+ -

أينما حللت بوادي سوف، 700 كم إلى جنوب شرق العاصمة، تلحظ سيارات في شوارع المدينة وضواحيها بعد أن أصبحت الجارة ليبيا بديلا ومتنفسا للمواطنين الراغبين والباحثين في شراء سيارات في عز ارتفاع أسعار المركبات في السوق الوطنية إثر توقف عملية الاستيراد.

ينظر غالبية الجزائريين في الشرق، كما في الغرب والوسط والجنوب، بإعجاب لنماذج السيارات التي يتجول بها الليبيون وتتفوق بنوعيتها على تلك المسوقة في الجزائر، على نحو يقدمهم على أنهم أغنياء رغم مرحلة عبور الصحراء التي تجتازها بلادهم.

في قلب مدينة الألف قبة وقبة، وبالضبط عند المخرج الشمالي الغربي، وغير بعيد عما يسمى (سوق ليبيا) الذي فقد ميزته واعتباره وهيبته منذ سنوات، فتح (شو روم) لبيع السيارات الليبية، أمام مدخل "شو روم" استوت عدة علامات من نوع (هيونداي، جيلي، كيا، طويوطا).

عندما سألنا صاحب المحل عن سعر سيارة (جيلي ايميرانو) الصينية المختلفة في شكلها عن التي كانت تسوق بالجزائر، قال لنا "إنها جديدة قطعت 1500 كم فقط، عامها هو 2023، بمحرك سعته 1،6 لتر، لا يقل سعرها عن 440 مليون سنتيم..". والسعر ذاته مطلوب بالنسبة لسيارة (هيونداي إلانترا) من عام 2023 وذات محرك بسعة 1.6 لتر، فيما لا يقل سعر (هيونداي كريتا) المختلفة في الشكل نسبيا عن تلك التي سوقت بالجزائر في وقت سابق، عن 520 مليون سنتيم.

بدا صاحب (الشو روم)، واثقا من نفسه من أن هذا الطراز من السيارات المستوردة من ليبيا هو ذو جودة عالية وهي متوفرة وبطاقاتها الرمادية تسلم في الحين. لكن بعضا من أبناء واديي سوف ممن يقدمون أنفسهم على أنهم عارفون بسوق السيارات، يقولون "إن الأسعار مرتفعة قياسا بأسعارها المعتمدة بليبيا..".

 

ولاية بوجه واعد...

 

ما لمسناه في غمرة الحديث إلى عدة مواطنين عن السيارات القادمة من ليبيا؛ هو أن وادي سوف تحولت إلى فضاء مفتوح أمام كثير من التجار ممن تحولوا إلى وسطاء لبيع وشراء هذا النوع من السيارات، فيما لا تزال الأنظار مشدودة إلى غاية اليوم لما ستؤول إليه آفاق تفعيل الدور التجاري للمعبر الحدودي البري طالب العربي مع الجارة تونس، والترقب ذاته مازال قائما والآمال معلقة على فتح المعبر الحدودي الدبداب، وهو ما سيعزز الازدهار التجاري بين الجزائر وتونس وليبيا.

والواقع، أن الأجواء الآخذة في التشكل بوادي سوف، تؤشر إلى أن الولاية تتأهب لأن تكون واحدة من أبرز الفضاءات التجارية بالجنوب الشرقي للبلاد، في غمرة تحولها إلى نقطة استقطاب هامة ووجهة للبحث عن العمل والفرص التجارية والبزنسة، على اعتبار أن الدولة ترتب اليوم لتجعل من المعبر البري طالب العربي منصة للتصدير وقاعدة تجارية بولايات الجنوب، بل وينظر إليه مستثمرون على أنه منفذ استراتيجي مستقبلي في مجال الاستثمار والتصدير.

فعلى أرض مدينة ألف قبة وقبة، تجد من قدم من باتنة ومن جيجل ومن سطيف ومن وهران ومن العاصمة ومن تمنراست ومن بشار، كل يبحث عن ضالته.. إنها الولاية التي تنمو بها من يوم لآخر أيضا ملابسات عديدة، بينها التجارة حتى وإن كانت خارج القانون.

 

بطاقة الإقامة.. أولا

 

فضمن مغامرة إشباع رغبة شراء سيارة من ليبيا، اختبر بعض أبناء وادي سوف تجربة العمل في ليبيا، ويقول عبد الله (40 عاما) "شراء سيارة من ليبيا وإدخالها إلى الجزائر، يمر عبر مراحل، وهو أن تكون حائزا على إقامة لمدة 6 أشهر، يعني لما تدخل إلى ليبيا تبحث عن شخص "معريفة" يقدم لك وثيقة الإقامة، أحيانا يتم شراؤها بسعر يتراوح بين 5 حتى 15 مليون سنتيم، وعندما تحصل على الإقامة، يحق لك شراء سيارة ليبية وإدخالها إلى الجزائر بوثائق ليبية، لكن كل ثلاثة أشهر، أنت مطالب بإدخالها إلى ليبيا للختم عليها أي تسجيلها لدى مصالح الجمارك الليبية..".

بينما يوضح مواطن سوفي آخر "شراء سيارة جديدة من ليبيا وإدخالها إلى الجزائر يتم وفق شرطين اثنين؛ وهما حيازة بطاقة الإقامة المكون من ملف يقدم إلى القنصلية الجزائرية بليبيا، وعلى أساسه يتم منحك البطاقة القنصلية، آنذاك يمكنك شراء السيارة وإدخالها إلى الجزائر، لكنك ملزم بإدخالها إلى المعبر الحدودي كل 6 أشهر لتسجيلها من قبل مصالح الجمارك...".

وكان رئيس جمعية حماية المستهلك، مصطفى زبدي، قد صرح في وقت سابق أن "شراء سيارة من ليبيا وإدخالها إلى الجزائر لا يكون إلا بإقامة.."، وتحدث عن إمكانية استيراد سيارات أقل من ثلاث سنوات من ليبيا، وتؤكد مصالح الجمارك الليبية من جهتها "لا يسمح لمواطن أجنبي غير مقيم في ليبيا أن يشتري سيارة ويقوم بإخراجها عبر المعبر الحدودي إلا بوثيقة الإقامة..".

ما عرفناه من لدن بعض السوفيين؛ أن نظام استيراد السيارات في ليبيا، يشمل السيارات الجديدة والأقل من 3 سنوات و5 سنوات، وحتى 10 سنوات، ما يجعل أسعار شرائها متدنية وفي متناول البسطاء من الليبيين.

 

ترويج واسع وأسعار ملتهبة..

 

واللافت أنه من عام إلى آخر، تعرف عملية تسويق هذا النوع من السيارات رواجا ويلقى قبولا متزايدا من قبل الجزائريين، واقتحمت مواقع (اليوتوب) و"تيك توك" ومواقع أخرى. فعلى أحد المواقع الجزائرية عرضت سيارة من نوع (سانتافي) القادمة من ليبيا من عمر 2008، سعرها بالعملة الليبية 3 آلاف دينار، حددت قيمتها في السوق الموازية الجزائرية بـ180 مليون سنتيم، رغم أنها سارت 170 ألف كم، في مؤشر واضح إلى التهاب أسعار سوق السيارات، السبب الذي يقود كثيرا من الجزائريين للتنقل إلى وادي سوف للبحث عن هامش مناورة لاقتناء سيارة بسعر أقل.

يحدث ذلك في وقت تشير فيه بعض الآراء إلى أنه بات من الصعب بيع سيارة أقل من 3 سنوات بعد إدخالها إلا بعد مرور 3 سنوات... لكن التساؤل يبقى مطروحا بالنسبة للجزائريين ممن يرغبون في شراء سيارات جديدة من عند الليبيين عبر المعبر الحدودي طالب العربي، فما هي الإجراءات اللازمة لشراء سيارة وإدخالها إلى التراب الجزائري؟

في حدود الساعة الخامسة مساء، دخلنا سوق السيارات الذي يتم تنظيمه يوميا بالمخرج الشرقي للمدينة، في تلك السوق التقينا بأمين (50 عاما) كان يشتعل استياء وسخطا وهو على متن سيارة (هيونداي فينيو) التي اشتراها لدى أحد الليبيين بالمعبر الحدودي طالب العربي، وقال: جئت "أنصح الناس بتجنب شراء سيارات ليبية من المعبر الحدودي..."، وذلك بعد أن جرب مأساة ما أسماه "إجراءات بيروقراطية".

ويقول: "إن أولى خطوات إعداد ملف شراء سيارة لدى الليبي بالمعبر طالب العربي، هي الحصول على وثيقة الوكالة بأنك اشتريت سيارة، تقدم النسخة الأصلية منها للشخص الليبي الذي باع لك السيارة.. كما تسلم له نسخة من رخصة الجمارك، ثم يتم الختم على جواز سفرك بأنك أدخلت السيارة إلى بلدك.."، قبل أن يضيف "بعد ذلك، تقوم بإجراء خبرة للسيارة وهي وثيقة أخرى تضاف إلى ملف الشراء، الذي تسلمه إلى وكيل العبور وهو من يتكفل بمهمة التحويل الرسمي لملف الشراء من الليبي إلى الجزائري..".

 

بيروقراطية وملابسات..

 

وتابع يقول "بعد هذه الخطوات سيطلب منك دفع حقوق جمركة السيارة، طبعا، حسب قيمتها، فمثلا سيارة من نوع طويوطا كورولا حقوق جمركتها تتراوح بين 55 و60 مليون سنتيم، فيما تصل حقوق جمركة سيارة (هيونداي كريتا) إلى 45 مليون سنتيم..".

ويشير أمين إلى أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد: "سيطلب منك بالمعبر الحدودي، دفع خدمات جمركية إضافية مشتركة مع وكيل العبور تصل إلى 10 ملايين سنتيم، وبعد ذلك سيطلب منك نقل ملف شراء السيارة إلى مصلحة المناجم لفحصها وتصويرها والتأكد من بيانات السيارة، قصد الحصول على وثيقة تضاف إلى الملف الذي يتم إيداعه لدى مصالح الدائرة للحصول على البطاقة الرمادية..".

لكن الأمر الذي لم يستوعبه أمين وجعله يندهش؛ هو "حتى دائرة وادي سوف طلبت مني إحضار وثيقة إثبات يتم ختمها لدى الجمارك، تثبت أن السيارة شملتها عملية الجمركة، مع العلم أن ملف السيارة مر على مصالح الجمركة ودفعت كل الحقوق... إنها عراقيل بيروقراطية..".

لقد "استغرق أمر إنهاء ملف شراء هذه السيارة مدة شهرين كاملين، لقد شاب شعري قبل أن تدخل سيارتي حيز السير، لذلك أنا جئت إلى السوق أنصح الناس بعدم شراء السيارات من المعبر الحدودي طالب العربي تفاديا للبزناسية والإجراءات البيروقراطية...".

يحدث ذلك، في وقت يشير فيه بعض التجار بوادي سوف، إلى أن سوق السيارات الليبية سوق انفرد بها بزناسية وسماسرة غامضون، لكن إمبراطوريتهم معرضة في أي وقت للانهيار، إذا ما استأنفت عملية تركيب واستيراد السيارات لإنعاش السوق على نحو يجعل أسعار تلك العربات القادمة من ليبيا تنهار.

 

الرقابة لحماية الزبون..

 

 ومع ذلك، يقول مواطنون إنه "كان يفترض أن تلتفت السلطات العمومية لفرض إجراءات رقابة على شراء السيارات الليبية من المعبر الحدودي طالب العربي، عبر تطبيق القانون على نحو شفاف يحمي الزبون ويجنبه متاعب بيروقراطية وضغوطا غير مرغوب فيها...".