+ -

أطلق رواد مواقع التواصل الاجتماعي، في الجزائر، عبر مختلف الصفحات، هاشتاغ بعنوان "لا تجعلوا من الحمقى مشاهير"، تنديدا بالمحتويات التافهة للمؤثرين العرب الذين يتابعهم الملايين، خاصة وأن هذه الأخيرة باتت تمس بقيم وأخلاق المجتمع.

وأرفق هاشتاغ "لا تجعلوا من الحمقى مشاهير"، بصورة تظهر عددا من المؤثرين وصناع المحتوى المعروفين، ومن بين هؤلاء المؤثرة الجزائرية نوال بريطانيا، كارولين، الديجي رفيق، المؤثر المغربي المعروف بمولينكس، وغيرهم من الأسماء البارزة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفيما يتعلق بهذه المبادرة، غرد أحد الناشطين عبر صفحته على "الفايسبوك"، قائلا "من المؤسف أن نرى في مجتمعنا الحالي توجها متزايدا نحو الترويج للسفهاء وجعلهم مشاهير عبر منصات التواصل الاجتماعي وغيرها هو عمل غير مسؤول، وله آثار سلبية كبيرة على المجتمع وعلى مستقبل الأطفال والأجيال القادمة... تشجيع مثل هذه التصرفات يساهم في تدهور القيم الثقافية والاجتماعية.

وعنونت صفحة أخرى على نفس الصورة "عندما يمنح السفهاء أو الأشخاص الذين لا يقدمون سوى التفاهة مساحة كبيرة من الشهرة، فإن ذلك يشوه مفهوم النجاح والإبداع. بدلا من الاحتفاء بالمعرفة والفكر والمواهب الحقيقية، نجد أن الشهرة أصبحت تمنح للأفعال الغريبة أو السلوك غير المقبول أو التافه".

 وأضافت "التأثير على الأجيال الشابة قد يكون كارثيا. الشباب والأطفال الذين يتأثرون بشكل كبير بما يشاهدونه على الإنترنت، قد يرون في هذه الشخصيات قدوة لهم، ويحاولون تقليد تصرفاتهم، مما يؤدي إلى انتشار سلوكيات تافهة وغير مسؤولة أو غير أخلاقية.... يجب أن نتحمل مسؤولية المحتوى الذي نستهلكه وننشره، بدلا من إعطاء الاهتمام للأشخاص الذين يسعون للشهرة بأي وسيلة".

كما علقت صفحة أخرى على الهاشتاغ "لأول مرة ومنذ أن فتحنا هذه الصفحة منشور ثقافي حول شخصية جزائرية يصل إلى أكثر من 19 ألف تفاعل وأكثر من 3500 مشاركة .. شيء جميل يدعو للفخر ويعطي أملا لشعب يؤمن بتغيير الذهنيات، حيث تحب الأغلبية أن تتفاعل مع التفاهة والتافهين وتهجر الأشياء التي تفيد العقل بالمعلومات والثقافة أو الدين أو محتوى هادف والأفكار.

يذكر أن هذه الصفحات دعت إلى ضرورة مقاطعة كلية لمحتوى عدد من المؤثرين، لكي لا ينتشر المضمون الرديء في مواقع التواصل، على اعتبار، حسبهم، أن "المشاهدين والمتابعين هم من يحققون شهرة هؤلاء من خلال رفع عدد المشاهدات على صفحاتهم".

  

"الملل سبب إقبال الجزائريين على تفاهات السوشال ميديا"

 

ويرى المختص الاجتماعي نور الدين بكيس، في تصريح لـ "الخبر"، أن انتشار التفاهة على شبكات التواصل الاجتماعي وإقبال الكثير من الجزائريين بأعداد كبيرة جدا على استهلاك هذا النوع من المواد يعتبر طبيعيا جدا، لأن حياة الجزائريين فيها الكثير من الملل ولا تحمل رهانات حقيقية، خاصة وأنه لا يوجد في الجزائر رهانات تجعل الكثيرين يلتفون حول مشروع مجتمع يمكن أن يتحدثوا عنه.

وبالتالي، يضيف، فإن الجزائريين وكأنهم مجموعة من الأفراد مبعثرين كل يبحث عن تحقيق مصلحته الشخصية دون الالتزام بشيء جماعي. والأخطر من ذلك أنه حتى التوقيت الإجباري في أماكن العمل والدراسة لا توجد فيه جدية، وبالتالي هناك وقت فراغ كبير يدفع الكثير منا إلى محاولة الهروب من الواقع لأنهم يشعرون بالملل.

وتابع: "وفي وقت الفراغ يبحث الجميع عن مواد لا تجعلهم يفكرون، وإنما يبحثون عن الترفيه والتسلية ويتبادلونها وكأنهم يعلنون بأنهم في حاجة إلى حياة جدية"

وأضاف "أن هذه الحالة غير طبيعية لأنه في حالة لو سألنا الكثيرين عن سبب تعلقهم بهذه المحتويات يخبروننا أنهم يريدون الهروب من التفكير في الأمور الجدية ولا يريدون الاهتمام بالسياسة أو المجتمع المدني، ولا غيرها من المواضيع على أساس أنهم ضحايا ويعانون من حالة الفراغ وعدم وجود رهانات حقيقية، خاصة وأننا مجتمع شبابي "أكثر من مليون شاب أقل من أربع وعشرين سنة".  

"وجميعهم يتمتعون اليوم بحسابات في شبكات التواصل الاجتماعي، وبالتالي، فإن إقبالهم كبير على هذه المواقع، بالإضافة إلى نسبة البطالين المرتفعة الذين يبحثون عن تمضية أوقات الفراغ والتسلية. لذلك اليوم نحن في حاجة إلى حياة جادة لا نجدها اليوم في المجتمع الجزائري".

وأوضح بكيس أن غالبية من يهتم بالمناشير والفيديوهات التافهة يعلنون صراحة أنهم يعلمون بأنها تافهة، وبأنهم اختاروا هذه الوضعية وهذا النوع من تبادل المحتويات لأنهم يشعرون بالعجز وبنوع من القهر وأنهم غير قادرين على تغيير واقعهم.

كما أشار إلى أن الكثير من الجزائريين يهربون من مشاهدة الفيديوهات التي تحدثت عن غزة، بعدما استشعروا أنهم عاجزين وتعبوا من رؤية مشاهد الدمار ومشاهد الجرحى والقتلى والدماء والضحايا.

هذا الوضع من العجز خلق البيئة التافهة والقابلية لاستهلاك مثل هذه المواد، لذلك فبكل بساطة نجد إقبالا جنونيا على متابعة كرة القدم في الجزائر بشكل غير طبيعي، الأمر الذي يؤكد ظاهرة الفراغ الذي يعاني منه الجزائري عموما.

وجاءت شبكات التواصل الاجتماعي لتحقق لهم ذلك، وتنقذهم نسبيا وتوفر لهم على الأقل حالة من الهروب المؤقت من المواقع المزعج.