عائلات تعانق شواطئ البحر في أجواء خريفية

+ -

مع الارتفاع الطفيف في درجة الحرارة، اختارت العديد من العائلات تحويل بوصلتها نحو الشواطئ والأماكن القريبة منها لاستقبال نسيم البحر والتخفيف من حرارة الجسم ومشاق يوم من العمل. ويرى البعض في ارتفاع درجة الحرارة خلال هذه الفترة من السنة امتدادا لموسم الاصطياف وفرصة للاستجمام تغنيها عن البحث عن أماكن للترفيه تكون عادة مكتظة وصاخبة، خاصة مع إلحاح أبنائها على الخروج للنزهة مع نهاية الدوام الدراسي وكذا العطلة الخريفية.

 دفعت درجات الحرارة الطفيفة هذه الأيام بالعائلات للنزول إلى الشواطئ للاستجمام والترويح على النفس، حيث عرفت شواطئ ولاية تيبازة هذه الأيام توافد عشرات العائلات الباحثة عن فرصة للاستجمام في أحضان الراحة والهدوء والاستمتاع بنسائم البحر، في ظل الارتفاع المشهود في درجات الحرارة الذي عرفته ولايات الوطن، خاصة وأن هذه الأخيرة تفضل النأي بنفسها عن الأماكن المعروفة بالضوضاء وكثرة الحركة، واختارت لنفسها الانزواء بحثا عن الراحة والهدوء في أماكن امتزجت فيها زرقة البحر باخضرار الطبيعة وهدوء المكان.

ففي حجرة النص الشرقي، نصبت عائلات من الولايات المجاورة وحتى من بلديات الولاية خيما وشمسيات وطاولات لقضاء يوم كامل على شاطئ البحر تزامنا والعطلة الخريفية، بحثا عن راحة البال، مغتنمة الارتفاع المحسوس في درجة الحرارة وهدوء البحر والطبيعة العذراء التي تتميز بها مناطق غرب ولاية تيبازة وشواطئها العذراء.

ويقول محمد.ع، رب عائلة قادمة من ولاية المدية، والذي كان برفقة زوجته ووالدته وأبنائه ناصبا طاولته و"شواية": "بالنسبة لي تشكل هذه الظروف فرصة ذهبية للاستمتاع والترويج عن النفس والأهل وتغيير الأجواء"، مشيرا إلى أبنائه الذين كانوا يداعبون بعفوية كبيرة مياه الشاطئ، مضيفا "نحاول أن نقضي يومنا في التخفيف من الحرارة والتمتع بأوقاتنا وبنكهة الشواء في أحضان الطبيعة العذراء".

وتابع محمد "عندما نبحث عن الهروب من الحرارة، لا نجد أفضل من شاطئ البحر ملاذا، وليست هذه المرة الأولى التي ألجأ فيها وعائلتي إلى البحر خريفا، فقد اعتدت منذ ما لا يقل عن الثلاث سنوات ومع التغيرات المناخية وامتداد فترات الحر إلى أواخر السنة، على هذا الأمر. واكتشفت أن هذه السفرية القصيرة لها من الأثر النفسي الإيجابي ما يغنينا عن البحث عن مشاق التنقل إلى أماكن قد تكون بعيدة ومكلفة في سبيل التخلص من ضغوط الحياة".

وبالنسبة لمحمد وأمثاله، فإن الفرصة مواتية أيضا للأطفال من أجل التخلص من ضغوط الدراسة وتجديد الطاقة والاحتكاك أكثر بالطبيعة.

أما عائلة أخرى من ولاية البليدة، فقد اختارت الانزواء بالقرب من الشاطئ الصخري بحجرة النص، للابتعاد أكثر عن حركة الوافدين على الشاطئ، أين كان بعض أفرادها يمارسون هواية الصيد، من بينهم الشقيق الأكبر عمر الذي حمل صنارته وهو يلقن ابنه تقنيات وأساليب الصيد.

وفي حديثنا إليه، لفت إلى أن هذه الجولة السياحية فرضتها حالة الطقس والارتفاع المحسوس في درجات الحرارة خلال الأيام الأخيرة، ويرى فيها فرصة لكسر الروتين اليومي والاحتكاك أكثر بأبنائه الثلاثة الذين ألحوا عليه اصطحابهم إلى البحر من أجل الاستجمام، واستكشاف هواية الصيد التي ارتأى عمر  من خلالها توفير جو منافسة في الصيد ما بين الأبناء وسط تشجيعات الجدة والوالدة، في جو من البهجة وحرارة المنافسة.

 

مجموعات من النسوة يخترن نسيم البحر العليل لكسب الراحة النفسية



في شاطئ مسلمون كما في شاطئ قونيني وشاطئ حجرة النص الشرقي، اختارت مجموعات من النسوة من بنات المنطقة التجول على الشاطئ، مستغلة في ذلك حرارة الجو وعذرية الطبيعة وقلة الحركة مقارنة بموسم الاصطياف، في صورة تعكس خصوصية المنطقة المعروفة بالمحافظة واستتباب الأمن. ومما يظهر عليهن ومن كلامهن، فإن هؤلاء النسوة قد اعتدن المكان والتجوال فيه إلى نهاية المساء، بحكم أنهن يحضرن إلى الشاطئ بعد العصر.

وفي إشارة من أحد شباب المنطقة، قال أن هؤلاء النسوة ومثيلات لهن من بنات المنطقة، يخرجن كل مساء تقريبا في ظل الحرارة المحسوسة للترويح على أنفسهن ومداعبة أرجلهن لرمال الشاطئ الذهبية ومياه البحر وملوحتها.

ومنهن من ترى في ذلك فائدة صحية تجنبهن العديد من الأمراض المرتبطة بالسمنة والخمول وتكسبهن اللياقة، يقول محدثنا، فضلا عن تشكيل علاقات جديدة مع نساء أخريات، من خلال تبادل الحديث حول أكواب الشاي الذي يتم طهيه على الجمر، حيث تستمر هذه التجمعات إلى ساعة الغروب في ظل توفر الإنارة العمومية على الشاطئ ودفء الحديث وحرارة الجو نسبيا.

ولا يكاد يقتصر هذا المشهد على النسوة فحسب، فبشواطئ الجهة الغربية للولاية، تختار مجموعات من الرجال ـ من كهول وشيوخ ـ  التجمع في مساحات قريبة من الموج، ناصبين قصباتهم لصيد السمك.

ولا يكاد يخلو شاطئ من شواطئ غرب الولاية من هذه المشاهد، إلا مع حلول الغروب ويتجاوزه بساعات بالنسبة للبعض، خاصة وأن شواطئ المنطقة التي تمت تهيئتها لموسم الاصطياف لا تزال تتوفر على الإنارة العمومية. كما أن السهر في مجموعة بهدف الصيد والترويح على النفس هو فرصة كذلك لتمتين الصداقة وكسب الخبرة في الحياة.

 

عائلات تفضل التخييم على أطراف الشاطئ

 

بالجهة الغربية لولاية تيبازة دائما، تحولت بعض الشواطئ الرملية القريبة من الصخور البحرية التي ترخي عليها أشجار الصنوبر ظلالها إلى أماكن لنصب الخيم من طرف بعض العائلات، لقضاء ليلية على شاطئ البحر مع بداية عطلة نهاية الأسبوع.

فمع فرصة الحرارة المحسوسة، لم يتأخر علي وعائلته القادمة من ولاية عين الدفلى عن المبيت على أطراف الشاطئ الرملي - الصخري "إخليفاين" بالارهاط، وقد نصب خيمته تحت أشجار الصنوبر الملامسة لأمواج البحر.

ويقول علي في ذلك "أنها ليست التجربة الأولى له برفقة عائلته، بل تحولت إلى شبه عادة كلما سمحت الفرصة بذلك، وكانت الظروف ملائمة سيما مع توفر الخيم العصرية سهلة الاستعمال، والتي سمحت له باكتشاف الأجواء الرائعة للمبيت في الهواء الطلق والاستمتاع بصوت الموج ونسمات البحر وتناول أطباق تكون في الغالب من السمك الذي يصطاده ليلا".

وعلى جانب الخيمة، نصب رب العائلة أرجوحة لأبنائه للترفيه عن أنفسهم، وهي فرصة أيضا بالنسبة لعلي لاكتشاف أبنائه أكثر خارج المنزل ولتعويدهم على تحمل الظروف غير تلك التي اعتادوا عليها في المنزل.