تظل الجزائر مستعصية. صعبة المنال ومستحيلة الفهم. حتى وهي تسبح في نعيم،لا تقدر على الاستجمام. تخاف الراحة، وتخشى القعود. أكلها الشك. أفرغ عودها اليقين بعدم اليقين في مبادئ كانت من المسلمات. كانت شعارات الأمس القريب، تقف على عمود، يقرأها القاسي والقريب. شعارات عن المساواة، وعن الرجل المناسب.. الجزائر ما تزال فعلا بلدا عميقا بقدراته في رفع التحديات. ما ينقصها هو الحكم القادر على توجيه وترشيد كل تلك الإمكانيات والقدرات الكامنة والنائمة وسط المجتمع. لقد جاءنا الدرس من التجربة التونسية، حيث تؤكد تلك التجربة، بالأرقام والأدلة، على أن التوازن الذي يبنى على تفاعل بين الذكاء وبين الإرادة والقدرة على الاقتراح، يؤدي بالضرورة إلى نتائج إيجابية، مهما عظم تكالب قوى التفتيت والتشتيت. ومهما ازدادت مظاهر تدخل قوى خارجية لتحويل المسار إلى كابوس عربي آخر، للتدليل به على أن العرب خلقوا ليكونوا عبيدا. ولا تفرق النظريات العنصرية بين عربي أو كردي وبين أمازيغي.. سنّي أو شيعي ولا عربي مسيحي. نحن في نظر تلك النظريات والسياسات صنف وجب القضاء عليه، بمختلف أنواع المبيدات الممكنة.
عندما تصمم النخب الحاكمة الحكم بمنطق القوة أو التزوير فهي تضع نفسها مسبقا في خدمة قوى أجنبية، تقايض قبول وجودها دوليا بمستوى معين من الخضوع والتبعية. وهنا تكمن أهمية التجربة التونسية، التي تؤكد بالدليل، إمكانية تنظيم نظام سياسي وفق توافق حقيقي داخليا، مما يضعها في عيون الأنظمة العربية كنموذج خطير يهدد أركان الحكم بالفساد، باقتراح حكم تقوم أركانه على مكافحة الفساد ودخول تونس عهدا جديدا لا يعني خروجا من منطقة الخطر. فهي ستظل التجربة المستهدفة. لم تكن الجزائر لتعيش هستيريا مافيا المال المتغلغل في السياسة، لولا ضعف السلطة وتهاون السلطة وتواطؤ من قبل السلطة. نحن أمام موعد انتخابي جديد. في دول أخرى، كان سيكون عيدا وعرسا للمجتمع. لكنه في حالة الجزائر، يكاد يتحول إلى مأتم، لما يحمله من ملامح خوف وتشرد للعيون على وجوه الناس. فليس مقدّرا علينا أن نظل ننتج انتخابات مزورة. وليس مقدّرا أن يظل رد الفعل هو المقاطعة. فالأخيرة لم تعد سلاحا للمقاطعين، ولا وسيلة ناجعة للمعارضة. ليس محكوما عليّ مساندة فريق على آخر. ليس مقدّرا عليّ مباركة موقف سعداني ضد الفريق توفيق، أو العكس. أو لأقول بأن وزير العدل السابق محمد شرفي تأخّر في فضح محاولة سعداني عندما قايضه بمنصبه مقابل إنقاذ شكيب خليل من المتابعة القضائية، ما يشغل البال هو متى تخرج الجزائر من قبضة الصراعات الخفية والتوازنات الغريبة؟ فماذا سنجني من المقاطعة؟ سنفتح الطريق السريع أمام تمديد عمر الانزلاق. فهناك قوى لا تريد الاستفادة من التجربة التونسية، من حيث منهجية صناعة توافق داخلي. وتفضل استعمال “الخوف”، مركّزة على نماذج فاشلة مفجرة. نحن أمام فرصة انتقال تاريخية لو أن الانتخابات تسبقها منافسة مفتوحة تمكّن الشعب ليختار بحرية بين المترشحين.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات