يشهد كوكبنا تغييرات مناخية متسارعة، تؤثر بشكل مباشر على صحتنا، ولعل أحد هذه التأثيرات الملموسة ضعف جهاز المناعة البشري، فالتقلبات الجوية الحادة، من ارتفاع حرارة مفاجئ إلى انخفاض شديد، تشكل تهديدا خطيرا على قدرة أجسامنا على مقاومة الأمراض.
تشكل التقلبات الجوية تهديدا حقيقيا على صحة الانسان، ولا يمكن تجاهل آثارها، ما يستدعي اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية أنفسنا وأسرنا، والعمل معا للحد من آثار التغيرات المناخية.
كيف تؤثر التقلبات الجوية على مناعتنا؟
يؤكد الأطباء المختصون أن هذه التقلبات الجوية المتغيرة باستمرار تسبب جفاف الأغشية المخاطية، حيث يؤدي الجو البارد والجاف إلى جفاف الأغشية المخاطية في الأنف والحلق، مما يسهل على الفيروسات والبكتيريا اختراقها والتسبب في العدوى.
ويضيف هؤلاء أن الإجهاد عامل من العوامل الذي يؤثر على المناعة، فالتغيرات المفاجئة في الطقس تزيد من مستويات التوتر والقلق، وهما عاملان معروفان بقدرتهما على إضعاف الاستجابة المناعية.
كما أن التغيرات في ضغط الدم واردة جدا في هذه الأحوال، حيث تؤثر التقلبات الجوية على ضغط الدم، حسب المختصين، مما قد يضعف الدورة الدموية ويؤثر على قدرة الخلايا المناعية على الوصول إلى أماكن الإصابة.
وبسبب زيادة التعرض للمسببات المرضية، فإن الكثير من الأمراض قد تصيب عديد الفئات كل حسب قدراته المناعية، خاصة أنه في الأجواء الباردة، يميل الناس إلى البقاء في الأماكن المغلقة، مما يزيد من فرص انتقال العدوى بين الأفراد.
ولعل الفئات الأكثر عرضة، لهذه الأمراض هم الأطفال نظرا لأن جهاز المناعة لديهم لا يزال في طور النمو، فإنهم أكثر عرضة للإصابة بالعدوى، بالإضافة إلى كبار السن، إذ يضعف جهاز المناعة مع التقدم في العمر، مما يجعلهم أكثر حساسية للتغيرات المناخية، ناهيك عن مرضى المناعة الذاتية، فالأشخاص الذين يعانون من أمراض مثل الربو والحساسية هم أكثر عرضة للإصابة بمشاكل صحية نتيجة التقلبات الجوية.
الأطفال الأكثر تأثرا بالتغيرات المناخية
وعزز الدكتور محمد بن طبال، مختص في طب الأطفال وأستاذ مساعد سابق بالمستشفى الجامعي ابن باديس بقسنطينة، الأمر بحديثه عن أضعف فئة في المجتمع، حيث ذكر في تصريحه لـ "الخبر" أن نزلات البرد التي تحصل، غالبا ما تكون، بداية من نوفمبر إلى جانفي أو فيفري.
فخلال هذه الفترة من السنة يتعرض الناس خاصة الأطفال للعدوى الفيروسية، التي ليست سوى دخول فيروس صغير إلى الجسم والتكاثر فيه، مما يؤدي إلى ظهور أعراض مرضية مثل الحمى، السعال، وآلام العضلات. علما أن هذه الفيروسات تنتشر عن طريق الهواء، ولمس الأسطح الملوثة، أو الاتصال المباشر مع شخص مصاب.
وأكد المتحدث أن انخفاض درجات الحرارة الخارجية ليست هي سبب هذه الأمراض، موضحا أن درجات الحرارة المنخفضة تضعف جهاز المناعة لدى الطفل، لأنه يقوم بجهد أكثر للحفاظ على درجة حرارة الجسم العادية والفيروسات تتكاثر في مناخ بارد، لهذا فالأطفال أكثر إصابة في هذه الأجواء، مضيفا أن الطفل لا يمرض مباشرة، بل يتأثر بمحيطه ويتلقى العدوى بشكل خارجي.
وقد فسر الدكتور بن طبال أن الطفل الرضيع يصاب بدرجة أكثر حدة من الطفل في مرحلة الروضة، وهذا الأخير يتعرض للأمراض بصفة أكبر، ومتكررة مقارنة بأطفال أكثر منه يدرسون في الابتدائي وهكذا.
وقال المتحدث بأن الأمر ينجر عنه موجة من الإصابات المتكررة لحوالي 15 إلى 20 يوما ثم تخف قليلا، لتعود مجددا للظهور بسبب التواصل المستمر للأفراد مع من هم في محيطهم وجراء العدوى التي قد تنتج عن هذا التواصل.
كيف نحمي أنفسنا من سلبيات التغيرات المناخية؟
ولتفادي الإصابات المتكررة، نصح ذات الدكتور بنظام غذائي صحي، لكونه أمرا ضروريا، لأن الغذاء الغني بالفيتامينات والمعادن يعزز جهاز المناعة ويقوي قدرته على مقاومة الأمراض.
وركز المتحدث على النشاط البدني، لأن ممارسة الرياضة بانتظام، كما قال، تحسن الدورة الدموية وتقوي جهاز المناعة، بالإضافة إلى النوم الكافي، مؤكدا أن النوم الجيد ضروري لإصلاح الجسم وتعزيز قدرته على مكافحة العدوى، والوقاية من الجفاف بشرب كميات كافية من الماء للمحافظة على رطوبة الجسم والأغشية المخاطية.
وشدد على ضرورة ارتداء ملابس مناسبة مع حرارة الجو للتكيف معه، وتجنب ارتداء ملابس قد تسبب للفرد التعرق، وبالتالي يكون عرضة للمرض مع مجرد لفحة هواء.
التغيرات المفاجئة تضع الجسم تحت ضغط كبير
من جهته أكد البروفيسور حبيب بلماحي، عميد كلية هندسة الطرائق الصيدلانية بجامعة قسنطينة 3، ورئيس سابق لقسم علم السموم بمستشفى قسنطينة الجامعي، لـ "الخبر"، أن هذه التقلبات ليست مجرد تغيرات في الطقس، بل هي مؤشر خطير على تغير المناخ وتأثيره المباشر على صحتنا.
وأكد أن التغيرات المفاجئة في درجات الحرارة والرطوبة تضع الجسم تحت ضغط كبير، مما يزيد من خطر الإصابة بعديد الأمراض على غرار الأمراض التنفسية، إذ يؤدي التلوث الناجم عن النفايات، الغبار وحبوب اللقاح، الذي تزيد منه الرياح والعواصف الترابية، إلى تفاقم أمراض الربو والتهابات الجهاز التنفسي، خاصة لدى الأطفال وكبار السن، إلى جانب الأمراض الجلدية.
كما تزيد الرطوبة العالية من خطر الإصابة بالأمراض الجلدية الفطرية والبكتيرية، بينما تزيد الأشعة فوق البنفسجية الناتجة عن الشمس الشديدة من خطر الإصابة بسرطان الجلد، ناهيك عن الأمراض المعدية، إذ تساهم الفيضانات والأمطار الغزيرة في انتشار الأمراض المعدية مثل الكوليرا والملاريا، وذلك بسبب تلوث مصادر المياه.
تأثير التغيرات المناخية على انتشار الأمراض
يشير الدكتور بلماحي إلى أن التغيرات المناخية تساهم في انتشار العديد من الأمراض، وذلك من خلال توسيع نطاق انتشار الحشرات الناقلة للأمراض يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة أعداد الحشرات مثل البعوض، مما يزيد من خطر انتشار الأمراض التي تنقلها هذه الحشرات.
كما يؤدي تغير المناخ إلى تغير أنماط انتشار الفيروسات والبكتيريا، مما يجعل من الصعب التنبؤ بظهور أوبئة جديدة. ويؤدي التلوث الناجم عن التغيرات المناخية إلى تدهور جودة الهواء والمياه، مما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض التنفسية والجهاز الهضمي.
ويوصي الدكتور بلماحي باتباع جملة من النصائح لحماية أنفسنا من آثار التقلبات الجوية، كالحفاظ على نظافة البيئة والتخلص من النفايات بشكل صحيح لتجنب انتشار الأمراض، ووجوب تطعيم الأطفال ضد الأمراض المعدية التي تنتشر بسبب تغير المناخ، وأخذ التطعيمات اللازمة حتى لكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، مؤكدا أن الإصابات التنفسية ستكون أكثر تأثيرا على المدخنين.