فسَح إصدار ملك المغرب، محمد السادس، مؤخرا، عفوا عن أكثر من 4800 من مزارعي القنب الهندي ممّن أدينوا أو يلاحقون بتهم تتعلق بهذه الزراعة، المجال لبعث مساعي تقنين "الاستعمال الترفيهي" للمخدرات، عبر المطالبة بفتح نقاش عمومي حول الموضوع، وذلك بعد مرور 3 سنوات على مصادقة الحكومة على قانون يجيز زراعته لاستعمالات طبية وصناعية.
ويعمل ناشطون في ما يسمى المرصد المغربي لتقنين القنب الهندي، هذه الأيام، على عقد لقاءات مع تشكيلات حزبية وبرلمانية، تحت شعار "100 عام من التجريم.. باركا (بركات)"، و"نداء من أجل فتح نقاش عام حول الاستعمال الترفيهي للقنب الهندي".
والتقى هؤلاء النشطاء، الثلاثاء الماضي، مع الأمين العام لحزب جبهة القوى الديمقراطية والفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب، من أجل جعل الاستهلاك الترفيهي للقنب الهندي قضية رأي عام، والضغط من أجل وقف تجريم أنشطة زراعة هذه السموم، وهي خطوات أيضا لتحضير الشعب المغربي كي لا يعارض ولا يرفض الفكرة.
ووفق ما شخّصت وسائل إعلام محلية، تكون هذه اللقاءات مؤشرا على المرور إلى مرحلة ثانية من هذا المسعى الذي انطلق أول مرة في جوان عام 2023، أياما قليلة بعد إعلان السلطات المغربية عن الانطلاقة الرسمية لزراعة أول محصول من المادة موجه للاستخدام الطبي.
وكانت المملكة قد أقرت في عام 2021 تقنين زراعة القنب الهندي لاستعمالات طبية وصناعية، كخطوة تمهيدية، على ما يبدو، لجعل الرأي العام المغربي يتقبل بعدها فكرة التقنين الشامل لاستهلاك المخدرات، الفكرة المخالفة للمواثيق والتشريعات الدولية والأممية التي تصنف هذا "الحشيش" كمخدر.
ومن مؤشرات ضلوع السلطات المغربية في هذا المسار، من دون أن تكون في الواجهة، تصريحات وزارة العدل في هذا البلد، حينها، بأن العفو الملكي الذي شمل "4831 شخصا مدانين أو متابعين أو مبحوثا عنهم في قضايا متعلقة بزراعة القنب الهندي"، سيسمح لهم "من الاندماج في الاستراتيجية الجديدة التي انخرطت فيها الأقاليم المعنية في أعقاب تأسيس الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي".
وظل القنب الهندي، رغم منعه قانونيا منذ عام 1954، يُزرع في جبال الريف، شمالي البلاد، ويستخرج منه مخدر الحشيش الذي يهرّب إلى أوروبا، وفق ما أكدته تقارير دولية ومحلية.
في حين تغض السلطات المغربية الطرف عن هذا النشاط، لامتصاص البطالة ومحاولة احتواء الوضع المزري الذي يعاني منه الشعب المغربي، بسبب التمييز في إدارة وتوزيع التنمية في البلاد.
ورغم المنع الرسمي لهذه الزراعة، صنّف التقرير السنوي لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة لعام 2020، المغرب أول منتج لهذا المخدر في العالم، ما يؤشر على أن التقنين سيغرق المنطقة أو القارة برمتها في إدمان استهلاك المخدرات.
وتقدر المساحة الإجمالية لزراعة القنب الهندي بالمغرب، وفق تقارير إعلامية مغربية، بـ71.424 هكتارا، وتنتشر بشكل خاص شمالي البلاد، وتحديدا في إقليمي شفشاون والحسيمة، وينتج الهكتار الواحد من هذه الزراعة 700 كيلوغرام من القنب، وفق تقرير سابق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الحكومي.
وبرر أصحاب المسعى مبادرتهم بمبررات غير منطقية، كـ"توصيات مؤسسات دولية ومحلية دعت الدولة المغربية إلى التفكير في سن تشريعات تجيز الاستهلاك الشخصي للقنب الهندي، أسوة بعدد من الدول حول العالم"، في إشارة، ربما، إلى هولندا التي تجيز ذلك بكميات محدودة جدا، وليس في إطار نشاط زراعي مكثف ومهيكل ومقنن، مثلما يريد هؤلاء.
وجاء في تقرير أصدره المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في المغرب، عام 2020، أنه "ينبغي التفكير في تضمين الاستعمال الشخصي المقنن للقنب الهندي عبر قنوات توزيع خاصة وبكميات محددة وفي أماكن معينة"، مبررا ذلك بـ"توجه دولي لتوسيع مجال الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، للحد من الممارسات الاستهلاكية غير المقننة الحالية التي تعرض الشباب لمخاطر على صعيد التوازن الذهني والنفسي والسلامة الصحية عموما".
وتبدو هذه المبررات عبثية وواهية، كون القنب الهندي يتضمن في تركيبته عنصرا رئيسيا يسبب الإدمان ويسمى "تيترا هيدرو كانابينول" المعروف اختصارا "تي.أش.سي"، ولا يمكن الاستغناء عنه في تحضير وإعداد المخدر.
كما أن التقنين وتحديد الكميات ونقاط البيع، لا يمكنها منع إغراق المستهلكين في الإدمان، بالنظر إلى أن الأمر سيتحول إلى زراعة وصناعة أولى في البلاد، ولا يمكن التحكم في تداعياتها السلبية الجانبية بالتدابير الإجرائية والأمنية.
وفي حالة تمرير هذا المشروع، ستكون السلطات المغربية سببا في إغراق أجيال عديدة في المنطقة في آفة الإدمان، الأمر الذي تكافحه السلطات الجزائرية أمنيًا وصحيا، عبر غلق الحدود الغربية وإنشاء مراكز إزالة السموم عبر القطر الوطني.
ومن المبررات العبثية التي قدمها رئيس ما يسمى المرصد المغربي لتقنين القنب الهندي، الشريف أدرداك، في تصريحات صحفية، أن الحملة تنطلق أيضا من كون استهلاك هذه المادة "يشكل عنصرا ثقافيا مهما للمغاربة الذين ينتمي معظمهم للأمازيغ، وبالتالي يخوّل لهم الحق في ممارسة عاداتهم وثقافتهم بكل حرية وفقا لمبادئ الأمم المتحدة".
غير أن التاريخ والأبحاث في العلوم التي تهتم بهذا الشأن، لم تثبت أن استهلاك المخدرات جزء لا يتجزأ في ثقافة الأمازيغ، وفي الجزائر وليبيا وتونس مثال واضح لذلك.