نساء قاومن سرطان الثدي فخذلهن أزواجهن

+ -

"اكتشفت أنني أعاني من ورم على مستوى صدري وكتمت الأمر على زوجي الذي كان هو الآخر يتخبط في ضائقة مالية صعبة.. رافقتني أمي إلى الطبيب الذي طلب مني إجراء فحوصات الماموغرافي، وهناك حل الخبر علينا كالصاعقة! لا بد من استئصال ثدي الذي أصابه السرطان. في بادئ الأمر وقف زوجي إلى جانبي وكان يرافقني أثناء زيارتي الطبيب، لكن مع مرور الوقت بدأ ينسحب شيئا فشيئا، إلى أن تركني في بيت عائلتي من دون أن يسأل على حالتي الصحية ولو باتصال هاتفي". 

ظلت السيدة هاجر على تلك الحالة إلى أن أخبرها زوجها بأنه لم يعد يريدها زوجة له بحكم أنه لا يرضى بنصف امرأة.

لم تكن القصة الأليمة للسيدة هاجر سوى عينة من مئات القصص التي راح ضحيتها نساء في مقتبل العمر، ذنبهن الوحيد أن المرض اختارهن فوجدن أنفسهن مضطرات على مواجهته لوحدهن، ناهيك عن الضرر النفسي الذي لحقهن جراء انسحاب أزواجهن.

اقتربت "الخبر" من مركز إيواء نساء في شدة بالجزائر العاصمة الذي تشرف على تسييره رئيسة جمعية نجدة نساء في شدة، السيدة مريم بلعلى، وهناك التقينا بالشابة نوال صاحبة الـ 25 ربيعا، والتي ضاقت بها الدنيا بما رحبت وفقدت بوصلة الطريق بعد أن أصيبت بسرطان الثدي، وخلال فترة العلاج التي أمضتها في المستشفى أدارت الدنيا ظهرها لها، إذ قرر زوجها جلب ضرة لها.   

بخطى متثاقلة تتقدم الشابة نوال مطأطئة الرأس وسط فناء مركز "نساء في شدة " أو كما يعرف باسم "آس.أو.آس". كانت عيناها متعبتان من هم الحياة وجسمها النحيف برزت عظامه تحت منامتها البيضاء. جلست بهدوء على أريكة الصالون ثم رمقتنا بنظرة مبهمة. نظرة مليئة بعلامات الاستفهام وكأن عيناها تريدان أن تقول لست أدري كيف وصلت إلى هنا ولماذا أنا هنا وما الذي جرى فعلا حتى تركت مسقط رأسي في بجاية وجئت إلى العاصمة.

بصوت خافت وأجش راحت الشابة الشقراء تفتح علبتها السوداء وتبوح لنا بما يختلج قلبها الفتي، واسترسلت تقول: " كنت في رعيان شبابي حينما تعرفت على شاب يكبرني بعامين. وبعد مدة من تعارفنا تقدم إلى عائلتي لخطبتي. في بادئ الأمر رفض أهلي اقتراني به، لكنهم وافقوا بعد إصراري على الزواج منه، لكنهم حمَلوني جميع المسؤوليات في حال ما فشلت علاقتنا الزوجية".

لم تترك سنة 2015 ذكرى حسنة في ذاكرة الشابة نوال، فبعد أن أصيبت بالمرض، تغير مجرى حياتها الزوجية وراحت أحلامها تتبخر يوما بعد يوم.

تواصل محدثتنا تروي معاناتها بحسرة: "دخلت المستشفى لمدة قاربت الشهرين، وخلال كل تلك الفترة لم يزرني زوجي ولا مرة واحدة في المستشفى! لقد أثر ذلك في نفسي وأصابني الإحباط".

توقفت نوال عن الكلام واحمرت عيناها البريئتين، حاولت السيطرة على نفسها إلا أن الدموع خذلتها وتساقطت على وجنتيها الحمراوتين وأردفت تقول بصوت متقطع: "كنت في المستشفى حينما بلغني خبر زواجه من امرأة ثانية".  

لدى مغادرتها المستشفى توجهت نوال نحو بيت والديها، وهناك فهمت المعنى الحقيقي للمسؤولية التي سبق وأن حمَلوها إياها. "شعرت بالضيق في بيت والدي، فالكل ينظر إليّ نظرة سلبية وكأن الذنب ذنبي وحدي، فقررت حزم أمتعتي وجئت إلى هذا المركز الذي قضيت فيه لحد الساعة 8 أشهر".

 

رغم انسحاب الزوج إلا أنها رفضت الاستسلام

 

قصة مماثلة لا تقل حزنا عن قصة سارة، جرت وقائعها في الجزائر العاصمة وكانت بطلتها والدة تدعى نسيمة. ومهما اختلفت القصتان عن بعضهما، إلا أن قاسمهما المشترك كان معاناة ومواجهة حياة قاسية في غياب تام للزوج.

لكن نسيمة بدت أكثر صمودا وتمسكا بخالقها، وروت لنا بحرقة كيف رفضت الاستسلام ولعب دور الفريسة وسط "مجتمع لا يرحم"، على حد وصفها، بعد أن وجدت نفسها مجبرة على مقاومة سرطان الثدي من جهة، وتربية ابنيها من جهة أخرى، في غياب تام لزوجها الذي جمعتها به الحياة تحت سقف واحد لمدة 27 سنة، قبل أن يرمي المنشفة ويتركها وابنيها يواجهون مصيرهم لوحدهم. 

قصة نسيمة مع المرض بدأت سنة 2010 عندما أصابها سرطان الثدي. "لا أخفي عليك أن زوجي وقف بجنبي وقفة رجال في تلك الأيام وهو ما ساعدني كثيرا على تخطي كبوتي. لقد كان يصطحبني إلى الطبيب ويتكفل بأمور المنزل ولم يتركني أشعر بالنقص تماما. لكن شاءت الأقدار أن أصابني الورم الخبيث مرة أخرى بعد 8 أشهر على مستوى الثدي الثاني. وكان ذلك بمثابة صدمة إليه. فبدأ رويدا رويدا يتنصل من مسؤولياته، وتغير مزاجه وأصبح عنيفا معنا. وذات يوم خرج من المنزل كعادته ولم يعد".

ست سنوات كاملة ذاقت فيها نسيمة المر والعذاب ولم تعرف طعم الراحة أبدا. فزوجها تركها من دون مال تعيل به ابنها وابنتها المراهقين.

"تقمصت في تلك الفترة دور الأب والأم في آن واحد. ورغم معاناتي مع المرض وحاجتي إلى المال لاقتناء الأدوية الباهظة الثمن إلا أنني لم أترك ابني وابنتي يشعران بالنقص، بل اجتهدت كي أوفر لهما جميع متطلباتهما وشجعتهما على مواصلة الدراسة، والحمد لله فازا بشهادة الباكالوريا وواصلا دراستهما العليا، وأنا اليوم أشعر بالفخر لما وصلا إليه".

لا تزال نسيمة لحد اليوم تضع خاتم زواجها على يدها اليسرى، وهو ما أثار فضولنا، فتفاجأنا بالرد أنها لا تزال زوجة له رغم الضرر الذي ألحقه بها. وبرباطة جأش وثقة في النفس أردفت نسيمة تقول: "هو لا يزال زوجي على الوثائق فقط".  

أما عن مصدر المال الذي مكنها وعائلتها من الصمود، فقد قالت المتحدثة: "الحمد لله، ساعدني أهلي ومعارفي وبعض الجمعيات الخيرية. وبالمناسبة أود أن أوجه نداء لجميع النساء اللواتي تخلى عنهن رجالهن أن لا يستسلمن".

 

رجال واقفون...

 

وعكس الأزواج الذين أداروا ظهورهم لنسائهم بسبب المرض وقرروا في وقت شدة تجديد حياتهم مع نساء أخريات، يوجد آخرون سجلوا مواقف رجولية ووقفوا وقفة الأشداء وحملوا على عاتقهم نسائهم اللواتي ألُم بهم المرض.  

ولعل أحد هؤلاء ذلك الزوج المنحدر من إحدى بلديات ولاية المسيلة، والذي بقي وفيا ومخلصا لشريكة حياته المصابة بسرطان الثدي، حيث نشر لها عبارة على صفحته بالفايسبوك قال فيها "سوى الموت من يفرقنا سأبقى بجنبك إلى آخر دقيقة".

 

كلمات دلالية: