ذكرى 17 أكتوبر.. مطالب بالاعتراف بها كـ"جريمة دولة"

38serv

+ -

هل تسير فرنسا على طريق الاعتراف بجريمة 17 أكتوبر 1961؟ سؤال يطرح مع العدد الكبير من النشاطات والوقفات المنظمة هذا العام بمناسبة هذه الذكرى الأليمة على قلوب الجزائريين والمشينة في التاريخ الفرنسي، تقودها أكثر من 55 جمعية وحزب سياسي. وإن لم تعلن السلطات الفرنسية الرسمية عن تنظيم رسمي لإحياء الذكرى 63 لهذه المجزرة، فإن عددا من الهيئات وحتى البلديات والمقاطعات بباريس خصصت يوم 17 أكتوبر لهذه الذكرى والوقوف على جرائم فرنسا الاستعمارية.

تشهد فرنسا بشكل مكثف إحياء للذكرى 63 لمظاهرات 17 أكتوبر 1961، التي راح ضحيتها مئات الجزائريين الذين خرجوا في مظاهرات سلمية في باريس ضد حظر التجول والمطالبة بتقرير المصير واستقلال الجزائر ذات يوم من 17 أكتوبر 1961، وواجهتهم الشرطة الفرنسية بقيادة موريس بابون بالقمع والقتل ورمت العشرات منهم مكبلين في نهر السين.

 

أكثر من 55 جمعية وحزب يدعون لإحياء الذكرى

 

ورفعت أكثر من 44 جمعية و7 نقابات و11 حزبا سياسيا في فرنسا بيانا تدعو فيه إلى إحياء هذه الذكرى الأليمة والجريمة الشنيعة، مطالبين الدولة الفرنسية بأن تعترف بوضوح بأن هذه الحقائق تشكل "جريمة دولة". وجاء في البيان: "إننا نطالب بهذا الاعتراف حتى نتمكن أخيرا من بناء ذاكرة جماعية خالية من التمييز في الذاكرة والماضي الاستعماري المثقل بأوجه عدم المساواة المتعددة، بالإضافة إلى المطالبة بفتح الأرشيف الخاص بحرب الجزائر نحن نطالب بالوصول الحر إلى الأرشيف، بشكل فعال للجميع، مؤرخين ومواطنين، وإتاحة الفرصة للباحثين للعمل. وأخيرا، الدعوة إلى إدراج التاريخ الاستعماري وتاريخ هذه الأحداث في البرامج المدرسية بغرض نقلها إلى الصغار". وستحيي هذه المنظمات والجمعيات والأحزاب الذكرى في تجمع على جسر سان ميشيل بباريس اليوم على الساعة السادسة مساء "وذلك تخليدا لذكرى كل الجزائريين الذين وقعوا ضحايا العنف العنصري والاستعماري من قبل الدولة الفرنسية!".

وبادرت حركة مناهضة العنصرية ومن أجل الصداقة بين الشعوب (MRAP)، من جهتها، بالإعلان عن تنظيم تجمع للذكرى فوق جسر بارون دو بيسونسون، يهدف إلى إحياء هذه الذكرى حسب الحركة لتكريم ضحايا قمع مظاهرات 17 أكتوبر 1961 بباريس والتي تعرض خلالها عدد كبير من الجزائريين للقتل والرمي في نهر السين. وتقود الحركة حملة لإحياء الذكرى مع عدد من المنظمات والجمعيات على غرار الصداقة مع الصحراء الغربية ومجموعة فلسطين واليد المرفوعة والثورة الدائمة وتضامن مع فلسطين بتولوز وكذا جمعية كونتواز للتعريف بالمغرب العربي والعالم العربي، ومواطنين يساريين، تجمع الدفاع عن حقوق وحريات الأجانب، رابطة حقوق الإنسان، حركة السلام. ومن النقابات الكونفدرالية العامة للشغل والاتحاد النقابي الموحد ونقابات التضامن 25 وأطراف أخرى على غرار البيئة الأوروبية الخضر (EELV) وأحزاب منها حزب مناهضة الرأسمالية الجديد، الحزب الشيوعي الفرنسي وحزب اليسار.

 

تكريم ضحايا 17 أكتوبر 1961 هو تكريم للشعب الجزائري

 

ذكرت هذه الجمعيات والنقابات والأحزاب، في منشور لها، بما قام به الوفد الجزائري خلال الألعاب الأولمبية بباريس "خلال حفل افتتاح أولمبياد باريس الذي أقيم على نهر السين، "في جويلية الماضي، ألقى الوفد الجزائري الورود في النهر تكريما لضحايا مظاهرات الاستقلال في 17 أكتوبر 1961. وفي بيزانسون، ستتم تعبئة مماثلة على جسر باتانت يوم 17 أكتوبر الساعة 5:30 مساء. وسيتم إلقاء الزهور على منطقة الدوبس تكريما لذكرى جميع الجزائريين الذين وقعوا ضحايا للعنف العنصري والاستعماري من قبل الدولة الفرنسية" حسب الموقعين.

واعتبرت هذه الجمعيات أن التكريم ضحايا 17 أكتوبر 1961 هو بمثابة التكريم للشعب الجزائري ولكل أولئك الذين ما زالوا يناضلون ضد الدول الاستعمارية والعنصرية والإمبريالية. وتدعو هذه الجمعيات إلى عدد من النشاطات، منها تنظيم محاضرات تلقي الضوء على ما حدث في هذا اليوم المشؤوم بالنسبة للمهاجرين الجزائريين في فرنسا، بالإضافة إلى وقفات تذكارية ومسيرات رمزية اقتداء بالمسيرة السلمية لـ17 أكتوبر 1961.

وتطالب هذه الجمعيات الدولة الفرنسية بأن تعترف بوضوح بأن ما حدث في 17 أكتوبر 1961 يشكل "جريمة دولة". وتضيف "حتى نتمكن أخيرا من بناء ذاكرة جماعية خالية من التمييز في الذاكرة والماضي الاستعماري المثقل بأوجه عدم المساواة المتعددة". ويعرف عدد كبير من المدن الفرنسية عدة نشاطات تلبية لنداء هذه الجمعيات، على غرار العاصمة باريس، مرسيليا، ستراسبورغ، تولوز، مونتراي، فيلاربين بليون، فيل دويانيون وفيلجيويف وغيرها

 

العودة إلى تفاصيل الجريمة

 

نشرت عدد من المواقع تقارير للتذكير بهذه الجريمة الشنيعة وعادت إلى تفاصيلها كما تطرقت إلى العمل الذي قام به جون لوك اينودي منذ 1991، حيث أدى ذلك إلى تعزيز المعرفة التاريخية بتاريخ 17 أكتوبر 1961. وجاء في أحد هذه التقارير أنه "ليس هناك شك في أن هذه جريمة دولة تنطوي على أعلى مستويات السلطة". ومنذ عام 1961، واصلت مجموعات من الناشطين المناهضين للاستعمار والعنصرية النضال من أجل إظهار هذه الجريمة وإجبار الدولة على الاعتراف بمسؤوليتها. "إلا أن الاعتراف المؤسسي بهذه المجزرة وبالمسؤولين عنها ما زال غائبا".

وعادت المواقع إلى التذكير بتاريخ أكتوبر 2021، وعلى إثر التقرير الخاص بقضايا الذاكرة المتعلقة بالاستعمار وحرب الجزائر، نظمت فرنسا إحياء رسميا لذكرى مرور ستين عاما على هذه المجزرة. ومع ذلك، يصف البيان هذه "الإجراءات السياسية بالمناسباتية والآنية فقط"، وتضيف أنه حتى اليوم، ترفض الدولة الاعتراف بيوم 17 أكتوبر 1961 باعتباره جريمة دولة رغم تصويت الجمعية الوطنية في 28 مارس 2024 على نص يطالب الحكومة بتخصيص يوم لإحياء الذكرى والاعتراف بـ"المذبحة التي ارتكبت تحت سلطة موريس بابون آنذاك". ومع ذلك، يضيف التقرير هذا العام، مرة أخرى، "ترفض السلطة التنفيذية تنظيم احتفال رسمي. إضافة إلى ذلك، لا تزال الدولة تعارض فتح الأرشيف للمؤرخين، وبالتالي منع عمل الذاكرة اللازمة للاعتراف بهذه الجريمة. ويؤكد موقع "ايدوكاسيون سود" الذي جاء فيه التقرير على الحاجة الملحة لإنتاج ونقل المعرفة التي تفكك التاريخ الاستعماري لفرنسا.

 

جون لوك اينودي أول من فجر الجريمة الفضيحة

 

يقول جون لوك اينودي عن أسباب عدم اعتراف فرنسا الرسمية بجريمة 17 أكتوبر 1961 في حديث مع وسائل إعلام فرنسية سنة 2012 "لم تعترف فرنسا بهذه الجريمة لأسباب عديدة. السبب الأول هو أن مسؤولي هذه المجازر في 1961 لم يتخلوا عن مسؤولياتهم وظلوا في الحكومة وفي الإدارة الفرنسية سنوات طويلة بعد استقلال الجزائر. مثل موريس بابون الذي تقلد مناصب رسمية حتى عام 1981، إضافة إلى وزير الداخلية السابق روجي فري الذي عمل في المجلس الدستوري الفرنسي حتى 1983. أما فرانسوا ميتران الذي كان في المعارضة عام 1961، فرفض الحديث عن سنوات الحرب عندما أصبح رئيسا لفرنسا كونه كان متورطا هو أيضا في هذه الحرب، إذ شغل آنذاك مناصب عليا مثل منصب وزير الداخلية ووزير العدل، وبالتالي لم يكن في صالح هذه الشخصيات فتح ملف مجازر أكتوبر 1961".

وخاض جون لوك اينودي معركة حقيقية من أجل الكشف عن جريمة الدولة ومسؤولية فرنسا الاستعمارية الرسمية عما حدث للجزائريين في 17 أكتوبر 61، ويقول إنه "بفضل البحوث التاريخية والدراسات والكتب، عادت هذه الجريمة إلى الواجهة السياسية الفرنسية وأصبحت الرغبة بكشف الحقيقة كبيرة، سواء أكان في صفوف الجزائريين أو المسؤولين الفرنسيين الجدد".

ووقف اينودي في المحاكم ضد موريس بانون الذي رفع سنة 1999 ضده دعوى قضائية بتهمة الذم والقدح وتزييف الحقيقة، التي اعتبرها اينودي "بمثابة مرحلة أولى في الاعتراف ضمنيا بوجود مجزرة اسمها 17 أكتوبر 1961 بفرنسا". ومنذ ذلك الحين "أصبحت منظمات عديدة من المجتمع المدني وأخرى مدافعة عن حقوق الإنسان تطالب بكشف ملابساته ومعاقبة المتورطين فيه".

من الناحية السياسية والرمزية، تعهد فرانسوا هولاند خلال حملته الانتخابية الرئاسية بأن تعترف فرنسا رسميا بهذه الجريمة في حال فاز بالانتخابات. وظل اينودي يأمل أن تعترف فرنسا رسميا بهذه المجازر كما وعد بذلك الرئيس فرانسوا هولاند أثناء الحملة الانتخابية لكن لم يحدث ذلك.

وقد أحيا المركز الثقافي الجزائري بباريس الذكرى 63 لمجازر 17 أكتوبر 1961، وذلك من خلال وقفة عرفان للمؤرخ جون لوك إينودي صاحب كتاب "هنا نُغرق الجزائريين"، مع مشاركة بعض الذين تناولوا هذا التاريخ في أعمالهم الفكرية والفنية بتنظيم ندوة فكرية بمشاركة فابريس ريسيبوتي، رئيس جمعية "أصدقاء جون لوك إينودي"، وكذا مشاركة باتريك كارل الذي كتب نص مسرحية عن أحداث أكتوبر، كما تم عرض وثائقي بعنوان "17 أكتوبر 1961، تكتّم على مجزرة" للمخرج دانيال كوبغارستان.