أعادت السلطات العمومية إبراز المساعي الرامية إلى تشجيع التعاملات خارج نطاق النقد وتحجيم التعامل نقدا وكذا التعامل غير الرسمي، من خلال مقترح أدرج في مشروع قانون المالية 2025، يكرس الالتزام بتسوية المعاملات الكبرى عبر القنوات والدوائر المصرفية والبنكية وبالوسائل غير النقدية، وحدد أربع معاملات يرتقب أن يحظر فيها التعامل نقدا، وبالتالي يتعين أن تكون عبر القنوات المصرفية والبنكية.
ونصت المادة 202 من مشروع قانون المالية 2025 على أنه "ابتداء من تاريخ صدور هذا القانون يتم دفع كل المبادلات المذكورة أدناه بوسائل الدفع غير النقدية عن طريق القنوات البنكية والمالية".
وأشارت المادة إلى كل من المعاملات العقارية للأملاك المبنية وغير المبنية وعمليات البيع المحققة من طرف الوكلاء وموزعي السيارات والآليات، فضلا عن شراء اليخوت وسفن النزهة واكتتاب عقود التأمين الإجبارية، مع الإشارة إلى أنه تحدد كيفيات تطبيق هذه المادة عن طريق التنظيم.
وغالبا ما تمثل هذه المعاملات قيما مالية معتبرة، وجب تأطيرها، فضلا عن إخراجها من دائرة التصريحات غير الدقيقة وضمان إدراجها ضمن الدوائر المصرفية والبنكية، فضلا عن تفادي التعامل النقدي الصرف.
وعن الأسباب التي أدت إلى اعتماد وإقرار مثل هذا المقترح، أشار معدو مشروع قانون المالية 2025 إلى أنه "يهدف مقترح هذا التدبير إلى استحداث إلزامية الدفع بوسائل كتابية لبعض العمليات والتي تتعلق بالمعاملات العقارية للأملاك المبنية وغير المبنية، عمليات البيع المحققة من طرف الوكلاء وموزعي السيارات والآليات وشراء اليخوت وسفن النزهة، فضلا عن اكتتاب عقود التأمين الإجبارية". كما يندرج هذا التدبير في إطار حظر استعمال الدفع النقدي بالنسبة للمعاملات الهامة والمذكورة آنفا وتلك المتعلقة بتعميم وسائل الدفع الكتابية بدلا من النقد، وذلك لتشجيع الشمول المالي والجبائي.
تكريس الحد من إجراءات الدفع غير التقليدي وتحجيم السوق الموازي
جدير بالإشارة إلى أن تدابير سابقة تمت في اتجاه تشجيع الشمول المالي وتحجيم التعامل غير الرسمي وضمان معاملات الدفع المالية عبر القنوات البنكية، على غرار اعتماد مرسوم تنفيذي رقم 15-153 مؤرخ في 16 جوان 2015، الصادر في الجريدة الرسمية رقم 33 المؤرخة في 22 جوان 2015 والذي حدد الحد المطبق على عمليات الدفع التي يجب أن تتم بوسائل الدفع الكتابية عن طريق القنوات البنكية والمالية، حيث استند المرسوم إلى تطبيق المادة 6 من القانون رقم 05-01 المؤرخ في 6 فيفري 2005، الهادف إلى تحديد الحد المطبق على عمليات الدفع التي يجب أن تتم بوسائل الدفع الكتابية عن طريق القنوات البنكية والمالية، كما أفادت المادة الثانية من المرسوم بأنه يتم دفع كل المبادلات التي تساوي أو تفوق المبالغ المحددة بوسائل الدفع الكتابية عن طريق القنوات البنكية والمالية، على غرار خمسة ملايين دينار (5.000.000دج) لشراء أملاك عقارية وواحد مليون (1.000.000 دج) لشراء اليخوت وسفن النزهة، شراعية ومزدوجة بمحرك مساعد أم لا، ومعدات متحركة جديدة وتجهيزات صناعية وسيارات جديدة ودراجات نارية ودراجات مزودة بمحرك خاضعة للترقيم لدى وكلاء السيارات أو موزعين آخرين أو معيدي البيع المعتمدين وسلع قيمة لدى تجار الأحجار والمعادن الثمينة والسلع العتيقة والتحف الفنية وشراء في المزاد العلني أثاثا ومنقولات مادية.
وحدد المرسوم التنفيذي المتعلق بتحديد الحد الأدنى لمعاملات الدفع المالية بتوثيق التحويلات المالية التي تزيد قيمتها عن الحد المحدد عبر إجراءات الدفع غير النقدي المخولة من قبل بنك الجزائر، مثل الصكوك أو التحويلات المصرفية، وذلك باستقطاب الأموال المتجهة إلى الخارج نحو القنوات البنكية، في ظل السعي إلى وضع حد للاقتصاد الموازي الذي يستقطب، وفق بعض التقديرات، نصف الكتلة المالية المتداولة في السوق.
المزايا المنتظرة
ويشير خبراء اقتصاديون وماليون إلى أن مسألة حظر استعمال الدفع النقدي في المعاملات الكبيرة والهامة وتعميم وسائل الدفع الكتابية (كالتحويلات البنكية، البطاقات المصرفية والدفع الإلكتروني) من الإجراءات الأساسية التي ترمي إلى تعزيز الشمول المالي والشمول الجبائي، كما يلعب هذا التوجه دورا مهما في تحسين الاقتصاد وزيادة الشفافية المالية.
ولاحظ الخبراء أن حظر الدفع النقدي في المعاملات الهامة وتعميم وسائل الدفع الكتابية ليس مجرد إجراء تقني، بل يعد بمثابة خطوة استراتيجية لتحسين الاقتصاد وتحقيق الشفافية المالية. بفضل هذا التوجه، يمكن للحكومات تعزيز الشمول المالي والجبائي، مكافحة الفساد وتحقيق نمو اقتصادي مستدام مبني على الثقة والشفافية. ومن بين المزايا المنتظرة تعزيز الشمول المالي، بمعنى تمكين جميع الأفراد والشركات من الوصول إلى خدمات مالية مناسبة وبأسعار معقولة، ما يعزز من مشاركتهم في الاقتصاد الرسمي، كما يعزز الحظر التدريجي لاستعمال الدفع النقدي في المعاملات الهامة تشجيع الأفراد على استخدام البنوك ومن ثم الاعتماد على وسائل الدفع الكتابية ويُحفزهم أيضا على فتح حسابات مصرفية واستخدام الخدمات المالية المتاحة، ما يجعل النظام المالي أكثر شمولا، مقابل تقليل الاعتماد على الاقتصاد غير الرسمي، حيث يعتبر الاقتصاد غير الرسمي مصدرا لتهريب الأموال وتفادي الضرائب. وبالدفع الإلكتروني، يتم تقليل فرص التعاملات غير المشروعة وتشجيع الأفراد على الانضمام إلى الاقتصاد الرسمي، وعندما يستخدم الأفراد والشركات النظام المصرفي يصبح لديهم سجل ائتماني يمكن استخدامه للحصول على قروض أو استثمارات، ما يدعم النشاط الاقتصادي.
وإضافة إلى ذلك، فإن هنالك إمكانية تحسين الشمول الجبائي وتفعيل التحصيل الضرائبي بفعالية وعدالة من جميع القطاعات الاقتصادية، ناهيك عن زيادة الشفافية المالية. فالدفع النقدي غالبا ما يكون غير قابلا للتتبع، ما يسهِّل التهرب الضريبي، وفي المقابل تسجّل وسائل الدفع الكتابية كل عملية بشكل أوتوماتيكي، ما يتيح للسلطات المالية تتبع حركة الأموال وتحصيل الضرائب بشكل أكثر كفاءة، وعندما تصبح المعاملات مسجلة إلكترونيا، يصبح من الصعب إخفاء الدخل أو التقليل من قيمة المعاملات للتهرب من الضرائب، ما يضمن زيادة إيرادات الدولة.
بالمقابل، ومع تطور الخدمات البنكية الرقمية والمحافظ الإلكترونية فإن الحظر على الدفع النقدي يساهم في تسريع اعتماد هذه التقنيات، ما يسهل إدارة الأموال والمعاملات وكذا تسهيل المعاملات، على اعتبار أن وسائل الدفع الإلكتروني والكتابي توفر راحة وسرعة في إجراء المعاملات، سواء في الأسواق المحلية أو العالمية، ما يسهم في تحسين بيئة الأعمال وجعلها أكثر كفاءة.