كشف جوانب من مفاوضات "اتفاق الجزائر" في مالي

+ -

كشف السفير السابق للجزائر بمالي، نور الدين عيادي، في جلسة عرض كتابه الجديد بدار القبية للنشر، مساء أمس، بسعيد حمدين بالعاصمة، عن بعض جوانب وكواليس إبرام اتفاق السلم والمصالحة الشهير، المنبثق عن مسار الجزائر في مالي، وأعاد الهدوء والسلم إلى البلد المثخن بدماء آلاف الضحايا، جراء العنف والنزاع المسلح بين حركات الأزواد في الشمال والقوت الحكومية، وأيضا نشاط المجموعات الإرهابية المسلحة.

وفي معرض مناقشة المؤلَّف الذي سيكون معروضا في رفوف الصالون الدولي للكتاب، المنتظر في شهر أكتوبر الجاري، ذكر الدبلوماسي أن: "الدبلوماسية الجزائرية حققت إنجازا كبيرا في الوساطة المذكورة بشهادة الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها"، مرجعا الأمر إلى: "العبقرية الجزائرية والقدرة على التكيف مع الوضعيات المعقدة والصعبة خلال المفاوضات بين قادة الحركات الأزوادية ونظرائهم من الحكومة المركزية".

وفي هذا الصدد، ذكر عيادي أنهم وقعوا في مطبات كثيرة هددت بإجهاض المفاوضات، كرفض المفاوضين أحيانا الجلوس في قاعة واحدة من شدة التباعد في وجهات النظر، والتوترات التي كانت قائمة ميدانيا.

ورغم ذلك، يتابع المتحدث: "واصلنا دون كلل محاولات إقناع الأطراف بالعدول عن مواقفهم وإبداء استعداد للحوار"، مستحضرا واقعة حدثت في فندق الأوراسي بالعاصمة، بين أطراف النزاع في أحد أيام شهر رمضان.. وسرد عيادي تفاصيلها قائلا: "رفض أطراف المفاوضات الجلوس وجها لوجه في قاعة واحدة، بسبب تصاعد حدة الصراع، قبل أن يقوم الجزائريون باقتراح فكرة الاجتماع حول مائدة الإفطار الجماعي، الأمر الذي لم يتجرأ أحد على معارضته، لما له من قيمة روحانية ومعنوية ورمزية".

كما عرج عيادي، خلال تفاعله مع أسئلة حول جدوى الاتفاق في ظل تجدد العنف، على الوثيقة التي ضمنت السلام لسنوات عديدة وحققت أهدافها، غير أنه تحدث عن: "قوى حاولت وتحاول إجهاض هذا المسار وكل جهود الوساطة، إلى جانب وجود متطرفين في الجيش المالي لا يرضيهم التوافق والسلام، ومنهم من وصل إلى السلطة".

وفي معرض حديثه عن تلك القوى، أفاد المتحدث بأن: "فرنسا لم تنسحب بشكل نهائي وإنما مؤقتا"، مستشهدا بتصريحات مسؤول عسكري فرنسي تحدث عن أنهم سيعودون.

ومن القوى التي انخرطت في المشهد المالي، روسيا عبر مقاتلي "فاغنر"، والصين بنشاطها الاقتصادي، وتركيا على الصعيد العسكري، علاوة على فرنسا برافدها الثقافي، بالإضافة إلى نظام المخزن الذي: "يعمل على زرع وإحداث الشرخ بين مالي والجزائر".

وتوقف الدبلوماسي عند هذه النقطة بالقول: "إن ثمة جهودا حثيثة وغير بريئة لتشكيل الرأي العام في مالي عبر صحافتها وشبكات إعلامية سياسية في فرنسا وغيرها، تعمل كلها حاليا على شيطنة الدور الجزائري"، نافيا أن يكون لهذا النشاط "تأثير على قناعات الشعب المالي تجاه الجزائر، والذي يدرك جيدا طبيعة وخلفيات هذا الدور منذ سنوات عديدة، انطلاقا من شواهد تاريخية ووقائع عديدة تثبت جدية وجدوى جهود الدبلوماسية الجزائرية في حلحلة الأزمة المالية، إلى جانب ما يفرضه التاريخ والجغرافيا من جيرة وأخوة".

كما قدم المتحدث في السياق، مثالا ودليلا عن طروحاته، باستحضار واقعة تتعلق بوسيلة إعلامية: "همها الوحيدة مهاجمة الجزائر دون أسباب واضحة"، مشيرا إلى أنه: "تحدث ذات يوم مع محرر تلك المضامين العدائية، وتبين أنه كان مأجورا ويوعز له من قبل جهة معادية للجزائر".

وناقش المتدخلون مآلات الصراع القائم وارتداداته على الشعب المالي، والمنطقة برمتها، من دون التطرق إلى العلاقة الحالية مع الحكومة الانتقالية التي يقودها ضباط بقيادة العقيد عاصيمي غويتا، بوصفها تندرج ضمن سياق سياسي حالي، وعملا بواجب التحفظ الذي يتقيد به الدبلوماسيون في التعليق على هكذا أحداث ومستجدات.

وخاض السفير السابق في دهاليز الدبلوماسية والخيارات العسكرية والأمنية في بلورة الحل أو تعطيله، وتقاطعات الدور الفرنسي والجزائري في مالي والمنطقة، والأهداف "المتباينة" لكل منهما في العشر سنوات الماضية، إضافة إلى الآثار التي خلفتها التدخلات العسكرية الأجنبية في هذا البلد الجريح.