلى المعبر الحدودي الطالب العربي، ضمن رؤية إستراتجية ترمي إلى تنمية مناطق الجنوب الحدودية، كونه يسهم في تفعيل الحركة التنموية، ريثما يتم تحويله إلى مركز تجاري هام، أي منطقة تبادل تجاري حر، يبعد 84 كلم عن الوادي متاخم للشريط الحدودي مع الشقيقة تونس، يصنف اليوم كأضخم مركز عبور في البلدان المغاربية، يتربع على 12 هكتارا، يعد واجهة اقتصادية وتجارية وسياحية وثقافية هامة للجزائر في الجنوب الشرقي للبلاد، بل هو منصة هامة للتصدير ومعبر بري للمسافرين.

وإلى غاية اليوم، تسكن عديد المستثمرين حالة ترقب لتفعيل دور المعبر الحدودي التجاري والاقتصادي ويعلقون عليه آمالا واسعة في مجال الاستثمار، بالنظر إلى أن الوادي تتصدر ولايات الوطن في إنتاج الخضر، ما يشجع على الاستثمار في الصناعات التحويلية، خصوصا وأن بنود اتفاقيات التعاون والشراكة بين الجزائر وتونس، دخلت الخدمة منذ سنوات (بين وادي سوف) ومدينة (توزر التونسية) شملت أربعة مجالات ذات طابع استثماري اقتصادي، تشمل السياحة، الفلاحة، الثقافة والصناعات التقليدية.

كما يمكن للجزائر تفعيل الشريط الحدودي مع الشقيقة ليبيا وجعله حيا، على اعتبار أن وادي سوف تعد من أقرب المناطق إلى ليبيا (750 كلم)، ولا سيما إذا ما تم تفعيل ورد الاعتبار للمعبر الحدودي الدبداب التابع حاليا لولاية إليزي، فهي قريبة بدليل وجود سوق بقلب مدينة الألف قبة وقبة يسمى (سوق ليبيا)، ولو أنه سوق فقد أهميته ومفعوله ولم يبق منه اليوم إلا الاسم، كما يصفه بعض من أبناء المدينة.

 

ولاية حافلة بالحياة...!

 

الزائر اليوم لوادي سوف، بوسعه الوقوف على رثم الحياة المتصاعد من يوم لآخر على خلاف باقي ولايات الجنوب، إنها ولاية اشتعلت بها الحياة وراحت تكسر الصورة النمطية التي سكنت مخيلة الجزائريين عن ولايات الصحراء، بعد أن راحت تستقطب إليها الزوار من كل الولايات. فعلى أرضها تتقاطع يوميا طموحات الجزائريين العديدة، بينهم من يأتي بحثا عن الاستثمار في الفلاحة وآخر للعمل في حقولها، فيما يفتش آخرون عن فرص لتنمية تجارتهم ونسج علاقات تتيح لهم خوض مغامرات رابحة على أرض بلدان الجوار، بينها التهريب. في غمرة كل ذلك، يتواصل تدفق القادمين من تمنراست وأدرار وتندوف وغرداية والأغواط، وحتى من العاصمة ومدن شرق وغرب البلاد، بحثا عن العلاج في ولاية صحراوية نجحت في تسويق نفسها في مجال فشلت فيه كثير من الولايات.

رثم الحياة المتصاعد الآخذ في التشكل، ترك ارتداداته الإيجابية على مناحي الحياة وجعل المدينة ترافق عشاقها إلى ساعة متأخرة من الليل بمطاعمها ومقاهيها، جعل الفنادق والمراقد ومختلف الفضاءات تنتعش وتخرج من حالة الفتور والشلل التي اجتازتها قبل سنوات.

ويرى مدير السياحة والصناعات التقليدية، ياسين عبابسة، أن "الوادي تحولت إلى وجهة للسياحة التجارية، بعد أن أصبحت قطبا تجاريا بحكم كونها ولاية لها حدود مع تونس وقربها من ليبيا، بل وتحولت أيضا إلى وجهة السياحة العلاجية... وستحتضن المهرجان الدولي للسياحة الصحراوية اعتبارا من يوم 14 نوفمبر.

 

سمعة وطنية...!

 

راحت السياحة العلاجية تنتعش من عام لآخر، فهي التي تحتضن مستشفى الصداقة الجزائرية الكوبية المختص في أمراض العيون، ناهيك عن العيادات الخاصة الآخذ عددها في الزيادة من عام لآخر، على نحو جعلها وجهة تستقطب الباحثين عن العلاج من كافة الولايات وانعكس ذلك على ازدهار التجارة وما هو اقتصادي.

 وعلى خلاف باقي ولايات الجنوب، أصبح لوادي سوف سمعة وطنية بتحولها إلى وجهة للعلاج، ويقول مدير الصحة والسكان "وادي سوف تحولت إلى نقطة استقطاب علاجية لباقي الولايات ممن يقصد زوارها مستشفى السرطان ومستشفى الصداقة الجزائرية الكوبية المختص في أمراض العيون... كما يقصدون العيادات الخاصة..". وواصل قائلا "في وادي سوف يتواجد كثير من التوارق القادمين من الجنوب الكبير، بل يقصد مستشفياتها وعياداتها القادمون أيضا من شرق ووسط وغرب البلاد.. وهذا الجانب الصحي أعطى قيمة مضافة للتنمية بالولاية، من جانب خلقه حركة تجارية وسياحية واقتصادية..".

إذ أن ما لحظناه هو انفراد الوادي بتغطية صحية لافتة بولايات الجنوب، فهي تتوفر على مؤسسة استشفائية وأخرى للأم والطفل وكذا المؤسسة الاستشفائية لمكافحة السرطان ومستشفى الصداقة الجزائرية الكوبية لطب العيون، فضلا عن أربعة (4) مؤسسات عمومية جوارية.

وموازاة مع ذلك، يرتقب أن تدشن عدة مشاريع تبعا لتصريحات مدير الصحة، منها المؤسسة الاستشفائية المتخصصة، الأم والطفل من 180 سرير، فيما ينتظر قريبا تدشين عيادة متعددة الخدمات بها دار للولادة بمنطقة ظل متواجدة بدوار الماء بالقرب من الحدود الجزائرية التونسية، في مسعى تنمية المناطق الحدودية، ناهيك عن تجهيز عيادة متعددة الخدمات كليا ببلدية قمار.

وضمن مساعي تقريب الصحة من المواطن، بات قطاع الصحة العمومي مثار ارتياح لدى المواطنين، بعد أن أصبحت سيارات رباعية الدفع المجهزة بوسائل الطب الحديثة تقتحم مناطق الظل لتجنب الساكنة عناء التنقل على مسافات طويلة ومكلفة، كما تم إعادة النشاط لعيادة متعددة الخدمات ببلدية الحمراوة (110 كلم) عن الوادي، بعد إعادة ترميمها وتجهيزها وتفعيل نشاط دار الولادة، بعد أن كان سكانها يتنقلون إلى ولايات مجاورة، وساعد في توسيع دائرة التغطية الصحية توفر وادي سوف على معهد للتكوين شبه الطبي.

وبات للقطاع الخاص كلمته أيضا في هذا المجال، وأصبح حاضرا بقوة في جانب استثماراته في إنجاز العيادات الجراحية الخاصة، على نحو أعطى قيمة مضافة لقطاع الصحة الذي راح يستقطب إليه حتى تونسيين وليبيين، وساهم بشكل غير مباشر في التنمية المحلية بالولاية، يحدث ذلك في وقت يجري الترتيب لإنهاء مسار رقمنة ملفات المرضى.

 

تنوع العرض السياحي..

 

وعلى أرض وادي سوف ما يتيح للزائر، أن يسيح في الأرض ويختبر ما لا يمكن اختباره في أوقات بولايات أخرى، ففي أزمة كوفيد-19، فتحت الولاية مسارات سياحية مثل نشاط سفري (خرجات عائلية إلى الرمال). هذا التقليد، يقول مدير السياحة، استغلته وكالات سياحية عبر ثلاثة (3) دواوين سياحية.

تنظم معارض بالبناءات القديمة والغوط أو العرق (عمق الصحراء) والمشاركة في ألعاب والاستمتاع بغروب الشمس، بعدة مناطق مثل دوار الماء، إذ يسمح الموسم السياحي الذي يبدأ من شهر أكتوبر إلى غاية شهر أفريل بتنظيم عدة أعياد، مثل عيد المدينة، عيد الناقة وعدة سباقات، بينها سباق المهاري، الخيل، سباق السلوقي وتنظيم جلسات شعر، وكذا مهرجانات منها مهرجان الأغنية السوفية يحضرها عادة سياح أجانب من مختلف الجنسيات (إسبانيا، فرنسا، إيطاليا، روسيا... تونس، ليبيا..".

وبوسع الزائر اكتشاف الوجه الآخر للسياحة الدينية بالنظر لكثرة الزوايا، بينها الزاوية التيجانية، فضلا عن تنامي المساجد بها مثل المسجد الشهير بمنطقة خبي، لكنه الدين أيضا الذي تستثمر فيه تيارات سلفية تتنافس على تقاسم الفضاء الاجتماعي، ناهيك عن أسواقها الشعبية لمعروفة مثل سوق لعشاش وسوق ليبيا بوسط المدينة، إنها البصمات التي تكشف عن الوجه العريق للواد المختبئ أيضا في عدد من الفنادق مثل فندق (ترانزيت) الذي تحول إلى معلم تاريخي وتكتمل اللوحة بمشاهد المنارات التي تميز المدينة.

وتتيح الطبيعة الصحراوية بالوادي لأي زائر اكتشاف تنوع بيئتها وهي التي تستوي على مناطق رطبة، أبرزها شط ملغيغ. ويراهن قطاع السياحة بالولاية على توفير العقار السياحي لجلب مزيد من المستثمرين، ويقول مدير السياحة "نسعى إلى تطوير مختلف الأقطاب السياحية، النهوض بقطاع الصناعة التقليدية وإبراز أشكال سياحية جديدة متوافقة مع الخصائص البيئية المحلية، كسياحة المسالك، المخيمات، السياحة الفلاحية والرحلات الطويلة..".

 

وجه تجاري جديد...!

 

ومع أن وادي سوف هي الوجه الآخر أيضا للتجارة الموازية وملابسات أخرى غير مرئية وفضاء مفتوح على جبهات عديدة للتهريب بكل أنواعه، إلا أن اللافت في مدينة الوادي، هو المنطق الجديد في تغيير وجه المدينة تجاريا، بعد أن برزت شوارع تنافس أبرز الشوارع والأحياء في العاصمة في بيع وتسويق ماركات الألبسة العالمية والعطور مثل شارع خميستي... إنها مدينة بدأت تنفض عنها غبار ما هو محلي لاستقطاب تجار من ليبيا وتونس وبلدان أخرى، إنه المنطق الذي راح يصنع الفارق بين الوادي وولايات الجنوب في مؤشر واضح إلى أنها ولاية تتهيأ لشق طريقها نحو آفاق مستقبلية واعدة.