38serv
كظاهرة اجتماعية، يعرف التدين بأنه الالتزام بعقيدة دينية أو نحلة معيّنة وأداء فرائضها ومناسكها وطقوسها وشعائرها، وكل ما يتصل بها من العبادات نحو المعبود المعترف به من هذا الدين أو النحلة، وما يترتب على هذا الالتزام الديني من تطبيقات تتصل بالشروط الدينية لكافة العلاقات والمعاملات في المجتمع، فهو الكيفية التي يعيش بها الناس معتقداتهم الدينية في حياتهم اليومية.
وبمعنى الالتزام والاستقامة، يقترب لنا مفهوم التدين في كتاب الله وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلم، لقوله تعالى: {واستقم كما أمرت}، فالتدين هو الاستقامة والمواظبة على ما جاء به الإسلام من تعاليم؛ أوامر ونواهٍ.
قد تختلف الظاهرة الدينية من مجتمع لآخر، وقد تتعدّد أشكال التعبير عن الدين حسب الفئات، باعتبار أن الدين ليس مجرد مجموعة من الشعائر والأركان فحسب، وإنما أيضا رؤية للعالم وللمجتمع وللعلاقات الاجتماعية. ومما يغلب على المجتمعات كافة التدين التقليدي (الموروث)، كما هو حال أغلب الناس ومعظم المذاهب والطوائف جيلا بعد آخر، وقد تختلط معه الأعراف الاجتماعية والبدع المختلفة.
وكذلك، فإن من أبسط مظاهر التدين وأكثرها في المجتمعات الإسلامية أيضا (التدين الشعبي)، وهو تدين بسطاء الناس الذين لا يتعاملون مع الدين كنسق إيديولوجي، ويعرف بأنه: “تلك المعتقدات والممارسات الدينية التي تستقل نسبيا عن المؤسسة الرسمية”؛ فالتدين الشعبي هو السمة الغالبة للمجتمعات الإسلامية، وهو يختلف أو يتشابه حسب المناطق والأماكن، لامتزاجه بعادات وتقاليد شعوب وحضارات ومجتمعات تلك المناطق والفئات. وقد يبرز لنا التدين العقلاني، وهو ما يمارسه المثقفون الدينيون عادة، وذلك بالابتعاد عن الخرافة والأساطير وسائر القراءات الأصولية، تماشيا مع الإنسان المعاصر. وهناك التدين الإيديولوجي، فقد تتبلور بعض أنماط التدين إلى تدين إيديولوجي، الحامل لقضايا وطنية أو قومية أو حزبية أو نهضوية أو إصلاحية.
كما أن للتعميم الناجم عن وسائل الإعلام وانتشارها في أوساط الشباب خاصة، بما فيها الفضائيات والإنترنت.. وما تحمله من وسائط التواصل الاجتماعي والإعلام التفاعلي مما دشن نمطا مستجدا من أنماط التدين هو التدين الشبابي، وهو نمط (منفلت من قبضة السلطة، ويتعامل الفرد مع الدين بشكل يختار فيه العرض الديني المناسب له، من خلال مقاييسه الخاصة).
فوسائل الإعلام الحديثة، بما فيها التفاعلية خاصة، أتاحت نمطا جديدا للتدين يتسم بالحرية، والفردانية والاختيارية، يتعاطى فيه المتدين إيجابيا، ويتعامل مع المادة الدينية التي يريد وبالكيفية التي يختار، بعيدا عن المؤسسات الإيديولوجية أو الطرقية والمراتبية.
فالتدين -في هذا العالم المفتوح شرقا وغربا- عرضة للتأثر والاستنساخ عن الآخر، سواء أكان التأثر بأخذ القشور أو اللباب، وهو كذلك عرضة للاستفزاز والانفعال والتصادم والاضطراب إلى أن يبلغ الاستقرار، كما قد تتغير أنماط التدين وتتبدل نتيجة التلاقح الناجم عن الاحتكاك، وتلك سنة الأمم والحضارات.
يفهم من أنماط التدين أنها انعكاسات للفهومات البشرية لأبعاد الدين وجوانبه، دون إغفال فاعل التأثر والتأثير بين الأفراد والبنيات الاجتماعية، أو حتى الفضاءات الثقافية والسياسية. والمؤسف أن المبالغة في الأخذ بالظاهر والاعتناء بالطقوس عند الأفراد والمذاهب، من شأنه أن يورث مع طول الزمان ابتعادا عن المضمون، والاكتفاء بالقشور على حساب الجوهر، ما يجرّ إلى ذهاب الإيمان أصلا أو زعزعته تدريجيا من القلب إذا ما اقترب من حظوظ النفس وميل الهوى، ناهيك عن الخداع أو التلبيس والوقوع في شرك الشيطان.
والملاحظ أن تدين الشباب، مؤخرا، ببلادنا والبلاد المجاورة يعرف تناقصا رغم ما يلاحظ من اكتظاظ في المساجد وأعداد المصلين، مقابل ذلك، تنتشر ظواهر لا أخلاقية تتنافى مع تعاليم ديننا الحنيف، ككثرة الكذب والنفاق والفساد الأخلاقي وخلف المواعيد وأكل أموال الناس بالباطل وشرب المخدرات وانتشار البذاءة وفحش الكلام.
وما أحوجنا إلى أن نعرف دور شبابنا، وأن نعرف أهمية هذه المرحلة التي يسأل الله الناس عنها يوم القيامة، حينما تنصب الموازين وتنشر الدواوين، وهناك أسئلة رئيسية أربعة؛ منها: أن الإنسان يُسأل عن حياته وعمره، عن عمره عامة، وعن شبابه خاصة؛ لقول الرسول صلّى الله عليه وسلم: “لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله: من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن علمه: ماذا عمل به”. لذلك، يجب علينا أن نرفق بالشباب، وأن نحسن توجيههم إلى طريق الخير والرشاد، وأن لا نكون عونا للشيطان عليهم، بل يجب علينا أن نحبّبهم في ديننا الإسلامي، وأن نرغبهم في المساجد، وأن نشجعهم على الأخلاق الفاضلة.
فالإسلام لا يحارب الشهوة أو الغرائز، لكنه يعمل على تهذيبها ضمن الأطر الشرعية، فقد حرم الإسلام الزنا، وأوجد البديل، وهو الزواج، فهذا رسول الله صلّى الله عليه وسلم يخاطب الشباب قائلا: “يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء”. لقد عالج صلّى الله عليه وسلم بعض الحالات الشاذة هنا وهناك، بحكمته المعهودة وأسلوبه الراقي.