في الصحيح، يقول المعصوم عليه الصلاة والسلام: “من أحبّ لقاء الله، أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله، كرِه الله لقاءه”، قالت أمنا عائشة رضي الله عنها: إنا لنكره الموت، قال: “ليس ذلك، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بُشِّر برضوان الله وكرامته، أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حضر بُشِّر بعذاب الله وعقوبته، فكره لقاء الله وكره الله لقاءه”.
اعلم رعاك الله أن الرضا بالله يورث الشوق العظيم إليه سبحانه، صعد سيد الخلق يوما المنبر فقال: “إن عبدا خيّره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عنده”، فبكى أبو بكر وقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا.
إن من ثمار الرضا أنه سبيل دخول الجنة، فقد خاطب صلّى الله عليه وسلم يوما النسوة فقال: “لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسبه إلا دخلت الجنة”، فقالت امرأة: أو اثنين يا رسول الله؟ قال: “أو اثنين”. ومن حمد ربه واسترجع عند المصيبة، بنى الله له بيتا في الجنة: “إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد”.
والرضا دليل على زيادة الإيمان وحسن الإسلام، وحبل متين للفوز بالجنة والنجاة من النار، ومظهر من مظاهر صلاح العبد وتقواه، وصاحبها موعود بالبشرى في الآخرة، وهي دليل حسن ظن العبد بربه، وطريق إلى الفوز برضوان الله تعالى، فالرضا يثمر رضا الرب عن عبده، فإن الله عز وجل شكور حميد، وإذا ألححت عليه وطلبته وتذللت إليه، أقبل عليك وقرّبك. كما أن الرضا يخلص من الهم والغم والحزن، وضيق الصدر ووحَرِهِ، ويوجب طمأنينة القلب وراحته، وبرده وسكونه وقراره، بعكس السخط الذي يؤدي إلى اضطراب القلب وقلقه وانزعاجه، فالرضا ينزل على قلب العبد سكينة لا تتنزل عليه بغيره، ولا أنفع له منها، ومتى ما نزلت على قلب العبد السكينة، استقام وصلحت أحواله وصلح باله: “من قرّت عينه بالله تعالى، قرّت به كل عين، ومن لم تقرّ عينه بالله، تقطّع قلبه على الدنيا حسرات”.
وإن من أعظم ثمار الرضا النعيم الروحي، والطمأنينة النفسية للراضي بربه، يقول سيد البرية: “ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا”. ونقاء الصحيفة من درن خطايا اللسان، وذلك بسلامة الكلام حتى على من مسك أذاه، وهو من جميل الرضا ومن الحكمة أيضا.
فحري بك، أيها الحبيب، أن تصبح وتمسي مردّدا: “رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلّى الله عليه وسلم نبيا”، تأمل أولى الحجى، وأرباب الهمم، وسادة السلوك، فإن آثار سيرهم على هذه الجادة الرسولية شهيرة، وإشاراتهم لمن خلفهم غزيرة، فلنكتف ببعض الإلماحات، ونحتسي شيئا من تلك الإشارات، علَّ ربنا يقدح بها في قلوبنا أزْنِدَةَ الاعتبار والادِّكار. قال لقمان لابنه: “أوصيك بخصال تقرّبك من الله وتباعدك من سخطه؛ أن تعبد الله لا تشرك به شيئا، وأن ترضى بقدر الله فيما أحببت وكرهت”. وقال الربيع بن أنس: “علامة الدين الإخلاص لله في السر والعلانية، وعلامة الشكر الرضا بقدر الله والتسليم لقضائه”. وقال داود لابنه سليمان عليهما السلام: “يا بني، إنما يستدل على تقوى الرجل بثلاثة أشياء: بحسن توكله على الله فيما نابه، وبحسن رضاه فيما آتاه،
وبحسن زهده فيما فاته”. وقال عبد العزيز بن أبي رواد رحمه الله: “ليس الشأن في أكل خبز الشعير والخل، ولا في لبس الصوف والشعر، ولكن الشأن في الرضا عن الله عز وجل”، وقال سهل بن عبد الله: “حظ العبيد من اليقين على قدر حظهم من الرضا، وحظهم من الرضا على قدر عيشهم مع الله”. وقيل للحسن بن علي رضي الله عنهما: إن أبا ذر رضي الله عنه يقول: الفقر أحبّ إليّ من الغنى، والسقم أحبّ إليّ من الصحة، فقال: “رحم الله أبا ذر، أما أنا فأقول: من اتكل على حسن اختيار الله له، لم يتمن أن يكون في غير الحالة التي اختار الله له، وهذا حد الوقوف على الرضا بما تصرف به القضاء”.. والله ولي التوفيق.
إمام مسجد عمر بن الخطاب - بن غازي - براقي