قبل سنة من الزمن، بدأ جيش الاحتلال الصهيوني شن عدوان مدمر على قطاع غزة وحرب إبادة جماعية على أهله، أفرط خلالها نتنياهو، رئيس حكومة الاحتلال المتطرفة، في الانتقام والقتل والتدمير، سعيا لإعادة ترميم صورة الكيان الصهيوني التي تشوهت خلال عهدته، خاصة بعدما فضحت عملية طوفان الأقصى يوم السابع من أكتوبر الماضي خرافة الحصن الصهيوني المنيع، ثم انفضح عار جيشه في غزة التي لم يحقق بها أيا من أهدافه، ولم يجني سوى المزيد من العار والانتكاسات.
شن الاحتلال الإسرائيلي في الثامن أكتوبر 2023 حربا مدمرة على قطاع غزة، ومارس على مدى عام كامل أعمال إبادة جماعية وارتكب آلاف المجازر، وخلف العدوان الإسرائيلي أكثر من 41 ألف شهيد، منهم نحو 17 ألف طفل وأكثر من 11 ألف امرأة، فضلا عن أكثر من 96 ألف مصاب و10 آلاف مفقود، حيث ارتكب الاحتلال خلال العام الماضي أكثر من 4650 مجزرة بحق المدنيين الذين تم استهداف معظمهم داخل منازلهم أو في مراكز الإيواء، أثناء حملة تهجير قسرية، أرغم عليها مليونا إنسان، بنسبة بلغت 90 بالمائة من المجموع الكلي لسكان القطاع. كما اعتقلت سلطات الاحتلال 5 آلاف أسير من القطاع، ووضعتهم تحت ظروف قهرية بدنية ونفسية قاسية، ومارست عليهم شتى أنواع التعذيب والتنكيل، وواجه بعضهم عمليات اغتصاب وتحرش جنسي.
ولم يسلم العاملون في المنظمات الدولية والإنسانية من نيران الاحتلال التي قتلت نحو 200 موظف، كما هاجم قوافل الإغاثة ودمّر العديد منها، وقتل ما لا يقل عن 172 صحفيا، كان استهداف العديد منهم مباشرا ومتعمدا، كما خرّب البنية التحتية لمعظم المؤسسات الإعلامية لمنع تغطية الانتهاكات وجرائم الحرب التي يرتكبها.
وبدأ العدوان الصهيوني في أعقاب هجوم نوعي شنته المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر 2023 التي نفذت عملية عسكرية واسعة ضد الاحتلال، أطلقت عليها معركة "طوفان الأقصى"، وشملت إطلاق آلاف الصواريخ والقذائف باتجاه مواقع إسرائيلية، وتنفيذ عمليات تسلل جوية وبرية وبحرية، واقتحام مستوطنات ومراكز عسكرية في غلاف غزة، كما أسفرت عن قتلى وجرحى وأسرى إسرائيليين بيد المقاومة.
وفي اليوم نفسه، أعلنت إسرائيل حالة حرب، وتعهدت بالقضاء على حكم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وتقويض قوتها العسكرية في القطاع واستعادة الرهائن الإسرائيليين، وأطلق جيش الاحتلال عملية عسكرية انتقامية ضد القطاع سماها عملية "السيوف الحديدية"، وشن الجيش الإسرائيلي غارات جوية واسعة استهدفت المنازل والمستشفيات والمدارس، ما أدى إلى سقوط مئات الشهداء وآلاف الجرحى، وسط مشاهد من دمار هائل في المباني والمرافق الحيوية، كما فرض في التاسع من الشهر ذاته، حصارا شاملا على قطاع غزة، وأغلق كافة المعابر وقطع إمدادات الكهرباء والمياه والغذاء والطاقة عن القطاع، وخلال أيام أمر بإخلاء شمال القطاع، تأهبا لقصفه.
وفي 27 من الشهر نفسه، بدأت إسرائيل هجوما بريا واسعا على شمال القطاع، واستمرت العمليات فيه تحت غطاء ناري مكثف نحو 3 أشهر، نفّذ الاحتلال خلالها هجمات عنيفة، طالت مناطق واسعة وأهدافا مدنية في محافظتي الشمال وغزة.
وساهمت الحرب البرية في رفع خسائر الجيش الإسرائيلي، وكان من أشد عمليات المقاومة، قتل 21 جنديا إسرائيليا في عملية نفذتها المقاومة في 22 جانفي الماضي، وعلى الرغم من التحذيرات الدولية، نفذت إسرائيل اجتياحا بريا في مدينة رفح جنوبي القطاع، في السادس من ماي، وأصدر الجيش أمرا بإخلاء المدينة، ما أجبر النازحين على الانتقال مرة أخرى، في حين هاجم الجيش مناطق مختلفة من المدينة، واستولى على المنطقة الحدودية مع مصر، ودارت اشتباكات عنيفة بين الفصائل الفلسطينية وقوات الاحتلال التي توغلت في مخيم جباليا، وسط قصف عنيف متواصل على مناطق سكنية مكتظة في المخيم، وفي أثناء ذلك، استمرت عمليات عنيفة لجيش الاحتلال شرقي مدينة رفح.
وإلى جانب ذلك، صعد الاحتلال وتيرة الاغتيالات في صفوف قادة المقاومة، فقد اغتال رئيس المكتب السياسي السابق لحماس إسماعيل هنية في 31 جويلية في إيران، وكان قد اغتال نائبه صالح العاروري في جانفي من العام نفسه في لبنان، بينما استمرت المقاومة المسلحة في القطاع في عملياتها النوعية فنصبت كمائن وأطلقت صواريخ على مواقع إسرائيلية، مما أوقع خسائر في المعدات والأرواح، حيث قتل ما مجموعه 715 جنديا إسرائيليا، منهم 346 منذ بدء العمليات البرية في غزة، وجرح 4473 جنديا، منهم 2290 منذ بدء الاجتياح البري، وفق المعطيات المعترف بها من طرف الاحتلال، التي تظل بعيدة عن الحقيقة حسب تقارير المقاومة.
واستخدم الاحتلال التجويع سلاحا في الحرب على غزة، فقد سارعت السلطات الإسرائيلية منذ بداية الحرب إلى فرض حصار شامل على القطاع، بهدف الضغط على المقاومة لإطلاق سراح الرهائن، فأغلقت جميع المعابر ومنعت دخول المساعدات الإنسانية والطبية، كما عمدت إلى تدمير المصادر الحيوية المحلية للغذاء كالزراعة والصيد، وتسببت ممارسات الاحتلال في أزمة إنسانية حادة، وتراجع الأمن الغذائي في القطاع، وصنفته منظمة الصحة العالمية منذ الأشهر الأولى من الحرب ضمن الترتيب الأسوأ، فقد وصفت حوالي 50 بالمائة من السكان بواقع 1.17 مليون إنسان، بأنهم يعيشون في وضع طارئ من حيث الأمن الغذائي، بينما وصفت ربع السكان أي ما يقدر بأكثر من 500 ألف إنسان، بأنهم في وضع كارثي، وكلا الفئتين تعاني، وفق المنظمة العالمية، من جوع شديد ونقص حاد في الغذاء.