"الخبر" تتحرى واقع الترجمة في دور النشر الجزائرية والعربية

+ -

نظرا لمكانة الترجمة في عالم الكتاب والأدب والثقافة، وما تسديه من خدمة للقراء من مختلف الفئات والثقافات، ارتأت "الخبر" تقصي واقع الترجمة الجزائرية والعربية، من خلال التحدث مع بعض دور النشر من الجزائر وبعض الدول العربية بمعرض الكتاب، لنستخلص أن الترجمة من اللغات الأخرى إلى العربية أكثر طلبا وتقدما من الترجمة إلى الأعمال العربية. كما أن الترجمة لدى دور النشر العربية تعيش أزهى فتراتها، رغم تكلفتها الكبيرة، في وقت تعيش بعض دور النشر الجزائرية تجربة مميزة في الترجمة وتتخبط أخرى في مشاكل التمويل. لكن تبقى مطالب دور النشر هي تخصيص مؤسسات تتكفل بالترجمة وتكون معينا لدور النشر للنهوض بالنشر الذي يبقى، حسبهم، رهينا بتطور الترجمة.

قال ممثل منشورات البرزخ، سفيان حجاج، إن الدار مهتمة كثيرا بالترجمة؛ لأنها وسيلة مهمة وناجعة لربط الثقافات وإنشاء علاقة بين الثقافة الجزائرية والثقافات الأخرى، وذكر في تصريح لـ "الخبر" أن البرزخ شرعت منذ سنوات 2008 و2009 في ترجمة نصوص من اللغة العربية إلى الفرنسية، والعكس، خاصة الأدب الجزائري الفرنكوفوني الذي له تاريخ عريق وأسماء كثيرة مثل كاتب ياسين، الذي ترجمت له البرزخ للعربية.

 

الترجمة يجب أن تكون في قلب الإستراتيجية الثقافية والأدبية الجزائرية

 

وأوضح أن "البرزخ" تعمل هذه السنة على ترجمة سلسلة بعنوان "خامسة"، وهي ترجمة نصوص من العربية إلى الفرنسية، وهي نصوص أدبية من المغرب العربي من ليبيا وتونس والجزائر وموريتانيا، للتعريف بهذا الأدب، وقال "لأنه في تقاليد الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى نجد ترجمة كتابات ونصوص من العراق والأدب المصري واللبناني، لذلك تساءلنا لماذا نحن في المغرب العربي لدينا أدب خاص بنا، أدب قوي، لكنه ليس معروفا.. ولدينا كتّاب يجب أن نعرّف بهم، لذلك فتحنا الترجمة على المغرب والمشرق العربي مع بعض، لأنه سوق يتماشى مع تطور الترجمة".

وكانت البداية، حسبه، مع الكاتب صالح باديس بترجمة مجموعة قصصية للفرنسية، وترجمة رواية "نازلة دار الأكابر"، وهي رواية تونسية إلى الفرنسية وهذا لنعرف القارئ الفرنكوفوني، سواء في الجزائر أو فرنسا، بالأدب المكتوب باللغة العربية.

وعن توفر الكفاءات الجزائرية في مجال الترجمة، أكد ممثل البرزخ أن الجزائر تملك مترجمين متكونين، خاصة من العربية إلى الفرنسية، والبرزخ - يقول سفيان حجاج - تتوفر على مترجمين مقيمين بفرنسا من أصول جزائرية: "هدفنا إعطاء نفس جديد للأدب الخاص بنا؛ لأن هذا شيء مهم جدا".

وعن صعوبات الترجمة بالنسبة لدور النشر، أوضح محدثنا أنها تكمن أساسا في التكلفة؛ لأن الدار إذا أعطت حق الترجمة، فإن سعر الكتاب مستحيل أن يكون في متناول القراء، لذلك وجه بالمناسبة رسالة للوزارة ومديرية الكتاب أن تعطي أهمية أكثر للترجمة؛ لأنها أساسية في تطوير الكتاب. وختم بالقول: إن الترجمة من العربية إلى لغات أخرى لا تقل أهمية عن الترجمة من لغات أخرى إلى العربية، ففيها تفتح للعالم الآخر وترويج ثقافتنا وتاريخنا وتراثنا لبقية العالم: "ومثال على تجربتنا في المجال، أننا نتلقى مراسلات كل سنة من وزارة الثقافة التركية تؤكد رغبتها في المساعدة لترجمة الأدب التركي إلى العربية، وحتى الفرنسية، وهذا للتعريف بأدبهم، وحتى البرتغال تراسلنا للترجمة من البرتغالية إلى العربية أو الانجليزية والفرنسية وحتى الأمازيغية، لنتساءل ككل مرة لماذا بقينا متخلفين في الترجمة.. أين الخلل؟ أعتقد أن الترجمة يجب أن تكون في قلب الإستراتيجية الثقافية والأدبية الجزائرية".

 

الشيء الوحيد الذي يمكن أن يخلصنا من أزمة النشر هو الترجمة

 

أكدت ممثلة دار "الشهاب" ياسمينة بلقاسم، أن "الشهاب" خصصت بصفة مهمة وأساسية ترجمتها للكتب التاريخية، وخاصة المذكرات، منها مذكرات عيسى كشيدة، وزهرة ظريف، وكتب بيار بيون ومذكرات خالد نزار، وكتاب صالح لغرور بعنوان "عباس لغرور من النضال إلى قلب المعركة، الولاية الأوراس النمامشة"، كتاب "بوبكر الإفريقي" تحت إشراف شوقي عجالي وترجمة سعيد نمسي، كتاب "سطو على مدينة الجزائر تحقيق في عملية النهب جويلية 1830" لبيار بيان، كتاب دحو جربال بعنوان "المنظمة الخاصة لفيدرالية جبهة التحرير الوطني، تاريخ الكفاح المسلح للجبهة في فرنسا 1956/1962".

وذكرت المتحدثة في تصريح لـ "الخبر" أن الشهاب لديها أيضا تجربة ترجمة بسيطة في الأدب، منها ترجمة ثلاثية محمد ديب التي ترجمها محمد ساري. والترجمة، حسبها، تجربة جيدة، لكنها تتطلب نفسا طويلا وتمويلا كبيرا: "أو ربما دعما؛ لأن الترجمة جد مهمة لأنها تساير النصوص من اللغات المختلفة وتساعدنا في تكوين المترجمين، لأنهم كل مرة يترجمون تكون لهم خبرة أكبر، وبالتالي يتمرسون. وفي السنوات الأخيرة النشر بصفة عامة يعرف أزمة كبيرة، وربما الشيء الوحيد الذي يمكن أن يخلصنا من هذه الأزمة هو الترجمة.. لدينا مشاريع كثيرة للترجمة، لكننا توقفنا بسبب التمويل، تمنينا لو تكون الجزائر مثل بقية البلدان، يكون دعم وتكوين المترجمين وتتكفل الدولة بذلك، سيتوفر الكتاب المترجم للقارئ وبأقل التكاليف".

وأضافت "في أحيان كثيرة تتوفر لدينا كتب بالغة الفرنسية وعناوينها تستهوي القراء، لكنهم يطلبونها بالعربية.. فلو توفرت الترجمة لحصل القارئ على كتابه"، وشبهت ممثلة الشهاب ما تعيشه دور النشر مع الترجمة بدوامة.

 

الترجمة تدخل في خط النشر لدار القصبة

 

تحدث ممثل منشورات "القصبة"، سبعون السعيد، عن تجربة القصبة في مجال الترجمة، وأوضح أن خط نشر القصبة يتمثل في أن كل كتاب يصدر باللغة الأجنبية لديهم، إلا ويتم ترجمته إلى اللغة العربية، وأكد لـ "الخبر" أن تجربة القصبة مميزة في هذا المجال ولدى الدار عناوين كثيرة مترجمة إلى العربية، وهذا العام تعود القصبة بثلاثة عناوين مترجمة وهي حاليا بصدد الترجمة، من بينها كتاب جميلة بوباشا، سيرة ذاتية كتبتها هي بالفرنسية، تمت ترجمتها إلى العربية، تناولت بوباشا فيه التعذيب الذي عاشته على يد المستعمر الفرنسي وتكشف أن آلة المستعمر لم ترحم لا الرجل ولا المرأة ولا الطفل، وسيصدر - حسب السيد سبعون - بالعربية قريبا.

وصرح بأن الترجمة تدخل في انشغال القصبة، لأن هدف الدار هو توفير كل الكتب باللغات الأخرى للعربية، خاصة وأن فئة الطلبة يدرسون في الجامعات باللغة الوطنية ويبحثون عن كتب أجنبية بالعربية، لذلك تعمل الدار على توفير مطالب هذه الفئة وتسهيل وصولهم للكتب الأجنبية، فالدار ترجمت - حسبه - أربعة عناوين هذه السنة، منها كتاب علي هارون "الحصن المنيع"، وكتاب لويزة إغيل أحريز بعنوان "جزائرية"، وكتاب "فشل الاستعمار الفرنسي في الجزائر" لهارتموت الزنهانس، وأكد المتحدث أن مشاكل الترجمة تكمن في الجوانب التقنية.

وعن المترجمين الأكفاء، صرح المتحدث أن الجزائر تملك طاقات وكفاءات في مجال الترجمة، والجزائر تطورت في هذا المجال ويتخرج من معهد الترجمة كل سنة أعداد كبيرة من المترجمين. كما أن التظاهرات التي قامت بها الجزائر، منها الجزائر عاصمة الثقافة العربية، كلها سمحت للكثير من المترجمين بالظهور وفرصة هامة للعديد منهم لدخول عالم الترجمة.

 

هناك تقدم كبير في حقل الترجمة للعربية

 

أكد مسؤول الدار المصرية اللبنانية للنشر القاهرة، موسى علي، أن هناك تقدما ملحوظا في حقل الترجمة للعربية، سواء في العلوم أو الفلسفة أو اللسانيات، وترجمات من لغات أخرى إلى العربية، ومع الوقت استطاعت الترجمة - حسبه - من الزيادة في الإرث العربي الموجود وطورته، واعتبر ذلك بالشيء المهم جدا، خاصة وأن كل الناشرين العرب مهتمون بالترجمة لما لها من فائدة، خاصة مع بيع حقوقهم في الكتب العربية لتترجم إلى لغات أخرى.

وفي السنتين الأخيرتين، زاد عدد الكتب المترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية، وصرح أن الدار تهتم بترجمة كتب التاريخ والكتب الأدبية والروايات العالمية وروايات الأدب العالمي. كما تترجم الدار بعض الكتب المتخصصة في العلوم والفن والمسرح والسينما، مشيرا أن عائق الترجمة يبقى حقوق المترجمين الأجانب الذين يأخذون حقوق الترجمة بالعملة الأجنبية، وبمبالغ مالية كبيرة، بالدولار مثلا، ومعظم دور النشر العربية لا يمكنها تحمل مبالغ كهذه، لكن يبقى أن الكتب العربية الجيدة هي التي تفرض نفسها، حتى ولو تطلب ذلك مبالغ كبيرة للترجمة.

 

الكتاب المترجم هو الطاغي حاليا في العالم العربي

 

من جهته، تحدث أحمد فاروق، ممثل دار "عصير الكتب" من مصر، عن صعوبات الترجمة من اللغات الأخرى إلى العربية، وهو تخصص الدار، وقال إن صعوبات الترجمة تكمن في أن اللغات التي تتم الترجمة منها هي الانجليزية آو الفرنسية؛ بحكم أنها لغات حية، وندرة المترجمين من هذه اللغات يعد العائق بالنسبة إليهم، والدار تبحث دائما عن كتاب أجنبي لترجمته وتحتاج إلى مترجمين أكثر ومدققين، إضافة إلى مشكلة الموضوعات؛ حيث أن الدار تبحث عن الموضوعات التي تخدم مجتمعها وما يطلبه ولخط الدار، وصرح بأن الرواية هي المطلوبة أكثر في مجال الترجمة، بعدها كتب علم النفس وتطوير الذات وكتب التربية، وأوضح أن الدار ليس لها تجربة في الترجمة من العربية إلى لغات أخرى، بل تترجم من اللغات إلى العربية، مؤكدا أن الكتاب المترجم هو الكتاب الطاغي حاليا في العالم العربي، ودور النشر تحتاج إلى كتب الترجمة، خاصة وأن الإنتاج العربي أصبح قليلا، لذلك الكتاب المترجم هو الضالة الوحيدة للحصول على إنتاج غزير.

وتشارك الدار بكتب مترجمة في سيلا عددها فاق 450 إصدارا مترجما، من أصل 700 عنوان شاركت به الدار. وترجمت حوالي 120 إصدارا هذا العام فقط، وهي متنوعة بين الرواية وعلم النفس وتطوير الذات والتربية.

 

الترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية عليها إقبال كبير من الترجمة العربية إلى لغات أخرى

 

قالت الأستاذة سناء رستم، صاحبة منشورات الآفاق العربية-مصر، إن الدار لديها كتب مترجمة ومهتمة بالترجمة منذ سنوات، خاصة الترجمة من اللغات الأخرى إلى العربية "من الفرنسي للعربي، ومن التركي للعربي، والأردي للعربي، منها ترجمة الأعمال الكاملة لمحمد إقبال التي كانت مكتوبة باللغة الأردية وترجمناها للعربية".

وأكدت المتحدثة أن مسألة الترجمة من اللغات الجانية للعربية عليها إقبال كبير من الترجمة العربية للغات أخرى، وذلك أن هناك مؤسسات كبيرة تتولى ذلك، في المقابل ليس هناك مؤسسات ضخمة تتولى الترجمة من العربية للغات أخرى بنفس القدر وبنفس الاهتمام، فبعض المؤسسات الأجنبية تهتم بالأشخاص في بعض الأحيان وليس بالموضوع، مثلا نجيب محفوظ يحظى باهتمام كثير لدى الأجانب: "لدينا كتّاب عرب مهتمون ويهمنا أن تصل أفكارهم للجانب الآخر، وهذا مهم، لكن ليس هناك الاهتمام بالترجمة العكسية".

واسترسلت "كان يجب علينا أن نهتم بالترجمة من العربية للغات أخرى، فنحن لا نستثمر كثيرا في الترجمة، فأوروبا تختار ما تترجمه لها ولا تترجم أي كتاب أو دراسة، وهذا ما يجعل المسألة فيها وجهة نظر، فهم يهتمون بنوعية معينة يحتاجونها لتصل إليهم، فالحياة العربية مجهولة لديهم وربما لا تهمهم.. علينا أن نقف على الترجمة لتكون بنفس القدر من الجانبين".

وختمت بالقول: إن الترجمة من العربية اليوم إلى لغات أخرى أضحت جد مهمة في مختلف المجالات، ونقل المعاناة العربية وفي كل المجالات وتصحيح الأفكار والاحتفاء بالمبدع، ففي العالم العربي لدينا مبدعين كبارا لم يسلط عليهم الضوء، والترجمة هنا تنفض الغبار عن قامات أدبية عربية ربما ظلمها الوقت.