تتواصل المجازر في غزة، كل يوم تسجل دفاتر الوفيات المزيد من الشهداء، وفي اليوم 409 منذ بدء العدوان الصهيوني على غزة تم إحصاء حوالي 44 ألف شهيد، 70 بالمائة منهم من شريحة الأطفال والنساء، ويتزامن التقتيل مع تواصل حصار وتجويع وتهجير سكان غزة، لكن كل هذا في نظر الولايات المتحدة لا أساس له حتى يعتبر ما تقوم به "إسرائيل" جرائم إبادة!
لم يشفع العدد المهول من القتلى المدنيين وأغلبهم من الأطفال والنساء ولا صور الدمار الشامل بكل حي وزقاق بغزة ولا صور معاناة الأطفال والنساء وهم يقفون في طوابير طويلة أو يتزاحمون من أجل الحصول على رغيف خبز أو شيء من الأطباق الجاهزة ولا استهداف المنشآت والبنى التحتية وقنوات وأماكن تجميع المياه ولا استهداف المستشفيات والطواقم الطبية وقوات الدفاع المدني ولا الحصار ومنع دخول الغذاء والدواء لمن نجا من آلة التقتيل، كل هذا لم يشفع للمعذبين في غزة بأن ينالوا تعاطف القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة المتورطة في تقتيلهم وتشريدهم من خلال توفير السلاح والحصانة للكيان الصهيوني.
ورغم كل ما يتعرض له سكان غزة، لم تجد الولايات المتحدة دليلا مقنعا يعتبر ما تقوم به حليفتها "إسرائيل" جرائم حرب وجرائم إبادة، حيث كانت قد رأت، الخميس، أن "لا أساس" لاعتبار لجنة خاصة تابعة للأمم المتحدة أن ممارسات "إسرائيل" خلال حرب غزة "تتسق مع خصائص الإبادة الجماعية".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، فيدانت باتل، للصحفيين: "هذا أمر نختلف معه بصورة لا لبس فيها". وأضاف: "نعتقد أن صياغات كهذه واتهامات كهذه لا أساس لها بالتأكيد".
وندد المسؤول الأمريكي بتقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، اعتبرت فيه أن أوامر الإخلاء "الإسرائيلية" في قطاع غزة ترقى إلى "جريمة حرب" تتمثل في "تهجير قسري" في مناطق وفي مناطق أخرى إلى "تطهير عرقي".
وبرر موقفه قائلا إنه من المقبول "الطلب من المدنيين إخلاء منطقة بعينها أثناء قيامهم (الإسرائيليين) ببعض العمليات العسكرية، ومن ثم السماح لهم بالعودة إلى منازلهم"، وشدد على أن الولايات المتحدة "لم ترَ أي نوع من هذا النزوح القسري".
السؤال الذي يطرح نفسه: ما هي المعايير الأمريكية التي من خلالها نحدد ونطلق على حالة ما إبادة وأخرى لا تجتمع بها الأسس التي تؤهلها لأن نعتبرها إبادة؟ إذا كان ما يعيشه قطاع غزة على مدار أكثر من عام ليس إبادة فكيف اعتبر ما يجري في أوكرانيا إبادة، مع أن عدد القتلى المدنيين في أوكرانيا أقل بكثير من نسبة الضحايا المدنيين في العدوان على غزة، إذ تتحدث الأمم المتحدة عن أن 70 بالمائة من القتلى هم من المدنيين الأطفال والنساء؟
التبرير الأمريكي لم يقنع حتى بابا الفاتيكان الذي دعا إلى فتح تحقيق حول الإبادة في غزة، بالإضافة إلى كون التبرير يتعارض مع ما تقدمه مؤسسات وهيئات الأمم المتحدة من تقارير ودلائل دامغة تؤكد تورط الكيان الصهيوني في أعمال إبادة بغزة، وهنا يطرح تساؤل لماذا عين خبراء الأمم المتحدة ترى أن ما يجري في غزة إبادة، لكن أعين المسؤولين الأمريكيين طبقا للمعايير التي وضعها وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن ترى أن ما يجري في غزة بعيد عن كونه إبادة جماعية؟
ما خبره العالم خلال سنة من الحرب الدموية و"الهولوكوست" الصهيوني بغزة واكتشفه الرأي العام الغربي الذي استطاع أن يتخلص من شباك السردية الصهيونية أن ما دام "إسرائيل" تقتل وتبيد الحرث والنسل العربي والإسلامي فإن المتحكمين في القرار الدولي يواصلون دعمهم لهذه الإبادة ولو أتت على كل سكان فلسطين ولبنان وسوريا..