38serv
ينتظر الكثير من الجزائريين دخول قرار رفع المنحة السياحية "بشكل معتبر جدا"، حيز التنفيذ، كإجراء من شأنه أن يضع حدا لتجارة العملة الصعبة غير القانونية، بعد أن شهد سعر صرف العملة الأوروبية الموحدة في "سكوار بور سعيد"، في الأيام الأخيرة، ارتفاعا جنونيا ببلوغه عتبة 26000 دينار مقابل 100 أورو.
وبين مرحّب بالقرار ومترقّب لقيمة المنحة المنتظر الإعلان عنها، جمعت "الخبر" آراء مختصين في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، بخصوص التأثيرات والقيمة المحتملة لهذه المنحة التي أقرها الرئيس عبد المجيد تبون، خلال اجتماع مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 6 أكتوبر الجاري.
وتأمل شريحة واسعة من الجزائريين في مراجعة قيمة المنحة السياحية، بشكل "يحفظ الكرامة"، علما أن الفارق كبير في هذا الجانب، مقارنة بما يتحصل عليه المواطن في دول الجوار مثل تونس، التي تضمن للمسافر منحة تفوق 6 آلاف دينار تونسي سنويا، أي ما يفوق 1700 أورو، وبالمقارنة كذلك مع ما تفرضه الدول المستقبلة للسياح، لاسيما الأوروبية، كفرنسا التي تلزم السائح بتأمين ما قيمته 120 أورو لليوم الواحد، في حال عدم تقديمه لحجز فندقي، وهو ما يفوق المنحة المقدمة حاليا للمسافر الجزائري والمقدرة بـ100 أورو في أحسن الأحوال، مقابل حوالي 15 ألف دينار.
.. بين 500 إلى 1000 أورو
واعتبر الخبير الاقتصادي والمالي، نبيل جمعة، أن قرار مجلس الوزراء "يعد استجابة لمطلب قديم ما انفك المواطن ينادي به، بحكم أن المنحة السياحية في الجزائر تعتبر الأضعف مقارنة بالجوار المغاربي، فهي لم تتجاوز في أحسن الظروف 100 أورو.. مبلغ لا يغطي تكاليف قضاء ليلة واحدة في فندق خارج البلاد".
وعن توقعاته بخصوص القيمة السياحية التي تفي بالغرض، قال جمعة إنها قد تتراوح ما بين 500 و1000 أورو، مقترحا "عدم تحديد قيمة واحدة لجميع من يطلب الحصول عليها، واتخاذ بدلا عن ذلك أجر أو راتب طالبها كمعيار لتحديدها"، وأضاف: "هذا الأمر من شأنه أن يحقق نوعا من العدالة في منحها، وضمان عدم اتخاذها وسيلة للبزنسة وتحقيق أرباح بطريقة أو بأخرى، فضلا عن أهمية تفادي احتمال استنزاف الخزينة العمومية".
كما أشار محدثنا إلى تأثير هذا القرار على نشاط تجارة العملة في السوق السوداء، من منطلق أنّ توفير قيمة معتبرة منها، عبر قناة رسمية تتمثل في البنوك، من شأنه أن يثني المواطن عن اللجوء إلى تجار "السكوار"، مبرزا أنه "من المعروف أنّ سعر الصرف في السوق الموازية، يرتبط بشكل وثيق بمعادلة العرض والطلب، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى انحسار الفجوة بين سعر الصرف الرسمي، من جهة، وسعره في السوق السوداء".
قيمة المنحة مرهونة باحتياطي الصرف
من جهته، يرى أستاذ الاقتصاد، البروفيسور سليمان ناصر، أن الطلب الكبير على العملة الصعبة في السوق الموازية، يستجيب لغرض السياحة في ظل ضعف المنحة الحالية، وبالتالي فإن رفعها سيخفف، حسبه، من الطلب في السوق السوداء، "ولكن هذا يتوقف على سقف الزيادة التي وصفها مجلس الوزراء بالمعتبرة".
وبرأي الخبير، فإن القيمة ستحدّد "وفق الحد الأدنى الذي يحفظ كرامة المواطن من جهة، ولا تضر باحتياطي الصرف للدولة من جهة أخرى، لأن مصدر العملة الصعبة هو البنوك وبسعر البنك، في ظل غياب مكاتب الصرف حاليا".
وأضاف البروفيسور سليمان ناصر: "زيادة على القيمة المالية للمنحة، فإن استقرار سوق العملة يتوقف أيضا على زمن دخول القرار حيز التنفيذ، وأغلب الظن أنه سيكون مع بداية السنة الجديدة 2025".
وبحسب الأستاذ ناصر: "تعد مراجعة وتنظيم عملية استيراد السيارات لأقل من 3 سنوات، عاملا أساسيا لتخفيف الطلب في السوق السوداء، لأن الأموال التي تستهلكها من العملة الصعبة بحجم معتبر مصدرها السوق الموازية".
كما يرى البروفيسور ناصر أن رفع المنحة المنتظر، "لن يقضي على مشكلة الأسعار في السوق السوداء، وإنما سيكبح جماحها إلى حد مقبول".
1500 "أورو.. هي أقل قيمة يمكن أن تحفظ كرامة الجزائريين"
من جهته، أشاد رئيس الفيدرالية الجزائرية للمستهلكين، زكي حريز، بقرار الرئيس رفع قيمة المنحة السياحية، معتبرا ذلك "خطوة مرحّب بها نظرا للمناشدات التي استمرت لسنوات طويلة، من أجل حفظ كرامة الجزائري، بتخصيص منحة محترمة تكفي لتسديد مستحقات السفر".
وقال الناشط الجمعوي حريز إن "الكثير من الجزائريين فضّلوا التخلي عن المنحة السياحية، لأنها لا تفي بالحاجة، في وقت يكلّف قضاء ليلة واحدة في فندق بالخارج 80 أورو"، مشيرا إلى أن قيمة المنحة السياحية، "ينبغي ألا تقل عن 1500 أورو"، مقترحا رفعها إلى ثلاثة آلاف أورو.
كما يقترح حريز "عدم جعل القيمة موحدّة، بل ينبغي صرفها على حسب دخل الفرد لتحقيق العدالة الاجتماعية ومراعاة الفروقات بين طالبيها، مع اتخاذ إجراءات تسمح بتجنب ظاهرة البزنسة بالمنحة"، داعيا إلى "إرفاق الإجراء المرتقب بانفتاح أكبر في معالجة طلبات التأشيرة للسياح الأجانب، وفي أسعار النقل الجوي، وجميع الأنشطة التي من شأنها إدخال أكبر قدر ممكن من العملة الصعبة للبلاد، وهو ما سيسمح بإحداث توازن في السوق، ويجنّب إلحاق ضرر بالخزينة العمومية، التي هي المصدر الوحيد حاليا لمنحة السياحة".