شمال غزة: عائلات بلا طعام.. مرضى بلا دواء وشهداء على الطرقات

+ -

بدأ جيش الاحتلال الصهيوني، أمس، تهديد سكان مناطق شمال غزة بالقتل والاعتقال إذا لم يخضعوا لأوامره بإخلاء أماكنهم والتوجه فورا نحو الجنوب عبر المسارات التي رسمها لهم، حيث تواصل قواته مشروع تفريغ المنطقة، الذي باشرته منذ 19 يوما، عبر جرائم إبادة مروعة وحصار مطبق على بلدة ومخيم جباليا وبلدتي بيت لاهيا وبيت حانون، مانعا عنها إيصال الطعام والمياه والمستلزمات الطبية.

يقترب الأسبوع الثالث من الهجوم الصهيوني الوحشي على شمال قطاع غزة أن يكتمل،  ومازال سكان المنطقة يستغيثون من شدة معاناتهم وما من مغيث، حيث تزداد في هذه الأوقات الأزمة الإنسانية في القطاع عامة وفي مناطق الشمال خاصة تفاقما بسبب التصعيد الإسرائيلي الممنهج والحصار المحكم الذي تمنع بموجبه سلطات الاحتلال وصول المساعدات الغذائية والطبية، ما يهدد حياة المواطنين هناك، خاصة المرضى والمصابين والأطفال، في الوقت الذي أجبرت عمليات النزوح الكبيرة المواطنين على السكن في "دورات مياه" مراكز الإيواء. وتعيش عشرات الآلاف من العائلات الفلسطينية في مناطق شمال قطاع غزة أوضاعا كارثية جدا ومأساوية، هائمة على وجوهها في الشوارع بعد إخلاء مناطقها بأمر من قوات الاحتلال الإسرائيلي، حسب ما قال مدير الدفاع المدني في شمال غزة، العقيد أحمد الكحلوت، في تصريح إعلامي، حيث يستمر الحصار الخانق منذ 18 يوما دون غذاء وماء ودواء.

من جانبه قال مدير المستشفى الإندونيسي في شمال قطاع غزة، الدكتور مروان السلطان، إن جيش الاحتلال يحاصر المستشفى منذ أيام وفي داخله عشرات المرضى بين الحياة والموت. وأشار مدير الدفاع المدني في شمال غزة إلى أنه بعد 18 يوما من الحصار أخلى الاحتلال مراكز الإيواء المكتظة بالسكان، خاصة في مشروع بيت لاهيا ومدارس أبو حسين ومخيم جباليا، ما أدى إلى تحرك السكان الذين تم إجلاؤهم في الشوارع دون وجود مكان آمن لهم، لافتا إلى وجود عشرات الجثث تحت الأنقاض وفي الشوارع لعدم تمكن الطواقم الطبية والإسعافية من الوصول إليهم بسبب الحصار واستمرار آليات الاحتلال ودباباته في استهداف المباني في تلك المناطق. وأكد المتحدث أن الوضع الصحي كارثي، حيث يحاصر الاحتلال المستشفيات الثلاثة في شمال غزة، وهي مستشفى كمال عدوان الذي قارب على الخروج من الخدمة، كما تحيط الدبابات بمستشفى العودة وتمنع الدخول إليه أو الخروج منه وتستهدف المناطق المحيطة به وتمنع انتشال الجثث أو المصابين الذين يفارق معظمهم الحياة بسبب عدم الوصول إليهم للعلاج والإنقاذ، إضافة إلى المستشفى الإندونيسي.

وفي مدينة غزة وصف الناطق باسم الدفاع المدني في قطاع غزة، محمود بصل، الواقع في شمال القطاع بالكارثي جدا ويزداد سوءا كل لحظة، "إنه مشهد تفريغ الشمال"، مشيرا إلى أن الاحتلال بدأ صباح أمس تهديد سكان مدينة بيت لاهيا عبر الطائرات المسيرة وإطلاق النار بالمدفعية، ولفت إلى وجود أعداد كبيرة من الشهداء منذ صبيحة أمس، بعد أن رسمت قوات الاحتلال مسارا للمواطنين ليخرجوا من منطقة بيت لاهيا إلى منطقة المستشفى الإندونيسي. وأشار الناطق إلى أن بعض المواطنين لا يريدون الخروج من منطقة بيت لاهيا، فاتجهوا إلى منطقة الغرب فاستهدفتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي وقتلت 12 شخصا على الأقل.

     

الاحتلال يجبر النازحين على سلك مسار الموت

 

وبشأن المسار الذي رسمه الاحتلال لخروج أهالي بيت لاهيا والشمال، أوضح الناطق أن قوات الاحتلال تقوم بالتحقيق مع العشرات منهم ثم اختطاف البعض الآخر، وبعد ترك بقية العائلات تطلب منهم المغادرة عبر شارع صلاح الدين على المنطقة الوسطى، لكنها رغم ذلك تستهدف بشكل مباشر تلك العائلات وتقصفها بالمدفعية، ما أدى إلى سقوط أعداد من الشهداء والجرحى دون السماح للطواقم الطبية بالوصول إليهم، مؤكدا أن الاحتلال يستهدف المسار الذي رسمه لخروج السكان من الشمال إلى غزة.

وكشف الناطق باسم الدفاع المدني في قطاع غزة حصيلة 18 يوما من العدوان والحصار لشمال القطاع، حيث وصل إلى مستشفى كمال عدوان 600 شهيد، بينما مازال المئات من الشهداء في الطرقات وتحت الأنقاض لا يمكن الوصول إليهم، إضافة إلى أعداد كبيرة غير معروفة من المفقودين.

ومع استمرار التصعيد العسكري الإسرائيلي، طالب المجلس الوطني الفلسطيني بضرورة توفير "ممر آمن" لدخول المساعدات الإنسانية بشكل فوري إلى شمال قطاع غزة، مشددا على أن استخدام التجويع والحصار من قبل الاحتلال الإسرائيلي يعد "انحطاطا بالقيم". كما دعا المجلس الوطني، في بيان له، إلى تمكين الوصول إلى جثامين الشهداء الملقاة في الطرقات ومعالجة الجرحى الذين لم تتمكن الطواقم الطبية من الوصول إليهم.

وطالب كذلك بـ"إيقاف العدوان الوحشي الذي يستهدف الأطفال والنساء، خاصة في شمال قطاع غزة"، مشيرا إلى أن ما يجري في شمال غزة يعد "جحيما يفوق الوصف"، مؤكدا أن السكوت على هذه الجرائم "يعني إعطاء الضوء الأخضر لاستمرار الانتهاكات"، وحذر كذلك من أن قطاع غزة، خاصة شماله، يمر بـ"أزمة وكارثة إنسانية غير مسبوقة".

من جهتها، قالت حركة "حماس" إن ما تشهده جباليا ومخيمها ومشروع بيت لاهيا وعموم محافظة شمال غزة من مجازر يومية وتدمير شامل وعمليات تهجير قسري وتطهير عرقي واستهداف وحشي للمدارس ومراكز الإيواء والمستشفيات، بمن فيها من نازحين ومرضى وجرحى، يمثل "انتهاكا صارخا لكل القوانين والشرائع والأعراف"، وقالت منتقدة إنه "لم يكن لِيُمَرر لولا حالة الصمت والتخاذل التي تعتري المنظومة الدولية والسلوك المتواطئ للإدارة الأمريكية مع جرائم العدو الصهيوني".

وطالبت الحركة المجتمع الدولي بأن "يخرج من دائرة الصمت والتخاذل وأن يُعلِن موقفا واضحا من هذه الجريمة النكراء ويتخذ الإجراءات الكفيلة بوقفها ومحاسبة مرتكبيها على جرائمهم ضد الإنسانية وأن يفعِّل أدوات الحماية التي كفلها القانون الدولي لشعبنا الفلسطيني الذي يواجه وحشية وفاشية هذا الاحتلال المجرم".

بدوره قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيليب لازاريني، أمس، إن أهالي شمال قطاع غزة "ينتظرون الموت بأي لحظة"، وسط إبادة إسرائيلية مستمرة في المنطقة، حسبما جاء في "نداء استغاثة" أطلقه موظفو الوكالة الأممية في شمال غزة ونشره لازاريني عبر حسابه على منصة "إكس".

وأوضح لازاريني أن قصف القوات الإسرائيلية في شمال غزة "مستمر لنحو 3 أسابيع، مع ارتفاع عدد القتلى". وأضاف أن "موظفينا يبلغون أنهم لا يستطيعون العثور على طعام أو ماء أو رعاية طبية ورائحة الموت في كل مكان، حيث تُركت الجثث ملقاة على الطرق أو تحت الأنقاض"، موضحا أنه "جرى رفض بعثات لإزالة الجثث أو تقديم المساعدة الإنسانية".

 

كلمات دلالية: