أكد وزير المالية، لعزيز فايد، في حوار خص به "الخبر"، عن إدراج قانون المالية لسنة 2025، للعديد من الإجراءات والتدابير التي تهدف إلى تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، مع إدخال جملة من التحفيزات الجبائية دون استحداث ضرائب جديدة لتعزيز العدالة الاجتماعية من جهة ودعم التنمية المستدامة وتشجيع احتواء السوق الموازي من جهة أخرى. بالمقابل، كشف المسؤول الأول عن القطاع عن ارتفاع رصيد صندوق ضبط الإيرادات إلى أكثر من 4000 مليار دينار نهاية السنة الجارية. وبالنسبة لقطاعي الصحة والتربية، أعلن الوزير عن فتح أكثر من 19 ألف منصب في القطاع الأول و43 ألفا في القطاع الثاني.
على صعيد آخر، قال فايد إن البنوك العمومية تعمل بالتنسيق مع المديرية العامة للخزينة والمحاسبة لتطوير وسائل الدفع الإلكتروني وقبول بطاقات "ماستر كارد" و"فيزا" الدولية في المعاملات الإلكترونية.
كما أدرج قانون المالية للسنة المقبلة، حسب تصريحات الوزير، خططا لتطوير آليات تمويل المشاريع العمومية من خلال إصدار صكوك سيادية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية.
جاء في قانون المالية العديد من الإجراءات والتدابير التي من شأنها الاستمرار في تحسين القدرة الشرائية والمستوى المعيشي للجزائريين من جهة ودعم التنمية الاقتصادية وضمان استدامة النمو الاقتصادي من جهة أخرى، فما هي أبرز الإجراءات التي سيتم اتخاذها في قانون المالية لعام 2025 لتجسيد تعهدات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون؟
طبعا كما تعلمون، في إطار قانون المالية لعام 2025، وضعت الحكومة الجزائرية عدة إجراءات وتدابير تهدف إلى تحسين القدرة الشرائية للمواطنين ودعم التنمية الاقتصادية وضمان استدامة النمو، تماشيا مع توجيهات رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون.
ومن أبرز محاور هذه الإجراءات لمواجهة التحديات المالية يمكن أن نذكر تحسين القدرة الشرائية فيما يخص الإعفاءات الضريبية على السلع الأساسية، حيث إن استمرار الإعفاءات الجبائية لبعض السلع الأساسية من شأنه تخفيف العبء المالي عن الأسر، وهو ما سيسهم في تحسين القدرة الشرائية للمواطن وكذلك دعم الصحة والتعليم.
بالموازاة، سيتم دعم التنمية الاقتصادية وهذا من خلال تشجيع الاستثمار في المؤسسات الناشئة بتقديم إعفاءات ضريبية لهذه الأخيرة، بما يشمل الأنشطة البحثية والتطويرية لدعم الابتكار وخلق فرص عمل جديدة، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية.
في الإطار ذاته، كيف تعتزم الحكومة مواجهة العجز المالي المتزايد الذي تشير إليه تقديرات قانون المالية، وما هي خططها لتمويله؟
إن سياسة مواجهة العجز المالي ترتكز على توسيع القاعدة الضريبية والعمل على تحسين التحصيل الجبائي، حيث تسعى الحكومة جاهدة على تحسين جباية الضرائب لتعزيز الإيرادات وتقليل العجز المالي. ومن جهة أخرى، إصدار الصكوك السيادية، حيث يُعتزم استخدام الصكوك كأداة لتمويل المشروعات العامة الكبرى، ما يعزز دور التمويل الإسلامي ويجذب رؤوس الأموال المحلية والدولية، زيادة على تعزيز التحول الرقمي من خلال رقمنة القطاع المالي، لاسيما النظام المصرفي وإدارة الضرائب وأملاك الدولة وهذا لزيادة الكفاءة وتقليل الفساد.
أما فيما يخص الشق الثاني من السؤال والحديث عن السياسة المالية لتمويل العجز، فستعتمد الخزينة العمومية على عدة مصادر لتمويل العجز المتوقع لسنة 2025، وتكمن الإمكانيات المتاحة في اللجوء إلى صندوق ضبط الإيرادات والذي يهدف إلى إيواء فائض القيمة الناتج عن إيرادات الجباية البترولية التي تفوق التقديرات المدرجة في قانون المالية وذلك لتمويل عجز الخزينة وتقليص حجم الدين، حيث يُقدر رصيده بنحو 3686 مليار دينار جزائري بنهاية 2023، ومن المتوقع أن يسجل في نهاية 2024 مبلغ إيرادات يقدر 500 مليار دينار، وهو ما يسمح بتمويل عجز سنة 2024 وجزء من العجز المالي لسنة 2025. كما يتم اللجوء إلى المديونية العمومية، حيث بلغ مخزون الدين العمومي في نهاية سنة 2023 قيمة 16044 مليار دينار وهو ما يمثل 49.2% من الناتج المحلي الإجمالي. كما من المتوقع أن يبلغ مخزون الدين العمومي في إغلاق سنة 2024 مبلغ 16879 مليار دج، وهو ما يمثل 49,61%.
يبقى هذا المستوى من الدين أقل من المؤشر المرجعي للأسواق الناشئة والمقدر ما بين %60 و%70 من الناتج المحلي الإجمالي، حيث سيسمح هذا المستوى المنخفض من المديونية العمومية بتعبئة المزيد من الموارد المالية من خلال سوق قيم الخزينة والتي ستخصص لتمويل العجز الإجمالي للخزينة لسنة 2025.
كما تجدر الإشارة إلى أن الجزء الأكبر من هذا الدين العام يتكون من الدين الداخلي الذي يشكل ما نسبته 99.1% من إجمالي الدين العام، حيث سمح هذا المستوى المنخفض من الدين الخارجي بامتلاك الجزائر استقلالية في القرار السياسي والمالي.
كما أن التحديثات التي أجريت مؤخرا على سوق قيم الخزينة عن طريق وضع أرضية إلكترونية لإصدار وتداول قيم الخزينة، أدت إلى توسيع قاعدة المستثمرين في القيم السيادية للخزينة وهو ما سيسمح بتعبئة موارد إضافية لسد عجز الخزينة.
وبالتالي سيتم تمويل عجز الرصيد الإجمالي للخزينة لسنتي 2024 و2025 من خلال صافي تدفق الدين الداخلي المعبأ خلال سنتي 2024 و2025 وكذا الموارد المتاحة في صندوق ضبط الإيرادات لسنة 2023 والمتوقع تحصيلها في سنة 2024.
لا تزال السلطات العمومية تسعى جاهدة للرفع من عائدات إدارة الضرائب، خاصة المحلية منها، فما هي الخطوات التي تتخذها وزارة المالية لتوسيع الوعاء الضريبي ومكافحة التهرب الضريبي في البلاد؟ وكيف ستسهم التحفيزات الضريبية الجديدة في دعم الاقتصاد غير الرسمي وتحويله تدريجيا إلى القطاع الرسمي؟
مما لا شك فيه أن قانون المالية لسنة 2025 حمل في طياته أيضا تدابير عديدة فيما يتعلق بتوسيع الوعاء الضريبي وتعبئة الموارد على غرار تحديد معدل الضريبة الإضافية على أرباح شركات صناعة التبغ بـ20%، بالنسبة لصانعي تبغ النشق والمضغ و%31، بالنسبة لصانعي تبغ التدخين بما في ذلك السيجارة الإلكترونية والشيشة وذلك دون الأخذ بعين الاعتبار معدل الإدماج المحقق من طرف هذه الشركات؛ إلى جانب توسيع قائمة الأنشطة المستثناة من نظام الضريبة الجزافية الوحيدة مع إلزام المكلفين بالضريبة التابعين لنظام الضريبة الجزافية الوحيدة، تبيين أعباء الإيجار وأعباء المستخدمين في تصريحاتهم النهائية بالمداخيل المحققة والمراجعة بالزيادة من 2 إلى %3، لمعدل المساهمة التضامنية المطبقة على المواد والسلع المستوردة والمطروحة للاستهلاك بالجزائر، والتي تخصص عائداتها إلى الصندوق الوطني للتقاعد مع تحديد البنود والبنود الفرعية للمواد الأولية والمدخلات التي تستخدم في صناعة المواد التبغية الخاضعة لمعدل المساهمة بنسبة %5؛ تطبيق حق طابع يقدر بـ1.000 دج، يطبق في حالة طلب تجديد "بطاقة التعريف الوطنية البيومترية والإلكترونية"، عند عدم سحبها خلال الآجال القانونية.
أما فيما يخص مكافحة التهرب الضريبي، فقد تضمن قانون المالية لسنة 2025 تدابير جبائية، وأستثني بالذكر توسيع حق الاطّلاع، الممنوح حاليا لأعوان الإدارة الجبائية، في إطار تأسيس الوعاء الضريبي والرقابة ليشمل تحصيل الضرائب والحقوق والرسوم وتصفح الوثائق والمعلومات.
بهدف الاستجابة بشكل أفضل للتحديات الاقتصادية الحالية، وتعزيز العدالة الضريبية من جهة، ومن جهة أخرى دعم طموحات التنمية المستدامة للدولة مع تشجيع احتواء السوق الموازي، تدريجيا، يكرس قانون المالية لسنة 2025 إدخال جملة من التحفيزات والتسهيلات الجبائية التي تمس قطاعات عدة من النشاط الاقتصادي، دون إدراج ضرائب جديدة في هذه السنة.
يجدر التذكير أن التحفيزات الجبائية تُعَدّ إجراء استثنائيا من النظام الجبائي بغرض التخفيف، سواء في معدل الضريبة أو وعائها أو الالتزامات المتعلقة بها، ويعد منح العديد من الامتيازات الجبائية تكريسا لأهداف السياسة الجبائية في تطوير القطاعات المهمة، كالإنتاج والصناعة والتصدير والسياحة والقطاع المالي والمصرفي، بالإضافة إلى الاستمرار في دعم المقاولاتية والاهتمام باقتصاد المعرفة وتطوير المؤسسات الناشئة.
إن التحفيزات الجبائية التي تبادر بها السلطات العليا للبلاد، لها تأثير إيجابي على الناتج الداخلي الخام خارج المحروقات. ويمكن تفسير ذلك من حقيقة أن هذه التحفيزات تؤدي إلى زيادة ارتفاع عدد المشاريع الاستثمارية، ما يزيد من العملية الإنتاجية وبالتالي خلق قيمة مضافة والإسهام في النمو الاقتصادي خارج المحروقات، على غرار كونها من أفضل آليات دمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي، وذلك من خلال تقديم تحفيزات في إطار دعم الاستثمار والاقتصاد الوطني ودعم القدرة الشرائية وتحسين الإطار المعيشي للمواطنين تعزيز الامتثال والشمول الجبائيين وتوسيع الوعاء الضريبي وتعبئة الموارد، وخاصة تلك المتعلقة بتبسيط ومواءمة الإجراءات الجبائية، حتى تتولد رغبة ذاتية لوحدات القطاع غير الرسمي للتحول للمنظومة الرسمية والاستفادة من تلك المزايا والتسهيلات.
"تستمر الحكومة وبتوجيهات من رئيس الجمهورية بتوسيع دائرة التعامل بالرقمنة وعصرنة جميع القطاعات سيما القطاع المصرفي والبنكي وإدارة الضرائب وأملاك الدولة وغيرها من القطاعات الاقتصادية، فكيف ستساهم إستراتيجية الرقمنة في تحسين الأداء المالي والإداري للدولة، وما هو الجدول الزمني لتنفيذ التحول الرقمي الكامل في المؤسسات المالية؟ وما هي آليات تعزيز الدفع الإلكتروني وتوسيع نطاق استخدامه في الجزائر، خاصة في ظل التوجه نحو تقليل التعاملات النقدية؟"
لضمان تعزيز التحول الرقمي وبتوجيه من رئيس الجمهورية، تولي الحكومة الجزائرية اهتماماً كبيراً لرقمنة القطاع المصرفي والمالي، بهدف تحسين الأداء المالي والإداري وتوسيع نطاق التعامل الإلكتروني، حيث تم التركيز على رقمنة القطاع المصرفي كأحد المحاور الرئيسية لتحديث هذا القطاع، بغرض تقليص التأخر في استخدام التكنولوجيا والالتزام بالمعايير الدولية وتعزيز الشمول المالي.
وفي الحقيقة، إن توجه الجزائر نحو التحول الرقمي يعكس التطورات العالمية في القطاع المالي، حيث تسعى البنوك العمومية إلى تعزيز كفاءتها التشغيلية وتقديم خدمات سهلة الوصول وتحسين تجربة الزبائن.
فلقد بدأت البنوك العمومية في عملية تطوير وتحديث خدماتها، مما شمل قنوات رقمية لتدارك التأخر في اعتماد التكنولوجيا وتوسيع تطوير الخدمات المصرفية عبر الإنترنت، ما أدى إلى إنشاء حلول مصرفية مثل الخدمات المصرفية الإلكترونية والخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول والدفع الإلكتروني.
أما فيما يتعلق بالجدول الزمني لتنفيذ التحول الرقمي الكامل فقد اعتمدت المديرية العامة للخزينة والمحاسبة الرقمنة في البنوك العمومية كمحور رئيسي في عقد الأهداف والأداء الخاص بها، حيث يتم متابعة هذا المحور بشكل ربع سنوي من طرف لجنة توجيهية تم إنشاؤها لهذا الغرض. عُقدت الجلسات الأولى للعمل في شهر يونيو 2024، حيث قدمت البنوك العمومية خطط رقمنة بناءً على مراجعة للوضع الحالي لكل بنك وآفاقه الداخلية. وقد سمحت دراسة هذه الخطط من طرف اللجنة التوجيهية بوضع توجيهات لضمان تحول رقمي أكثر تقدماً ونجاحاً.
أما بالنسبة لرقمنة البنوك العمومية، فلقد تم إعداد خطط للفترة الممتدة بين سنتي 2024 و2026، وتم تقسيمها إلى ستة محاور، وتتمثل أهم هذه المحاور في تعزيز الكفاءة التشغيلية للعمليات الداخلية بما يتجاوز عرض الخدمات المصرفية عبر الإنترنت وتعزيز أمان الخدمات لضمان سرية وحماية البيانات الحساسة.
وفيما يخص الشق الأخير من السؤال المتعلق بآليات تعزيز الدفع الإلكتروني والتقليل من التعاملات النقدية، فإن البنوك تعمل بالتنسيق مع المديرية العامة للخزينة والمحاسبة على تطوير وسائل الدفع الإلكتروني مثل إدخال أجهزة الصراف الآلي للتعاملات الدولية، وقبول بطاقات "ماستركارد" و"فيزا" الدولية في المعاملات الإلكترونية. إلى جانب ذلك، تم تبني إجراءات فتح الحساب عن بُعد عبر التحقق الإلكتروني من الهوية وتطوير التوقيع الإلكتروني.
ولو تحدثنا بلغة الأرقام فيمكن على مستوى النظام المصرفي، عرض الأرقام الآتية كحصيلة لمدى تقدم استخدام وسائل الدفع في الجزائر عدد البطاقات المتداولة حتى 31 أوت 2024، 19.083.043 بطاقة، منها 4.181.536 بطاقة CIB و14.901.507 بطاقة بريد الجزائر، أما عدد الصرّافات الآلية العاملة حتى نهاية أوت 2024 فقدر بـ3.896 صرّافا آليا.
عدد أجهزة الدفع الإلكتروني (TPE) في الخدمة حتى أوت 2024 بلغ 58.194 جهازًا مقارنة بـ53.191 جهازًا نهاية عام 2023 أي بزيادة قدرها 5.003 أجهزة خلال عام 2024، وبلغ عدد عمليات الدفع عبر أجهزة TPE في أوت 2024 نحو 489.952 عملية بقيمة إجمالية بلغت 4 مليارات دينار جزائري.
الدفع عبر الإنترنت باستخدام البطاقات والذي أصبح رسميًا في الجزائر في أكتوبر 2016، وقد تم فتحه في المرحلة الأولى للمؤسسات الكبرى لتحصيل الفواتير. واليوم يوجد 510 تاجر عبر الإنترنت مسجلين في نظام الدفع عبر الإنترنت باستخدام البطاقات.
الدفع عبر الهاتف المحمول الذي فُتح في المرحلة الأولى بين البنوك، حيث بلغت قيمة المعاملات حتى 31 أوت 2024 نحو 27 مليار دينار جزائري، بينما بلغت هذه القيمة 28 مليار دينار جزائري خلال سنة 2023 كاملة.
كما تعمل المديرية العامة للخزينة والمحاسبة، في إطار تطوير الدفع الإلكتروني، على تزويد الهيئات والإدارات العمومية بالدفع عن قرب(TPE) والدفع عن بعد (Web)، لأجل الرفع من وتيرة تحصيل الإيرادات العمومية، وذلك من خلال تزويدها بأجهزة الدفع الإلكتروني، على سبيل المثال نذكر مصالح وزارة المالية (المديريات العامة للجمارك، أملاك الدولة، الضرائب والخزينة والمحاسبة)، وزارة الثقافة ووزارة العدل.
بالنسبة لوزارة العدل، فقد أسهمت وزارة المالية ممثلة في (المديرية العامة للخزينة والمحاسبة) في تزويد الجهات القضائية بأجهزة الدفع الإلكتروني وفي تفعيل الدفع عن بعد، الأمر الذي مكن المحامين من دفع الرسوم إلكترونياً عبر 48 مجلسا قضائيا.
بلغ عدد أجهزة الدفع التي تم تركيبها على مستوى الإدارات العمومية إلى غاية 14 أكتوبر 2024، 1876 جهاز دفع إلكتروني، موزعين على مختلف المصالح المذكورة أعلاه وفي مختلف الولايات.
من المقرر أن يتم التعميم التدريجي لطريقة الدفع الإلكتروني على مستوى كافة الهيئات والإدارات العمومية المعنية.
ما هو الدور المتوقع للصكوك السيادية في تمويل المشاريع الحكومية؟ وكيف سيتم تنظيمها وضمان جاذبيتها للمستثمرين المحليين والدوليين؟
في الواقع، يُدرج قانون المالية لسنة 2025 لأول مرة ضمن خطط تطوير آليات تمويل المشاريع العمومية، إصدار صكوك سيادية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، ما يعد خطوة محورية لتنويع مصادر التمويل وتنشيط السوق المالي.
هذه الصكوك التي تُشرف عليها المديرية العامة للخزينة والمحاسبة، تمثل أداة تمويلية جديدة تهدف إلى دعم المشاريع الهيكلية والبنية التحتية دون زيادة الدين التقليدي أو تكاليف التمويل.
فمن حيث تنظيم الصكوك السيادية وجذب المستثمرين وبهدف تقديم منتجات جديدة لسوق الدين العام وتطوير آلياته وتحفيز الطلب على الأوراق المالية، شرعت وزارة المالية (المديرية العامة الخزينة والمحاسبة) بالتعاون مع البنك الإسلامي للتنمية في وضع الإطار القانوني والتنظيمي، من أجل إجراء أول إصدار لصكوك سيادية متوافقة مع صيغ الشريعة الإسلامية، وذلك من أجل امتصاص الأموال الراكدة واستقطاب أكبر شريحة ممكنة من المستثمرين بخلاف مستثمري سوق سندات الخزينة، من أجل تمويل المشاريع الهيكلية والبنية التحتية دون الحاجة إلى زيادة الدين التقليدي أو زيادة تكلفتها أو حتى اللجوء إلى تغيير الوعاء الضريبي.
ويعدّ هذا الإصدار من طرف الخزينة العمومية خطوة مهمة في الإستراتيجية الجديدة المتمثلة في عدم الاعتماد على عائدات الضرائب والقروض في تمويل المشاريع الاستثمارية والتنموية وفتح المجال لمختلف أنواع المستثمرين للمشاركة في تمويل مشاريع الدولة، حيث سهرت للمديرية العامة الخزينة والمحاسبة على وضع الأسس الصحيحة للصكوك الإسلامية التي تجعلها وسيلة استثمار آمنة، مضمونة لتحقيق أرباح مالية جيدة ومغرية عن طريق إعفاء الصكوك من الضريبة ما يعدّ بمثابة المحفز الكبير لاستقطاب رؤوس الأموال سواء كانت أفراد أو شركات أو حتى مؤسسات أجنبية.
كيف سيتم تخصيص الموارد لدعم القطاعات ذات الأولوية مثل الصحة، التعليم والبنية التحتية في ميزانية 2025؟ ما هي الخطط لدعم القطاعات الزراعية والصناعية لتحقيق التنوع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على قطاع المحروقات؟
بالفعل، تتجه السلطات العمومية في ميزانية 2025، نحو تخصيص الموارد المالية لدعم القطاعات الأساسية كالصحة والتعليم والبنية التحتية، نظرًا لدورها الهام في تحسين جودة حياة المواطنين وتعزيز التنمية الاقتصادية.
فبالنسبة لقطاع الصحة: يرتقب لقطاع الصحة ميزانية تقدر بـ1.004,41 مليار دينار كرخص التزام و1.041 مليار دينار كاعتمادات دفع أي بزيادة بنسبة %16 و%22 على التوالي، مقارنة بالاعتمادات المراجعة لسنة 2024، وتوجه هذه الاعتمادات أساسا لتمويل المستشفيات والهياكل الصحية وتجهيزها بالتقنيات الطبية الحديثة، حيث يتم التركيز على تعزيز الخدمات الصحية خاصة في المناطق النائية، لضمان وصول أفضل للرعاية الصحية.
وفي هذا الصدد، يرتقب استلام 60 مؤسسة صحية سنة 2025 وكذا فتح 19.782 منصبا ماليا جديدا، كما تم تخصيص غلاف مالي بـ97,5 مليار دينار كرخص التزام و124 مليار دينار كاعتمادات دفع موجهة لتسجيل عمليات استثمارية متعلقة باقتناء عتاد طبي وإنجاز هياكل صحية، وكذا استكمال المشاريع في طور الإنجاز.
هذا بالإضافة إلى إعانة الدولة للمؤسسات العمومية للصحة بمبلغ 728,61 مليار دينار وكذا مساهمة الدولة بمبلغ 146 مليار دينار موجه للصيدلية المركزية للمستشفيات (PCH) ولمعهد باستور الجزائري من أجل اقتناء الأدوية واللقاحات والأمصال والمواد المتفاعلة لفائدة المؤسسات العمومية للصحة.
أما عن قطاع التربية الوطنية، فقد عرف زيادة في ميزانية 2025 بنسبة %10 في رخص الالتزام و%18 في اعتمادات دفع مقارنة بسنة 2024، حيث تهدف الحكومة إلى تحسين البنية التحتية للمدارس ورفع كفاءة التعليم الرقمي. ومن المرتقب فتح 43.393 منصبا ماليا جديدا لقطاع التربية موجهة لناتج التكوين، وكذا تعزيز التأطير البيداغوجي والإداري للمؤسسات التربوية، كما يتوقع استلام 228 مؤسسة تربوية جديدة سنة 2025.
بالنسبة لنفقات الاستثمار، فقد تم تخصيص 71,2 مليار دينار كرخص التزام و145,1 مليار دينار كاعتمادات دفع، موجهة أساسا لتسجيل عمليات متعلقة بإنجاز وتجهيز هياكل مدرسية جديدة عبر مختلف الولايات واستكمال تلك التي في طور الإنجاز (مدارس ابتدائية، ثانويات، مطاعم مدرسية، أقسام دراسية، مطاعم نصف داخلي) بالإضافة إلى اقتناء تجهيزات مدرسية وأدوات التدريس لفائدة مؤسسات الأطوار الثلاثة (الابتدائي والمتوسط والثانوي) المنجزة في إطار الأحياء السكنية المدمجة.
هذا فضلا عن إعانة التسيير لفائدة المؤسسات المدرسية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري التابعة لقطاع التربية بمبلغ 53,76 مليار دينار، وكذا مساهمة الدولة للديوان الوطني للمطبوعات المدرسية، للتكفل بالمصاريف المرتبطة أساسا بمجانية الكتاب المدرسي لفائدة التلاميذ المعوزين (7,8 مليار دج).
كما سيشهد قطاع التعليم العالي زيادة في ميزانية 2025 بنسبة %10 وذلك لتحسين البنية التحتية للمدارس العليا والجامعات والمعاهد والتركيز على رقمنة القطاع وتطوير المناهج بما يتماشى مع سوق العمل وكذا إعطاء أهمية أكبر للبحث العلمي، حيث يرتقب فتح 2.000 منصب جديد و20 هيكلا جديدا لفائدة قطاع التعليم العالي وتخصيص غلاف مالي بـ682,4 مليار دينار كإعانات للجامعات والمراكز الجامعية والمدارس العليا والتكفل بنفقات تسيير مديريات الخدمات الجامعية وكذا مراكز البحث للتعليم العالي، بالإضافة إلى الاعتمادات المخصصة لإنجاز هياكل جامعية ومقاعد بيداغوجية جديدة واستكمال أخرى قيد الإنجاز (14,5 مليار دج كرخص التزام و31,7 مليار دج كاعتمادات دفع).
بالنسبة لقطاع البنية التحتية سيخصص سنة 2025 مبالغ مالية معتبرة لتمويل مشاريع تطوير وصيانة البنية التحتية كشبكات الطرق والسكة الحديدية والنقل العمومي، إلى جانب مشاريع إنجاز محطات تحلية مياه البحر لضمان الأمن المائي والتزويد بالمياه الصالحة للشرب، حيث ستسهم هذه المشاريع في تحفيز النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل.
كما سيخصص لقطاع الأشغال العمومية ميزانية تقدر بـ189,5 مليار دج كرخص التزام و710,2 مليار دج كاعتمادات دفع، توجه أساسا لصيانة الطرق الوطنية والولائية والطرق السريعة والموانئ والمطارات وكذا لاستكمال البرنامج الجاري إنجازه وخاصة مشاريع خط السكة الحديدية المنجمي بشار– تندوف (غار جبيلات)، توسعة ميناء عنابة، أشغال ازدواجية الخط المنجمي عنابة-جبل العنق (مشروع الفوسفات المدمج) وإنجاز خطين جديدين للسكة الحديدية (غليزان - تيارت - تيسمسيلت على مسافة 180 كلم) و(واد تليلات - تلمسان على مسافة 130 كلم).
كما خصص لقطاع الري ميزانية بـ310,8 مليار دج كرخص التزام و318,7 مليار دج كاعتمادات دفع، موجهة خاصة لاستكمال مشاريع كبرى للتزويد بالمياه الصالحة للشرب وإنجاز وتهيئة الشبكات الخاصة بها، إنجاز وتقوية وربط السدود ببعضها، الربط عند المصب لمحطات تحلية مياه البحر وكذا نظام التطهير وتهيئة محطات معالجة مياه الصرف الصحي.
أما عن القطاع الفلاحي، فستشهد ميزانية سنة 2025 زيادة بنسبة 10%، حيث تم تخصيص ميزانية قدرها 726,3 مليار دج كرخص التزام و794,7 مليار دج كاعتمادات دفع، موجهة أساسا لدعم التموين بالحبوب (349 مليار دج) ومسحوق الحليب (100 مليار دج) وكذا استكمال برنامج تعزيز قدرات تخزين الحبوب (350 مركزا و30 صومعة) لدعم الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، بالإضافة إلى الربط بالكهرباء الفلاحية، إعادة تأهيل وتوسعة وتطوير السد الأخضر وكذا إنجاز هياكل قاعدية وشبكات لمرافقة المشاريع الهيكلية الكبرى الفلاحية على مستوى الجنوب الكبير.
أما عن القطاع الصناعي، فستوفر الحكومة حوافز للاستثمار الصناعي، خاصة في مجالات الصناعات التحويلية والتقنيات الحديثة، وتقديم دعم مالي للمؤسسات الصغيرة والناشئة والمؤسسات المصغرة في إطار جهازي تطوير المقاولاتية والقرض المصغر لدعم المقاولين الشباب.
ما هي الخطط المستقبلية لتحفيز الاستثمار الأجنبي والمحلي في القطاعات الإستراتيجية وكيف تعتزم الحكومة تحسين مناخ الأعمال والاستثمار في الجزائر؟
في الحقيقة، تعمل الحكومة على تحفيز الاستثمار الأجنبي والمحلي في القطاعات الإستراتيجية من خلال تنفيذ إصلاحات لتحسين مناخ الأعمال، وجعل الجزائر وجهة جاذبة للاستثمار، وذلك عبر مواءمة البيئة التشريعية مع التطورات الاقتصادية، بما يشمل تبسيط الإجراءات الإدارية وزيادة الشفافية وتقديم حوافز ضريبية ومالية، منها تخفيض نسب الفائدة على القروض.
كما تركز الحكومة على دعم القطاعات الحيوية مثل الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا، والزراعة، والصناعات التحويلية لتعزيز التنمية المستدامة، كما تتبنى التحول الرقمي لتبسيط الإجراءات وتسهيل خلق النشاطات الأعمال، مما يسهم في تخفيض التكاليف والوقت على المستثمرين.
كما تواصل الجزائر تنفيذ مشاريع كبرى تتطلب دعما ماليا كبيرا من الدولة، خاصة في مجالات الإسكان، الطرق، السكك الحديدية، السدود والموانئ، حيث تم توفير الاعتمادات المؤقتة والنهائية لاستكمال المشاريع الجارية وإطلاق مشاريع جديدة تلبية للاحتياجات التنموية، حيث قامت الدولة من خلال منح اعتمادات مؤقتة بضمان استكمال المشاريع الجارية وإطلاق مشاريع جديدة تلبي الاحتياجات التنموية للبلاد وتعزز البنية التحتية الأساسية في مختلف المجالات الحيوية.
علاوة على ذلك، تم توفير التمويلات اللازمة لمشاريع الاستثمار الخاصة بقطاع النقل والموجهة لاقتناء المعدات والتجهيزات لإنجاز مشروع الفوسفات المدمج ومشروع الحديد لغار جبيلات وكذا العديد من المشاريع الإستراتيجية الأخرى.
يجدر التنويه بأن تمويل عمليات الاستثمار العمومي سيتم من خلال اللجوء للاعتمادات المالية النهائية المقررة في قانون المالية لسنة 2025 والموجهة لتمويل النفقات الاستثمارية وكذا من خلال اللجوء للاعتمادات المؤقتة والقروض التي تمنحها البنوك والصندوق الوطني الاستثمار لاسيما من خلال تمويل المشاريع الهيكلية والإستراتيجية للاقتصاد الوطني.
كما يعد التمويل البنكي والتمويل عبر الصندوق الوطني للاستثمار كمكمل للنفقات المخصصة لعمليات الاستثمار والمدرجة في قانون المالية، والتي من شأنها تعبئة الموارد المالية اللازمة لإنجاز المشاريع الاستثمارية الإستراتيجية.
فيما يخص مشاريع البنية التحتية، تم تخصيص تمويلات ضخمة لدعم هذه المشروعات الحيوية، حيث بلغت الاستثمارات المقدمة من الخزينة كقروض للهيئات العمومية نحو 5969.12 مليار دينار جزائري، موجهة لتمويل 267 مشروعًا موزعًا على 11 قطاعًا اقتصاديًا. استفادت من هذه الاستثمارات شركات حيوية مثل الشركة الوطنية للسكك الحديدية، الوكالة الوطنية للسدود، شركات النقل وغيرها.
وبخصوص المحفزات المالية، تستفيد المشاريع الاستثمارية المهيكلة من شروط خاصة لتخفيض نسبة الفائدة وذلك حسب أحكام المادة 95 من قانون المالية 2024.
ويعد سعر الفائدة المخفض على قروض الاستثمار من بين أهم الأدوات المستعملة لدعم الشركات الخاضعة للقانون الجزائري والهادف أساسا إلى تنفيذ السياسات العمومية الرامية إلى تشجيع الاستثمار وخلق فرص الشغل بهدف تحقيق التنمية.
كما تم إدراج أحد التدابير ضمن قانون المالية لسنة 2025 ينص على استفادة مشاريع الاستثمار الهيكلية والإستراتيجية من شروط خاصة لتخفيض نسبة الفائدة عندما يتم إطلاقها حصريا من طرف جزائري أو في إطار شراكة لا تقل فيه المساهمة الوطنية عن %49 من رأسمال الاجتماعي للشركة، وكل هذا ينصب في إطار تحفيز الاستثمار المحلي والمنجزة في إطار شراكة إستراتيجية.