38serv

+ -

مع التحول السريع نحو الرقمنة، تواجه وسائل الإعلام المطبوعة تحديات متزايدة تدفعها لإعادة التفكير في طرق ونماذج إنتاج المادة الإعلامية التقليدية، مع البحث عن أساليب جديدة للبقاء في المشهد الإعلامي. ولم يعد التحول إلى الرقمي خيارا، بل ضرورة تمليها عادات استهلاك المعلومات لدى القراء التي تغيرت بشكل كبير، مما يستوجب على وسائل الإعلام، لا سيما منها المطبوعة، على غرار جريدة "الخبر"، أن تتكيف مع المتطلبات التي يفرضها عصر الرقمنة.

التحول الرقمي وظهور قراء جدد

أدى انتشار الأنترنت وزيادة استخدام الأجهزة الذكية، إلى ظهور جيل جديد من القراء يفضّلون الوصول إلى الأخبار والمعلومات عبر المنصات الرقمية. هذه الفئة تميل إلى المحتوى التفاعلي والفوري والمجاني، مما يفرض على وسائل الإعلام المطبوعة التحول نحو نماذج رقمية متطورة، تواكب التطورات التي ما فتئت أن تحققت لتلبية متطلبات الأجيال الجديدة من القراء. وضمن هذا السياق، يمكن للمؤسسات الإعلامية أن تستفيد من تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل سلوك القراء واختيار المحتوى بما يتناسب مع اهتماماتهم، مما يعزز تجربة المستخدم ويزيد من فرص الاحتفاظ بهم كقراء. فالتقنيات الجديدة مثل الواقع المعزز والواقع الافتراضي، توفر إمكانيات مذهلة لتعزيز تجربة القراءة، حيث يمكن استخدامها لإنتاج محتوى تفاعلي وجذاب في النسخ الرقمية، ما يجعلها أكثر جاذبية مقارنة بالمطبوعة.

التحديات التي تفرضها وسائل التواصل الاجتماعي

أصبحت "الخبر" كباقي الجرائد داخل وخارج الوطن، تواجه منافسة شرسة من منصات التواصل الاجتماعي وكبريات محركات البحث، مثل فيسبوك وتويتر وإنستغرام وغوغل، والتي أصبحت تصنّف ضمن مصادر الأخبار الأساسية بالنسبة للكثير من الناس، مما يشكّل تحديا كبيرا لوسائل الإعلام التقليدية. هذه المنصات تتيح للمستخدمين الوصول السريع إلى الأخبار والتفاعل معها، وغالبا ما تكون مدعومة بالصور والفيديوهات القصيرة التي تجذب الانتباه أكثر من النصوص الطويلة. إضافة إلى ذلك، تعتمد منصات التواصل الاجتماعي على الخوارزميات التي تُظهر للمستخدمين المحتوى بناء على تفضيلاتهم وخياراتهم وأذواقهم، ما يعني أن الأخبار تصل إليهم بسرعة تفوق وسائل الإعلام التقليدية.

لمواجهة هذا التحدي، تبنت "الخبر" استراتيجيات رقمية متطورة، تشمل إنشاء محتوى مناسب لمنصات التواصل الاجتماعي، مع تحسين أساليب المحتوى والعرض ليكون المحتوى أكثر جاذبية وسهلا للمشاركة والتفاعل، مع توجيه الجهود نحو بناء علاقات قوية مع القراء عبر شبكة الأنترنت، من خلال التفاعل المستمر وتقديم محتوى ثري ومتنوع. وضمن هذا المنظور، ستطلق "الخبر" قناتها التلفزيونية عبر الواب بمناسبة الذكرى الـ 34 لتأسيسها. كما هي بصدد إطلاق جريدتها الإلكترونية الجديدة بتحديث معاصر وفي ثوب جديد ومحتوى متنوع يتماشى مع سمعتها ومع ما توصلت إليه كبريات الجرائد الرقمية العالمية.

الاستفادة من الذكاء الاصطناعي 

وتعمل "الخبر" حاليا وتحضّر لإدخال استخدام الذكاء الاصطناعي بطرق متعددة لتحسين عمليات جمع الأخبار ومعالجتها وإنتاجها. وعلى سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي المساهمة في كتابة مقالات بسيطة بناء على بيانات متاحة، مما يسمح للصحفيين التركيز على القضايا المعقّدة التي تتطلب تحليلا دقيقا أو عملا ميدانيا متميّزا. ويمكن أيضا استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الكبيرة للكشف عن الاتجاهات الإخبارية وتحديد المواضيع التي تحظى باهتمام الجمهور، مما يساعد في توجيه الجهود التحريرية.كما أن الذكاء الاصطناعي يمكنه تحسين الإعلانات الرقمية، من خلال استهداف الجمهور المناسب بالإعلانات الملائمة، وبالتالي زيادة الإيرادات المالية للمؤسسة الإعلامية. 

أدوات جديدة لصناعة الفيديو بالذكاء الاصطناعي 

لا شك أن قناة تلفزيون "الخبر" ستتدعم بالذكاء الاصطناعي لصناعة محتوى فيديو عالي الجودة. هذا النوع من التطور قد يؤدي إلى زيادة الطلب على أدوات إنتاج الفيديو الإبداعية، ومع الوقت يمكن دمج مثل هذه التقنيات فيها، ما يحسّن من جودة العمل بشكل مذهل، مع وجود اللمسة الإنسانية والصحفية في المنتج النهائي بفضل تآزر الذكاء الاصطناعي وخبرة الإنسان.

لم تكن "سورا" هي الأداة الأولى من نوعها التي تقوم بإنتاج الفيديوهات، من خلال أوامر أو نصوص مكتوبة، فشركات مثل "غوغل" و"ميتا" والشركة الناشئة "ران واي آم آل" Runway ML  تعدّ من بين أبرز الشركات التي لديها تكنولوجيا مماثلة ومتقدمة للغاية في هذا المجال. وهذا ما يفرض على طاقم "الخبر" أن يندمج، دون عقدة، لاستغلال الإمكانيات اللامحدودة التي يتوفّر عليها الذكاء الاصطناعي.

نحو تجربة قراءة غنية بالمحتوى المتعدد الوسائط

تعمل "الخبر" حاليا على تلبية متطلبات الجيل الجديد من القراء، وينبغي أن تتبنى استراتيجيات تجمع بين التقليدي والمحتوى الرقمي. وتشمل هذه الاستراتيجيات تقديم اشتراكات رقمية تتضمن مزايا، مثل الوصول إلى محتوى حصري واستخدام التطبيقات التي توفّر تجربة قراءة غنية بالمحتوى المتعدد الوسائط. وهي الآن بصدد تطوير تطبيقات تفاعلية تقدّم الأخبار بطريقة سهلة وسريعة، مع تعزيز الجهود في تقديم مقاطع فيديو إخبارية قصيرة ومدونات صوتية (بودكاست) تلبي حاجيات قرائها.

علاوة على ذلك، ستعزز الجريدة الشراكات مع المنصات الرقمية والتعاون مع المؤثرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي لزيادة نسبة التوغل والوصول إلى الجماهير الجديدة. هذا النوع من الشراكات يمكن أن يساهم في توسيع نطاق الانتشار وتوفير مصادر جديدة للإيرادات.

تمثل التحولات الرقمية فرصة لوسائل الإعلام المطبوعة لتجديد نفسها وتبنّي أساليب مبتكرة لمواكبة تطورات العصر الرقمي بامتياز. ومع ذلك، فإن النجاح في هذا التوجه وتبنّي هذه الخيارات، يعتمد على القدرة على التكيّف مع التحديات الجديدة، مثل المنافسة الشديدة مع منصات التواصل الاجتماعي وتلبية احتياجات وتطلعات القراء الجدد، باستخدام تقنيات الاتصال الحديثة والذكاء الاصطناعي، مما يسمح لـ"الخبر" أن تظل الفاعل رقم واحد في المشهد الإعلامي الوطني وستستمر في تقديم محتوى صحفي ذو جودة عالية لقرائها، سواء من حيث الكفاءة والاحترافية، أو من حيث المصداقية وانتشارها الواسع عبر النت.

الجيل السابق لـ"الخبر" كسب رهان تأسيس جريدة ورقية تربعت على عرش الصحافة المكتوبة الجزائرية بسحب يومي تجاوز نصف مليون نسخة على مدى ثلاثة عقود. فكتب قصة نجاح بأحرف من ذهب. وأمام الجيل الجديد تحدي كسب معركة التحول الرقمي، وهو يسير في الطريق الصحيح بصعوبة، لكن باحترافية تنبثق من نظرة مستقبلية تتجسد من خلالها قصة نجاح عبر مغامرة أخرى تكللت حاليا بتصدر الموقع الإلكتروني لـ"الخبر" المرتبة الأولى دون منازع على المستوى الوطني، وهو دليل على أن الجيل الجديد واع بحجم التحديات ومصمم على كسب الرهان.