"معركة طوفان الأقصى هي معركة كان لا بد منها"

+ -

قدم رئيس الدائرة السياسية لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" بالخارج، الدكتور سامي أبو زهري، رؤية الحركة وتقييمها لمسار عام من الحرب الصهيونية على غزة، ما الذي تم إنجازه منذ السابع أكتوبر 2023 تاريخ إطلاق عملية طوفان الأقصى وما الذي تغير على الأرض وكيف أثر على مسار ومستقبل القضية الفلسطينية؟

القيادي في حركة "حماس" تحدث في هذا الحوار مع "الخبر" عن جرائم الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة واغتيال رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، وسلبية المجتمع الدولي وسيطرة الولايات المتحدة على القرار الدولي، كما تحدث عن المفاوضات مع الاحتلال وموقفهم من وقف إطلاق النار وكذا عن قدرتهم على مواصلة الحرب، إلى جانب مواضيع أخرى مرتبطة بطوفان الأقصى.

 

إذا عدنا إلى السابع أكتوبر، هل كانت الحركة والمقاومة تتخذ قرار طوفان الأقصى بعد كل ما عاشه القطاع؟

معركة طوفان الأقصى هي معركة كان لا بد منها لاعتبارات أساسية، كان في ذروتها أن الاحتلال الصهيوني طال أمده ولا بد أن نفرض على العالم وضع هذه القضية على الطاولة. من حيث التوقيت القضية جاءت في مرحلة باتت تعاني من النسيان وأصبح الكثير من الحكام إما يطبعون أو يعلنون رغبتهم في التطبيع على حساب القضية الفلسطينية، في ظل جرائم غير مسبوقة، سواء ما يتعلق بتهويد القدس أو حصار غزة أو تصعيد الاستيطان في الضفة المحتلة، إلى جانب الاعتقالات الواسعة.

إذن، كنا بحاجة إلى أن نقوم بهذه المعركة لنهز الضمير العالمي ونزلزل كيان هذا الاحتلال ونعيد القضية الفلسطينية إلى الواجهة. حاولنا أن نفعل ذلك أكثر من مرة من خلال معارك واقفة جرت عدة مرات في وقت سابق، لكن هذا لم يفلح وفي كل مرة كانت تنتهي هذه المعارك بالتهدئة بين الطرفين وتعود الأمور إلى أسوأ مما كانت عليه، لذلك كنا بحاجة إلى هذه المعركة وإلى هذه الأهداف.

نحن شعب يقع تحت الاحتلال فمن الطبيعي أن يقاوم ومن الطبيعي أن يواجه ومن الطبيعي أن نكون جاهزين لدفع الأثمان. وما من شعب قاد طريق الحرية إلا ودفع أثمانا باهظة من أجل هذه الحرية، والاحتلال ذاته دفع أثمانا من أجل احتلال أرضنا، فمن باب أولى أن ندفع مثل هذه الأثمان من أجل تحرير واستعادة أرضنا والمقدسات.

إذا كان الإخوة الجزائريون دفعوا ملايين الشهداء من أجل تحرير وطنهم فمن باب أولى أن نكون جاهزين لأن ندفع كل الأثمان من أجل تحرير فلسطين بما تعنيه من مقدسات، إلى جانب كونها وطنا لنا كفلسطينيين.

وإذا عدنا إلى التجربة الجزائرية، الإخوة الجزائريون خاضوا نفس المشوار، ولو فكروا في اللحظة الأولى لاندلاع الثورة الجزائرية في ضخامة الأثمان التي سيدفعها الشعب الجزائري لما خاضوا مشوار الثورة ولما كنا نجلس الآن في هذا المكان ولما كان الشعب الجزائري ينعم بهذه الحرية والأمن والاستقرار.

إذن، كانت الأثمان والتضحيات الكبيرة ثمنا ندفعه من أجل حياة كريمة لأهلنا ولمن هم بعدنا. معركة طوفان الأقصى معركة على الطريق ولن يهدأ لنا بال حتى تحرير أقصانا. إذا كان الاحتلال يظن أنه بهذا القتل والإجرام سيدفع المقاومة إلى عدم تكرار ما حدث وعدم الاستمرار فيما حدث فهو واهم، نحن أصحاب حق وأصحاب قضية وسنستمر في ذلك.

 

إذا أردنا أن نقيم الأهداف التي من أجلها أطلقت عملية طوفان الأقصى، ما الذي تحقق إلى غاية اليوم وما تداعياتها على الأرض؟

تداعيات معركة طوفان الأقصى هي أعظم بكثير من المنتظر. صحيح قدمنا أثمانا باهظة من قادتنا وأبناء شعبنا الفلسطيني ومن الممتلكات وحجم المعاناة الواسع، لكن تداعيات هذه المعركة تتجاوز الزمان والمكان، تداعيات المعركة ليست قاصرة على غزة ولا على صعيد القضية الفلسطينية وإنما على الصعيد الإقليمي. على صعيد القضية الفلسطينية هذه المعركة أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة، فرضت على العالم أن يضعها في سلم الأولويات، لذلك لا حديث اليوم في المجتمع الدولي إلا عن فلسطين وضرورة إيجاد حل جذري للقضية الفلسطينية، لأن استمرار عدم حل القضية الفلسطينية هو السبب في استمرار التوتر الموجود في المنطقة.

كذلك هذه المعركة ساهمت في تهشيم صورة الاحتلال كقوة وصورة الجيش الذي لا يقهر. فهو هشم صورته في الغرب حين قدم نفسه أنه هو الضحية وأنه هو الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، لكن العالم بات ينظر إلى المحتل على أنه مجموعة من الوحوش القتلة بما فيه المجتمعات الغربية.

أيضا على صعيد الأمة أسهمت القضية في إعادة استنهاض الأمة وإعادة حيويتها إلى جانب القضية الفلسطينية. وعلى صعيد العالم، أعادت التفاعل الغربي الشعبي إلى جانب القضية الفلسطينية وكأن فلسطين احتلت أمس.

أما على صعيد المجتمع الدولي هناك اصطفافات جديدة عنوانها فلسطين، وهناك دول باتت تعلن اصطفافها خلف فلسطين بشكل واضح وجازم في مواجهة هذا العدوان والإجرام الإسرائيلي، وهذا سيسهم في إعادة رسم المشهد الدولي على وقع صمود غزة.

إلى جانب ذلك لأول مرة يجلب الاحتلال الصهيوني إلى العدالة الدولية ويصنف على أنه يرتكب جرائم حرب وجرائم إبادة في قطاع غزة ويطلب قادته للمرة الأولى منذ نشأة احتلاله إلى العدالة الدولية وإلى محكمة الجنايات الدولية. إذن، تداعيات هذه المعركة كبيرة جدا وأعتقد أنه ما لم يكن هناك حل جذري للقضية الفلسطينية العالم كله سيدفع أثمان استمرار العدوان على الشعب الفلسطيني.

 

إلى أي حد ساهمت عملية طوفان الأقصى في إحباط أو وقف قطار التطبيع في الدول العربية؟

قبل المعركة كنا على وشك أن يغرق معظم الدول العربية في التطبيع، وإذا وقعت الدول العربية فيعني أن الدول الإسلامية هي الأخرى لا خيار أمامها إلا التطبيع، وجاءت هذه المعركة لقطع الطريق ولم نعد نسمع عن التطبيع على الأقل من أطراف جديدة.

هذه المعركة مفتوحة، هذا لا يعني أن قطاع التطبيع قد توقف، ودورنا كيف نحرج المطبعين ونضغط على أي طرف يحاول التفكير في التطبيع. هذا دورنا كفلسطينيين ودورنا كأمة.

 

بخصوص الموقف العربي والإسلامي، هل كان هذا السقف المنخفض، مقارنة مع طبيعة المواجهة وكلفتها، منتظرا ومتوقعا؟ أم كنتم تتوقعون سقفا أعلى؟

الموقف العربي الرسمي فيه تفاوت، لكن بشكل عام الموقف العربي ضعيف ولا ينسجم مع ضخامة الجريمة الإسرائيلية وحجم المعاناة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة.

وعلى صعيد شعوب الأمة، الحراك لم يكن بالمستوى المطلوب. هناك نعم مساهمات مالية أو إعلامية ولكن المشاركة بشكل عام على مستوى الشعوب مازالت دون المستوى المطلوب، بعد عام كامل من المعركة نحن بحاجة إلى استنهاض الدور الرسمي والشعبي في كل ساحات الأمة.

 

تلقت الحركة ضربات كبيرة خاصة بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية، ما مدى تأثير وصول قيادات جديدة على رأس الحركة على أدائهان خاصة في مثل هذه الظروف؟

الاحتلال يعتقد أن سياسة الاغتيالات تسهم في إضعاف الحركة أو كسرها، لكن هذا غير صحيح، ومع ألمنا الشديد لفقدان أي قائد في الحرب، خاصة إذا كان رئيس الحركة، فإن حركة "حماس"هي حركة كبيرة وقوية، ليست حركة شخص بل هي فكرة ومشروع ومؤسسة يصنع القرار فيها من خلال مؤسسات راسخة، وبالتالي غياب أي قيادي في الحركة، مع أنه فراق، لا ينعكس سلبا على صنع القرار في الحركة. وقد سبق لنا أن فقدنا كل القادة المؤسسين، الشيخ أحمد ياسين ومن تلاه من الإخوة، ولم يكن هناك أي انعكاس سلبي على قوة الحركة وتماسكها.

والحركة بعد فقدان الشيخ ياسين دفعت الاحتلال، تحت تأثير المقاومة، للانسحاب من غزة وخاضت الانتخابات وفازت فيها، وفي نفس السياق من الطبيعي حينما يغيب شخص بوزن الأستاذ إسماعيل هنية، رغم ما يمكن أن يتسبب فيه هذا الفراق إلا أن "حماس" بحكم أنها حركة مؤسسية يسهل عليها تعبئة هذا الفراغ وبسهولة ودون أي إشكال، وأكثر من ذلك هذه الاغتيالات تخلق حافزا وتحديا لدى كل قيادات وأبناء الحركة.

 

بعد عام من الحرب يتحدث الاحتلال الصهيوني عن تمكنه من إلحاق الأذى وأضرار كبيرة بقدرات المقاومة. كيف تردون على مزاعم الاحتلال؟

الاحتلال الصهيوني ينشر ادعاءات عن تفكيك كتائب القسام والمجموعات القتالية، وهذا الكلام فارغ ولا علاقة له بالواقع. نتنياهو (رئيس حكومة الاحتلال) منذ الشهر الثالث من المعركة وهو يردد أنه قضى على كل الكتائب الموجودة في الشمال، نسمع ذات العبارة وفي نفس الوقت نسمع ما يكذبها في الميدان، لذلك اليوم بعد عام كامل مازالت "حماس" موجودة وما زالت كتاب القسّام موجودة بقيادتها ومقاتليها وبأنفاقها وبعملياتها البطولية، وفي كل يوم نحن نراقب اشتباكات وقتلى وإصابات في صفوف الاحتلال.

في الأسبوعين الأخيرين نرى أن الاحتلال انسحب تحت ضغط المقاومة من جميع أحياء مدينة غزة أي قطاع غزة، واستقر في المحاور، محور فيلادلفيا ومحور نتساريم لأنه لا يستطيع أن يستمر في هذا الاستنزاف وتقديم هذه الأثمان، ورغم ذلك يحاول المقاتلون أن يقوموا بهجمات مبادرة إلى هذه المحاور وإيقاع المزيد من القتلى في صفوف الاحتلال، خاصة في مدينة رفح. وأنتم تتابعون الإعلانات المتكررة والمستمرة لكتائب القسام حول هذه العمليات، لذلك أستطيع أن أقول إن خفة الاشتباكات في الآونة الأخيرة سببها انسحابات الاحتلال البرية من غزة، وهذه الانسحابات لا تدفع الإخوة للركون بل هم يبادرون بالقتال وانتقلوا من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم. هم يهاجمون قواعد الاحتلال وخطوط إمداده، ما يدفع الاحتلال لتعويض ذلك بالهجمات الجوية المكثفة على المدنيين.

 

الاحتلال يستهدف المدنيين من خلال الحصار والتجويع وقصف المستشفيات وأماكن اللجوء، إلى أي حد يمكن أن يؤثر ذلك على المقاومة وعلى ثباتها على الأرض في ظل هذه الاستراتيجية التي تربد أن تحدث شرخا بين المقاومة والحاضنة الشعبية؟

الاحتلال الصهيوني فشل في مواجهة المقاومة الفلسطينية ويحاول أن يعوض هذا الفشل باستهداف الحاضنة الشعبية وتوسيع حالة القتل والتدمير والإجرام والنزوح التي يتعرض لها أهلنا داخل القطاع. الاحتلال يحاول أن يضغط علينا من خلال ذلك، لكن شعبنا رغم كل المعاناة الشديدة التي لا توصف يعكس حالة من الصمود الكبير وإرادة كبيرة في احتضان المقاومة الفلسطينية، والصبر على ما يجري لعام كامل يعكس حالة الصمود وعدم الانكسار.

 

يعني، دكتور، الاحتلال فشل في رهان تقسيم الصف الفلسطيني والتفريق بين المقاومة والحاضنة الشعبية؟

هي مواجهة مفتوحة، الاحتلال يحاول أن ينجح من خلال كسر إرادة شعبنا ودفعه للتخلي عن المقاومة، لكن خلال عام كامل فشل الاحتلال في تحقيق ذلك وشعبنا كان ولا يزال يحتضن المقاومة الفلسطينية، وهذا يجعلنا نقول اليوم إن 7 أكتوبر 2024 هو بذات المعنى الانتصار الموجود في سنة 2023، لأنه إذا كان السابع أكتوبر2023  زلزل أركان هذا الاحتلال ورسم صورة لا يمكن مسحها في هذا المحتل وأذهان داعميه فإن السابع أكتوبر 2024 أصبح علامة على هزيمة هذا الاحتلال وفشله في تحقيق أهدافه، لأن الأهداف الثلاثة التي رفعها الاحتلال، وهي شطب "حماس" واستعادة الأسرى أحياء وإعادة المستوطنين الذين نزحوا تحت ضربات المقاومة، هذا كله لم يتحقق منه شيء خلال عام كامل، وهذا ما يجعل هذا اليوم علامة مميزة وشاهدا على الهزيمة والفشل اللذين يتعرض لهما الاحتلال.

 

من بين الملفات التي يركز عليها الاحتلال ملف منظمة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، لماذا كل هذا التحرش بالمنظمة ومحاولة تفكيكها؟

وجود الوكالة الدولية "الأونروا" هو ذا دلالة سياسية لأن هذه المنظمة أسست بقرار دولي للإشراف على شؤون اللاجئين الفلسطينيين، وإنشاؤها يعني أن هناك قضية مرتبطة باللاجئين الفلسطينيين، وهذه الوكالة مستمرة في وجودها وعملها إلى حين حل قضية اللاجئين الفلسطينيين، ولذلك استمرار عمل الوكالة هو استمرار للاعتراف الدولي بوجود هذه القضية السياسية المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين.

 

ـ تعترض المفاوضات عقبات، وكل مرة يقدم الاحتلال الإسرائيلي مقترحات جديدة تعيد الأمور إلى المربع الأول. هل نحن نعيش اليوم مفاوضات من أجل المفاوضات؟ ومن المستفيد من وراء تعطيل وإطالة عمر المفاوضات؟

بشكل واضح نحن في حركة "حماس" معنيون بالتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار ووقف هذا العدوان وهذا القتل والإجرام، وتعاملنا بإيجابية ومرونة كبيرة مع كل العروض التي قدمت للحركة، بما فيها الورقة الإسرائيلية التي قدمت عبر الوسطاء في 27 ماي وأيضا خطاب بايدن وكذا قرار مجلس الأمن الدولي، ورغم ذلك الاحتلال رفض التجاوب مع هذه العروض وحتى ورقته التي قدمها وقبلتها الحركة مع بعض الملاحظات الطفيفة عاد ووضع شروطا إضافية على الورقة وملخص الدلالة في ذلك أن الاحتلال غير معني في الوقت الحالي بالتوصل إلى اتفاق.

 

لماذا هو غير معني بالتوصل إلى اتفاق في الوقت الحالي؟

نحن في "حماس" دورنا أن نستمر في الصمود والمواجهة، وفي نفس الوقت لن ندير الظهر لأي جهود تمكننا من وقف العدوان. ومطالبنا الأساسية هي وقف العدوان بشكل كامل والانسحاب الكامل من غزة وإبرام صفقة تبادل جادة بين الطرفين. الاحتلال لا يريد ذلك ويريد الاستمرار في الحرب، الهدف الإسرائيلي من ذلك هو إنقاذ شخصية نتنياهو من الوقوف أمام المحاكم الإسرائيلية لمسؤوليته عن الإخفاق في السابع أكتوبر وأيضا إنقاذ حكومته من الانهيار في ظل أن أطرافا رئيسية فيها تهدد بالاستقالة في حال موافقته على أي اتفاق، وأيضا المجتمع الإسرائيلي بمجموعه يعتبر هذه الحرب وجودية، لذلك بعض الأطراف الصهيونية تقف خلف استمرار الحرب، وتعتبر أن توقف القتال عند هذه النقطة يعني انتصار المقاومة وهزيمة الاحتلال.

 

بخصوص المفاوضات، ما حقيقة تنازل الحركة عن الأسرى من أصحاب المحكوميات الطويلة، نتحدث عن مروان البرغوثي وأحمد سعدات مثلا، ما هو ردكم؟

التفاصيل المتعلقة بملف الأسرى لم تفتح حتى الآن بين الطرفين عبر الوسطاء، لكن من الطبيعي أن نطالب بالإفراج عن أكبر قدر ممكن من المؤبدات الموجودة في سجون الاحتلال الصهيوني وهذا سيخضع للتفاوض بين الطرفين، لكن كما أشرت الأمور جامدة، فموقف الاحتلال الصهيوني مستمر في محاولات كسر الحركة وشطبها، هذا طبعا استمرار في الوهم، والنتائج ستكون عكسية.

 

كيف تتابعون في "حماس" التطورات التي تشهدها جبهة الشمال؟ وما أهميتها بالنسبة للحرب على غزة؟

منذ بداية الحرب كان هناك جبهات إسناد خاصة في لبنان واليمن، إلى جانب بعض المساهمات من العراق، وهذا أسهم إسهاما كبيرا في إسناد المقاومة في غزة وتشتيت القوة العسكرية بين هذه الجبهات، ومن الجانب المعنوي هي رسالة إلى المقاومة وأهلنا في غزة أنهم ليسوا وحدهم، الأمر تطور في ظل استمرار الحرب لنحو عام في غزة والتصعيد الواسع بين الاحتلال وحزب الله، والأمور مرشحة في نظرنا إلى المزيد من المواجهة ومزيد من التصعيد، وقد تتسع مساحات الاشتباك إلى ما هو أكبر من الساحات الموجودة حاليا.

الرسالة الأساسية التي يجب أن يدركها الجميع هي العودة إلى الهدوء ووقف الحرب على غزة وانسحاب الاحتلال انسحابا كاملا وتمكين أهل غزة من الحياة الكريمة والبدء في متابعة حق الفلسطينيين في حل سياسي ينهي هذا الاحتلال، وما لم يحدث ذلك واستمرت المعركة في غزة فهذا يعني أن مستوى ومساحة التصعيد ستتوسع يوما تلو الآخر خارج فلسطين.

 

نلاحظ غياب إرادة دولية حقيقية لمنع توسع النزاع، وكانت هناك رغبة لإغراق المنطقة في النزاعات، لأنه تابعنا كيف كان الموقف الدولي في غزة ونفس السيناريو اليوم يتكرر في لبنان؟

المواقف الدولية عموما تعتمد على حصر الصراع في غزة وعدم السماح له بالخروج منها، لذلك الشيء الذي يؤذي هذه الأطراف هو انتقال الصراع إلى لبنان أو إلى اليمن أو إلى غيرها من الساحات، وهو ما يتعارض مع السياسة الغربية التي تحاول الاستفراد بغزة وإعطاء الاحتلال الفرصة لتصفية المقاومة بها.

هذه الدول ليس لها مشكلة في استمرار الحرب في غزة لتحقيق الأهداف الإسرائيلية، بشطب المقاومة الفلسطينية بشكل نهائي، لكن اليوم المعادلة اختلفت من خلال هذه السخونة التي بدأت تنتقل إلى الساحات المجاورة وقد تتصاعد الأمور، لذلك الأطراف الدولية تلهث كلها لمحاولة التوصل إلى اتفاق في لبنان يعيد الأمور إلى الهدوء ويوقف جبهة إسناد غزة وعودة الصورة إلى وضعها الذي يريدونه والاستفراد بغزة، وهذا لا يمكن أن يحدث ما لم يتسم الموقف الغربي بالجدية لوقف العدوان الإسرائيلي والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، الأمور ستذهب إلى تصعيد غير مسبوق.

وإلى جانب ذلك علينا أن نشير إلى أنه ليس هناك إرادة غربية قادرة على الضغط على الاحتلال وفرض القناعات الغربية عليه. الاحتلال الإسرائيلي يفعل ما يريد وهذه الأطرف الغربية تجامل هذا الاحتلال وتلبي رغباته، وهي من ستدفع ثمن هذا السلوك المنحاز انحيازا أعمى.

 

 

الاحتلال تحدث عن تحقيق انتصارات في الساعات الأولى من العدوان على لبنان هل يمكن، بحكم معرفتكم الجيدة بقدرات الاحتلال، أن يحقق في لبنان النصر الذي فشل في تحقيقه بغزة؟

طريقة تعبير الإعلام الصهيوني عن حقيقة ما يجري في الميدان هو تعبير سخيف ولا ينطلي على أحد، أي انتصار؟ هل انتهى دور حزب الله؟ هل استسلم حزب الله؟ هل تم ردعه؟ حزب الله يقاتل ويقوم بالرد وضرب عمق الأراضي المحتلة، الآن هو يضرب تل أبيب، فأي انتصار يتحدث عنه نتنياهو؟ إذا قام ببعض الإنجازات الموضوعية، مثل تفجير أجهزة الاتصالات وعدد من الاغتيالات في صفوف المقاتلين بحزب الله، هذا صحيح لكنه لا يعني هزيمة حزب الله وانتصار الاحتلال، فهو بذاته يدفع أثمانا في المقابل، ليس بالضرورة تكون الأثمان أرواحا فهو يدفع الأثمان من خلال حالة النزوح الواسعة في المدن الفلسطينية المحتلة، خاصة في الشمال والوسط، ويدفع الثمن من خلال انهيار الاقتصاد الإسرائيلي ومن خلال أيضا حالة الرعب التي تصيب كل المواطنين، فأكثر من نصف الإسرائيليين ينزلون إلى الملاجئ خلال إطلاق الصواريخ من حزب الله والمقاومة الفلسطينية، والسياحة شلت والطيران متوقف والانقسام الإسرائيلي على أشده، فأي انتصار يتحدث عنه نتنياهو؟ كلها ادعاءات للاستهلاك الإعلامي لأن الواقع يكذبها.

 

تحدثتم عن رغبة غربية في عدم توسع نطاق الحرب خارج غزة، كيف تقيمون تعاطي الأمم المتحدة ومجلس الأمن مع الحرب على غزة؟

مجلس الأمن أصبح بين أيدي الأمريكيين الذين يفرضون رأيهم، وفي أي مشروع قرار منصف للفلسطينيين يقومون باستخدام حق "الفيتو" لصالح المحتل الصهيوني، وبالتالي مجلس الأمن أصبح مؤسسة أمريكية ليس أكثر، وكفلسطينيين لا يمكن أن نعوّل على دور هذا المجلس.

اليوم المنظمات الدولية أمام اختبار حقيقي في ظل استمرار جرائم الإبادة على مرأى الجميع دون أن يتحرك أحد لوقفها، تابعنا حين وقع الصراع الروسي الأوكراني كيف تحرك الجميع ووفروا السلاح للأوكرانيين ووصفوا ما يجري في أوكرانيا بالمقاومة، بينما اليوم العكس تماما هو الذي يحدث. بايدن- الرئيس الأمريكي- ورؤساء أوروبا أعطوا تفويضا لنتنياهو من اليوم الأول لشن هذه الحرب وفتحوا مستودعات الأسلحة وقدموا مليارات الدولارات وجمعوا المرتزقة من كل دول العالم وأرسلوهم للقتال في فلسطين المحتلة، إضافة إلى شرعية الحرب التي منحوها لهذا الاحتلال ووصفوا ما تقوم به "حماس" والمقاومة بالإرهاب. هم حاولوا الضغط في الكثير من الساحات لمنع اصطفاف شعوب الأمة إلى جانب المقاومة الفلسطينية.

هناك ازدواجية في المعايير وهناك اصطفاف عدواني ضد الشعب الفلسطيني إلى جانب الاحتلال الصهيوني، وهذا يستوجب على الأمة استنهاض دورها، لأنه في ظل التحالف الغربي لتصفية القضية الفلسطينية وشطب غزة والمقاومة يفترض أن يكون هناك تحالف عربي إسلامي مكافئ للتحالف الغربي ويسعى للضغط عليه لوقف هذا العنوان.

 

نرى أن الولايات المتحدة تقف وراء الكيان، سواء في مجلس الأمن أو من خلال دعمه بالسلاح والدفاع عن سرديته، هل يمكن اليوم القول إن "حماس" تواجه في حقيقة الأمر الولايات المتحدة؟

الحرب الجارية في غزة هي حرب عالمية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، لأن الاحتلال الإسرائيلي هو صنيعة غربية، صنعته الدول الغربية وأمريكا لحماية مصالحها في المنطقة وليكون كيانا متقدما يسهم في إضعاف المنطقة وإخضاعها للإملاءات الغربية، لذلك حينما وقعت معركة السابع أكتوبر منذ اليوم الأول أرسلت أمريكا حاملات الطائرات إلى المنطقة وفعلت الدول الأوروبية نفس الشيء، بل بعضهم أرسلوا المقاتلين واحتشدوا بقبرص استعدادا للقتال المباشر، بل شاركت الإدارة الأمريكية في بعض المحطات داخل غزة مثل عملية استعادة بعض الجنود الإسرائيليين، حيث شاركت قوات أمريكية في هذه العملية.

لذلك، في ظل هذا الدعم العسكري والإعلامي والمالي والسياسي، طبيعي أننا نخوض حربا عالمية تقودها أمريكا ومع أطراف غربية، على غرار بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، وهذا ما يجعلنا أمام معركة معقدة وكبيرة وقاسية. لو كنا نقود معركة فقط ضد الاحتلال الصهيوني لكانت الأمور أسهل بكثير ولاضطر الاحتلال ذاته للمبادرة بطلب التهدئة كما كان يجري في كل مرة، لكن نحن نقتل على يد الاحتلال ولكن بأطنان من القنابل الأمريكية.

 

بالحديث عن المواقف، كيف تقيمون الموقف الجزائري من الحرب على غزة؟

الموقف الجزائري، سواء الشعبي أو الرسمي، هو مقدر بالنسبة لنا كفلسطينيين في حركة "حماس"، والجزائر على الدوام كانت تقف إلى جانب الفلسطينيين، وفي هذه المعركة كان هناك احتضان للموقف السياسي الفلسطيني وحمايته في المؤسسات الدولية، خاصة في مجلس الأمن، ومن خلال الاتصالات الدبلوماسية التي يجريها السيد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، أحيانا بنفسه، ومن خلال الخارجية الجزائرية، إلى جانب المساعدات الإغاثية واستقدام عدد من الجرحى وبعض العائلات التي خرجت من غزة وأعداد من الطلبة، هذا أمر مقدر ويعكس عمق القضية الفلسطينية في الضمير الجزائري.

 

 بعد عام من الحرب، هل تملك "حماس" والمقاومة الفلسطينية النفس والقدرة والإمكانيات المادية لمواصلة هذه الحرب؟

نحن في حركة "حماس" جاهزون للتعامل مع كل الخيارات، إن أراد الاحتلال وقف العدوان فسنذهب إلى اتفاق يضمن ذلك، لكن نحن نريد اتفاقا يوقف العدوان وقفا حقيقيا ويؤدي إلى انسحاب كامل من جميع أطراف قطاع غزة ويضمن إبرام صفقة تبادل جادة بالمعايير التي نريدها، لكن إذا استمر الاحتلال في رفض ذلك نحن جاهزون للصمود والبسالة. أنا أستطيع أن أؤكد أن مصطلح الاستسلام ورفع الراية البيضاء ليس موجودا في قاموس "حماس"، لدينا القدرة وطول النفس لأن نستمر، وحينما نقول إننا نريد أن نذهب إلى اتفاق فهذا يعني أننا نريد أن ننهي معاناة شعبنا المستمرة، لكن هذا لا يعني أننا ضعفاء ولا يعني أنه يمكن كسرنا أو دفعنا للاستسلام.

كلمات دلالية: