بمناسبة افتتاح معرض الكتاب الدولي بالجزائر هذه الأيام، فيما يلي بعض التوجيهات والنصائح لأبنائنا وبناتنا، جيل المستقبل، في أهمية القراءة والاعتناء بالكتب في حياة الإنسان. وإن أول ما خاطب به جبريل عليه السلام سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم حين تنزل عليه الوحي، قوله تعالى في سورة العلق: {اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم}، تلك كانت أول آيات أنزلها الله، وهي وإن دلت على شيء، فإنما تدل على أهمية القراءة.
فالقراءة أمر إلهي عام صريح، لا مفرّ منه، فهو واجب عليك وعليّ، وعلى جميع المسلمين، فبالقراءة يتعرّف المرء إلى خالقه، ويدرك مغزى وجوده في هذه الحياة الدنيا، ويتبيّن من قراءة القرآن الكريم منهج حياته القويم، ويطلع على مآلات اختياراته ومعالم سبله وخواتيم أعماله، يقول سبحانه: {لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم}. وما القراءة إلا إحدى سبل العلم الرئيسية، والتي دعا إليه ديننا الحنيف، قال تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}، وقال أيضا: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}.
وتعدّ القراءة من أهم أدوات اكتشاف الذات ومعرفة الآخر، إذ تعمل القراءة على إزالة الحواجز الزمانية والحدود المكانية، فمن يقرأ كتابا ما، يشعر بأنه يعيش الأحداث مع الشخصيات الواردة فيه، فالقراءة تمنح القارئ القدرة على التنقل بين الماضي والحاضر، وتحضه على التطلع نحو المستقبل وآماله. ولا يمكن إنكار أهمية القراءة في حياة الإنسان والمجتمع بشكل عام، إذ تساعد القراءة على توسيع العقل ومنح المزيد من الأفكار، فقد ثبت علميا أن القراءة تجعل العقول شابة وصحية، حيث أظهرت الدراسات أن القراءة يمكن أن تساعد في الوقاية من مرض الزهايمر.
وتعدّ القراءة من أكثر مصادر العلم والمعرفة وأوسعها، حيث حرصت الأمم المتيقظة على نشر العلم وتسهيل أسبابه، وجعلت مفتاح ذلك كله من خلال تشجيع القراءة والعمل على نشرها بين جميع فئات المجتمع، ومن كرم القراءة وجميل فعلها وما تتركه من أثر في نفس القارئ المحب أنها تهديه شعورا باتساع الأفق وانكشاف المدارك، وتولّد حسا بالسكينة والطمأنينة يدخل على القلب والعقل شعورا بالقوة والتمكن.
وإن أحد أهم الأسباب التي تجعل القراءة مهمّة أنها تتيح منظورا أكبر للعالم والآخرين، فيمكن للقراءة أن تخرجك من القاعات المغلقة، ما يسمح برؤية وجهة نظر مختلفة عن العالم؛ القراءة هي فرصة لتعيش حياة الآخرين دون الخروج من منطقتك، وفرصة لتعيش حياة أخرى دون مغادرة منزلك، ستنقل خيالك إلى أماكن لم تكن بها من قبل، وربما لن تكون بها من الأساس.
والقراءة هي السبيل الوحيد للإبداع وتكوين المبدعين والمخترعين والأدباء والمفكرين، والأمم القارئة هي الأمم القائدة، والذين يقرأون هم الأحرار؛ لأن القراءة والمعرفة تطرد الجهل والخرافة والتخلف. كما أن التعرّض للقراءة لموضوعات أو كتب أو مقالات مكتوبة جيّدا له تأثير ملحوظ على كتاباتك شخصيا، حيث إن ملاحظة إيقاع وسيولة وأنماط الكتابة للمؤلفين الآخرين ستؤثر دائما عليك بالطبع، خاصة إذا كان المؤلف من الأشخاص المفضلين إليك.
وبالقراءة، نحفظ أوقاتنا من الضياع؛ لأن القراءة تشغل وقتك عن توافه الأمور، وتمنحك الفوائد والدرر التي تنفعك في دينك ودنياك. وقد ذُكر عن عباس محمود العقاد أنه قال: “القراءة تضيف إلى عمر الإنسان أعمارا أخرى”؛ وإن الإنسان الذي لا يقرأ الكتاب، ولا يطالعه، ولا ينقب عنه، ولا يفتش عن دُرَرِه وفوائده وكنوزه بالقراءة والمطالعة، لهو محروم أيما حرمان؛ لأن القراءة كما عرفنا مفتاح العقل والفكر، ومفتاح العلوم النافعة، ومفتاح الحضارة الماجدة، ومفتاح السعادة والريادة للأفراد والأُمم.
فلا بد أن نستعيد قيمة الكتب والمكتبات في بيوتنا، ذاك الركن الدافئ الذي يهرب إليه المرء من مشاق الحياة ومتاعبها، فيجد فيه حلا ومستراحا، ولا بد من تحبيب أبنائنا بالكتب وإنشاء علاقة ودية فيما بينهم وبينها، فبالقراءة وحدها تحلق الروح بعيدا، وتسمو وتعلو عن أدران الحياة الدنيا.
وندعو دور الإعلام إلى تنمية محبة القراءة لعموم الناس، عبر تخصيص برامج في القنوات التلفزيونية والإذاعية، ووضع المسابقات، وضرورة عناية خطباء الجمع بموضوع القراءة، كما أن زيارة معارض الكتاب لها دور في تقوية العلاقة بالكتاب وتجديد الصلة به. وإن الأمر ليحتاج منا إلى وقفة مع النفس، لنقف معها وقفة جادة، لنسألها: لِمَ لا نقرأ؟ ولِمَ أصبحنا لا نحب القراءة والكتاب؟ ولماذا نهاب القراءة؟ أسئلة لابد من التغلب عليها، بالرجوع الجاد إلى القراءة ومطالعة الكتب قبل فوات الأوان.