مساهمة: حكم المحكمة الأوروبية يدين المغرب ويحرج أوروبا

+ -

الحكم التاريخي الذي صدر عن الغرفة العليا في محكمة العدل الأوروبية يضع حدا نهائيا لتلاعبات المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي، الذي حاول مرارا التهرب من تطبيق أحكام المحكمة العامة الأوروبية التي قضت في سبعة أحكام سابقة إلغاء جملة من الاتفاقيات الموقّعة من قبل الاتحاد الأوروبي والمغرب، خصت بالخصوص المنتجات الفلاحية والصيد البحري والمجال الجوي الصحراوي، أو بعبارة أخرى خصت أرض وبحر وجو الصحراء الغربية.

الآن، قرار الغرفة العليا في المحكمة، قرار نهائي وغير قابل للطعن فيه، وبالتالي ستجد المفوضية نفسها محرجة لو عمدت إلى انتهاكه من جديد مثلما فعلت مع الأحكام الابتدائية السابقة، ورغم ذلك لا أتوقّع أن تخضع المفوضية والمجلس لهذا القرار، لكنها بالتأكيد لم تعد تملك أي عذر أو حجّة بعده.

غير أن المهم في الموضوع ليس هو صدور هذا الحكم أو ذاك، المهم في الأمر هو المغزى منه، وما يعنيه فعلا على المستويات القانونية والسياسية فيما يتعلق برؤية الاتحاد الأوروبي، عبر عدالته وقوانينه نفسها، للقضية الصحراوية ولأطراف النزاع، وبالتالي بتحليل بسيط وجد سطحي لقرارات المحكمة الأوروبية وقرارها النهائي الحالي يمكن استخلاص جملة من الاستنتاجات:

أولا، بهذا القرار تقول المحكمة لجميع الدول الأوروبية بدون استثناء، وللمغرب والمنتظم الدولي عموما، أن الصحراء الغربية ليست أرضا مغربية، وأن المغرب لا يمتلك أي سيادة عليها ولا يحق له أن يبرم أي اتفاقيات تتعلق بترابها أو بحرها أو جوها ما دام لا يملك السيادة.

 

هذا الاستنتاج الأول يدفعنا للتساؤل عن ماهية وطبيعة التواجد المغربي في الصحراء الغربية إذا كانت المحكمة لا تعترف له بالسيادة؟ الجواب بسيط، وهو كما تقول المحكمة اعتمادا على الجمعية العامة الأممية وقرارها رقم 34-37 الصادر سنة 1979، أن التواجد المغربي في الصحراء الغربية هو احتلال عسكري بكل وضوح. إذا المغرب هو مجرد قوة احتلال غير شرعية للصحراء الغربية.

الاستنتاج الثالث الناتج عن الاستنتاجين الأولين، هو السؤال: إذا كان المغرب لا يملك السيادة على الصحراء الغربية ومواردها ولا يستطيع إبرام صفقات تجارية بشأنها مع أوروبا وغيرها، فمن هو مالك السيادة إذا؟ وتجيب المحكمة أن الشعب الصحراوي هو المالك الوحيد للسيادة، وهو الوحيد القادر على منح أي طرف ثالث حرية استغلال ثروات بلاده، لأن هذا الاستغلال لا يمكن أن يتم بدون قبول الشعب الصحراوي، كما قالت المحكمة، وهذا الشعب لم يستشر في قرار الاتحاد الأوروبي والمغرب إبرام اتفاقياتهم لنهب ثرواته.

لكن هنا أيضا لا تترك المحكمة الموضوع دون تخصيص، حيث تشير إلى أنه معلوم أن استشارة الشعب الصحراوي لا بد أن تتم بطريقة قانونية ومعقولة، وأنها بالتالي يمكن أن تتم عن طريق ممثله الشرعي، جبهة البوليساريو، الذي اعترفت المحكمة الأوروبية بأنه طرف ثالث في القضية المطروحة عليها، وبأن له كل الأهلية القانونية لتمثيل الشعب الصحراوي ولرفع الدعاوى القضائية ضد الاتحاد الأوروبي أمامها، مذكّرة أنه طرف معتبر من قبل الأمم المتحدة التي تراه ممثلا للشعب الصحراوي.

هذه إذن أهم الاستنتاجات القانونية، الآن يمكن أيضا أن نتناول بالتحليل استنتاجات سياسية يمكن استخلاصها من هذا الحكم التاريخي:

أولاها أن هذا الحكم يتنافى تماما مع مواقف عدد من الدول الأوروبية التي سارعت في الأشهر القليلة السابقة إلى التعبير عن دعمها للمغامرة الاستعمارية المغربية في الصحراء الغربية. الحكم يقول بوضوح سياسي إن قضية الصحراء الغربية قضية تصفية استعمار، ما تزال مطروحة على أنظار الجمعية العامة الأممية، وأن المغرب الذي تدعمه فرنسا وإسرائيل وغيرهما في هذه المغامرة ظالم ومعتد ومحتل غير شرعي للصحراء الغربية، وبالتالي أن هذه الدول لا تعدو كونها دولا تدعم الاستعمار والاحتلال، بالضبط كما تفعل في القضية الفلسطينية.

الحكم ينفي جملة وتفصيلا كل الادعاءات والبهلوانيات المغربية الأخيرة التي يروّج لها المخزن من حيث أنه أنهى النزاع، وأن ملف الصحراء الغربية ملف منتهي ومطوي، وأن له السيادة. فلو كانت له السيادة أو أن الملف منتهي حقا لما كانت هناك حاجة للمحكمة ولما قضت هذه المحكمة بما قضت به اليوم، وبالتالي فصدور الحكم في حد ذاته نسف لكل هذه الدعايات المغربية.

الحكم يعترف أيضا سياسيا بجبهة البوليساريو كطرف أساسي في أي قضية تخص شعب الصحراء الغربية وترابها وثرواتها. وهذا أيضا ينسف محاولات المغرب إظهار الجبهة وكأنها عنصر هامشي في النزاع. أبدا، الحكم أكد أن الجبهة طرف أصيل في النزاع، وأنه الممثل الشرعي للشعب الصحراوي، والمخاطب الثاني في القضية، المؤهل قانونيا وسياسيا لتمثيل هذا الشعب.

وفي الأخير، بالتأكيد أن أهم نتائج هذا الحكم التاريخي هو أنه أوضح بما لا شك فيك، أن للجبهة الآن يد طولى في مقاضاة أي طرف ثالث خاصة أوروبي يحاول إبرام صفقات مشبوهة مع المغرب حول الصحراء الغربية، ويضع المغرب في موقع لا يحسد عليه كدولة احتلال مغتصبة للأرض، ناهبة لثروات أهلها، ومتمردة على الشرعية الدولية، كما يضع الدول الأوروبية أمام مسؤولياتها، حيث أن عليها الآن أن تواجه محكمتها هي نفسها وقوانينها التي أقرتها شعوبها.

* نائب الممثل الدائم للجمهورية الصحراوية لدى الاتحاد الافريقي