وسائط التواصل الاجتماعي تثير فتنة بين الأزواج

+ -

 ارتبط عدد كبير من قضايا الطلاق والنزاعات الزوجية بوسائط التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة.

وتعتبر أساليب التجسس المبتكرة من طرف الزوجين وقود أغلب المشاكل بين الطرفين، كلاهما يسعى لمعرفة أدق تفاصيل تحركات الآخر، سواء من الرقابة في العمل إلى البحث في فايسيوك، أنستغرام، واتساب، وهذا انطلاقا من شك مرضي أو عادة يتقنها خاصة الجنس اللطيف.

تشتكي كثير من النساء من أزواجهن الذين يقضون معظم وقتهم على فايسبوك وغيرها من وسائط التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي يتخلون فيه عن واجباتهم الزوجية والاجتماعية.

تقول عينة من النساء اللواتي تحدثن لـ ''الخبر''، بأن الفضول والحذر أبرز الأسباب التي تدفعهن للبحث في أسرار الزوج، خاصة إذا كانت تصرفاته مثيرة للشك والريبة، في حين رفضت بعضهن فكرة التجسس على الزوج بحجة أن الصراحة والثقة بين الطرفين تمثل ''عربون'' العلاقة الزوجية، واستمرارها.

"إيمان.ع"، واحدة من الزوجات اللواتي أدمن على التجسس على أزواجهن، منذ خمس سنوات، فهي تفتش جيوب قمصانه وسراويله وجميع أغراضه خلسة، بمجرد عودته إلى المنزل آخر النهار.

تقول إيمان، الماكثة في البيت، وأم لطفلين ''لا أنكر أنني ظللت أتجسس على زوجي، وهو إطار بمؤسسة عمومية لمدة خمس سنوات، وذلك من خلال تفتيش جميع أغراضه، إلى جانب الاطلاع على ما يستقبله يوميا من مكالمات ورسائل قصيرة عبر الهاتف النقال وصفحته على فايسبوك''.

سألنا محدثتنا إن كانت قد وجدت ضالتها من خلال هذا السلوك، فابتسمت قبل أن ترد ''أصارحكم القول أنني لم أعثر على أي شيء، وكثيرا ما يؤنبني ضميري حيال هذا التصرف. ومع ذلك سأواصل رحلة البحث عن السبب الذي يجعل زوجي يمنعني من الاقتراب من هاتفه النقال، ويبتعد عن المكان الذي أكون فيه بجانبه كلما رن الهاتف، وكلما واجهته بهذا الأمر، يصرخ في وجهي مبررا ذلك بأنه من خصوصياته التي يحرم أقرب الناس إليه الاطلاع عليها".

''أتجسس على زوجي قبل وقوع الفأس بالرأس''، بهذه العبارة استهلت المعلمة ''رانية.هـ'' حديثها معنا، قائلة ''رغم حسن سيرة وسلوك زوجي، إلا أن ذلك لم يمنعني من التجسس عليه، ومراقبة علاقته مع أصدقائه في الفضاء الأزرق، وهذا الأمر لا يشعرني بالذنب، ما دمت أضمن لنفسي حياة زوجية هادئة، وبلا مشاكل''.

سألنا رانية عن ردة فعل زوجها في حالة ما إذا اكتشف أمرها، فردت ضاحكة ''لست غبية، لأن العملية تتم في وقت محدد ومناسب، وبعيدا عن أعين زوجي الذي لا أترك له فرصة للشعور بأنني أتجسس عليه''.

يختلف أمر السيدة "نوال. ب" عن سابقتها لأن التجسس على زوجها أتى بثماره، حينما اكتشفت رسالة غرامية وصور لعشيقته على أنستغرام.

تروي نوال، وهي صاحبة محل للحلاقة ببن عكنون في العاصمة، كيف وضعت نهاية لحياتها الزوجية بعد عام فقط من بدايتها عندما اكتشفت خيانة زوجها.

وتروي حكايتها فتقول ''انفصلت عن زوجي بعد سنة فقط من الزواج، لم تراودني فكرة التجسس عليه إلا عندما انتابني الشك نحوه، كان ذلك عندما اكتشفت رسالة غرامية على أنستغرام بمناسبة نهاية السنة الميلادية، حينها تحول شكي إلى يقين، وتمسكت بطلب الطلاق رغم رفضه لهذا القرار، ولكننا سرعان ما انفصلنا أمام محكمة عبان رمضان في العاصمة''.

تنفست نوال بعمق قبل أن تستطرد ''لا أخفي عليكم أنني كنت أتجسس على الرسائل القصيرة التي كانت تصل طليقي ليلا، وكان مضمونها باللغة الفرنسية، لا يتجاوز عبارة ''قضاء ليلة سعيدة''.

ورغم اكتشاف الرسالة الغرامية والصور، كذبت نفسي، وطلبت من شقيقي مراقبة تحركاته خارج البيت للتأكد من الأمر، وهنا كانت صدمتي شديدة، فقد كان طليقي يسهر مع إحدى عشيقاته بملهى ليلي غرب العاصمة''.  

اقتربنا من عينة من الرجال المتزوجين لنرصد تفاعلاتهم حيال تجسس زوجاتهم، فتباينت آراؤهم بين من التمس عذرا للزوجة ''الشكاكة'' الخائفة على عشها الزوجي، وبين رافض تماما لأي نبش في خصوصياته.

لا يجد محمد، 45 سنة، في تجسس زوجته وبحثها المستمر بين أغراضه الخاصة أي حرج، ما دامت تجتهد في القيام بواجباتها الزوجية على أكمل وجه، وتحرص على ممارسة ''مهنتها النسائية'' بامتياز، بعيدا عن عينيه.

ويضيف محمد، وهو طبيب اختصاصي في طب العيون، ''كثيرا ما أجد زوجتي تفتش بين أغراضي الخاصة، أو تطلب هاتفي النقال بحجة إجراء مكالمة لترصد سجل مكالماتي اليومية، وصفحتي على فايسبوك لكني أغض الطرف على سلوكها هذا، بل أستمتع به وأشعر بحب زوجتي، لأن ما تقوم به عادة نسائية مشروعة تنم عن حب كبير وخوف من فقداني، خاصة وأنني على علاقة مباشرة بالجنس اللطيف في مجال عملي، والخيانة الزوجية أخذت مساحة واسعة في البيوت الجزائرية''.

وإذا كان محمد لا يجد أي حرج في تجسس زوجته المستمر على خصوصياته، يرفض منير، 36 سنة، صاحب محل لبيع الملابس النسائية، أي تدخل في خصوصياته من أي طرف، حتى لو كان هذا الطرف هو شريكة حياته.

فما كدنا نطرح عليه السؤال، حتى انتفض وكأننا وضعنا أصبعنا على الجرح ''خصوصياتي هي خط أحمر بالنسبة إلي، ولا يحق لأي أحد الاقتراب منها حتى ولو كانت زوجتي، حتى أن الأمور بيننا كادت تصل إلى الطلاق في بداية زواجنا، لأن زوجتي حاصرتني بشكوكها، واستفسارها عن كل صغيرة وكبيرة تخصني، وعاملتني مثل طفل ملزم بتقديم تقرير عن يومياته لأمه، وكثيرا ما كانت تفاجئني بزيارتها المفاجئة للمحل، لتضبطني مع إحداهن".

ويواصل "لكنني وضعت النقاط على الحروف، وأفهمتها أنني اخترتها من دون النساء اللواتي مررن في حياتي لأبدأ معها صفحة جديدة في كتاب العمر، وبيدها وحدها كتابة الاستمرار لعلاقة تحكمها الثقة المتبادلة أو الانفصال''.

وإذا كان كل من محمد ومنير قد اعترفا بتجسس زوجتيهما، وتفاعل كل منهما بطريقته مع الوضع، فالمشكل غير مطروح أصلا بالنسبة إلى إلياس، 40 سنة، متزوج وأب لطفلة.

يقول المتحدث ''ارتبطت بزوجتي عن حب كبير، ودامت خطبتنا لسنوات كانت كافية لنتآلف ونكون زوجا حقيقيا، فزوجتي لا تجد حرجا في استقبالي لمكالمات من الجنس اللطيف لدواعي العمل، لأنها تعرف تفاصيل يومياتي، ولا تتفاجأ إذا صادفتني أكلم امرأة في الشارع، وتسلمني كل ما تجده في جيبي عند تنظيف الملابس دون لمسها، لأن شعار علاقتنا الثقة والحب والصراحة".

بينما يقول آخر أن ثقته المفرطة والعمياء بزوجته جعلته لا يبالي بأمر التجسس عليها، لكنه لم ينف إعلان الحرب عليها في حالة ما إذا شم رائحة خيانتها له، ليضيف مبتسما ''عندما أتصل بزوجتي لا أسألها عن حالها، بل عن مكان تواجدها...  أظن أن أي رجل يغار على زوجته''.   

 

"التجسس يهدم العلاقة الزوجية"

 

سوسيولوجيا، يرى البروفيسور في علم الاجتماع، أبوبكر جيملي، أنه لا مجال للحديث عن التجسس بين الزوج والزوجة، "لأنه من المفروض لا يوجد لدى كل واحد منهما أسرار يخفيها عن الآخر".

وبهذه الطريقة، يضيف البروفيسور، يعيش الطرفان في راحة تامة، ويكون منسوب الثقة مرتفع جدا، وينعكس ذلك على قوة الرابط الاجتماعي بينهما، لكن مع توسع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أصبح من الصعب التستر.

ومهما أخفى أحدهما عن الآخر من أمور سيأتي اليوم الذي يطلع عليها، وقد تكون لها انعكاسات سلبية على العلاقة بينهما، تتناسب طردا مع خطورة المعطيات التي تم التستر عليها.