يوافق يوم انطلاق طوفان الأقصى المبارك في 07 أكتوبر 2023م يوم 22 ربيع الأول 1445هـ، أي أن يوم الخميس 26 سبتمبر 2024 الذي يوافق 22 ربيع الأول 1446هـ هذا العام هو الذكرى السنوية الأولى بالتأريخ الهجري لانفجار طوفان الأقصى المبارك في وجه الصهاينة والأمريكان ومن ولاهم من أوربيين وعربان، وهي ذكرى لها عبر، وأيّ عبر؟.
إن موازين الأرض في تقويم الصراعات كانت متفقة على أن معركة طوفان الأقصى لا يمكنها أن تستمر طويلا، لكون جيش الصهاينة بني لمواجهة الحروب الخاطفة التي تنتهي في أيام كحروبه في الأيام الخوالي مع جيوش الدول العربية (الجبارة)، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لكون المقاومة الإسلامية لا يمكنها الصمود طويلا أمام جيش يدعمه الحلف الأطلسي ويشارك معه الجيش الأمريكي بتسليحه وضباطه ومخابراته، وهي وحيدة لا معين ولا نصير، وليس لها مورد سلاح إلا ما تصنعه محليا، بيد أن ما حدث كان معجزة بحق!، فقد صمدت المقاومة صمودا أسطوريا، ولا تزال تكبد الصهاينة الخسائر إلى يوم الناس هذا، كما صمد شعب غزة الأعزل صمودا أسطوريا بعد الأطنان التي لا تعد ولا تحصى من قنابل وصواريخ أمريكا والغرب والناتو التي صبها عليهم جيش الإرهاب والإجرام، وبعد حرب التجويع الشرسة التي فرضها عليهم الكيان الصهيوني وأمريكا والغرب والدول العربية العميلة مع عجز الأمتين العربية والإسلامية المخزي المهين!.
نعم إن صمود غزة ومقاومتها معجزة بكل المقاييس!، والنظر إلى ما حدث فيها هذه السنة بموازين الأرض وقوانين علوم الاستراتيجيا والحروب والسياسة والاقتصاد والنفس يجعل العقول تحار ولا تستوعب ما حصل ويحصل، فبحسب قواعد ونظريات هذه العلوم وبالنظر للمعطيات الواقعية يستحيل أن تصمد غزة، بله أن تنتصر مقاومتها على جيش العدوان الإجرامي!، إذ أن مساحة غزة محدودة جدا لا تتجاوز 360 كلم²، وهي محاصرة من طرف الكيان الصهيوني ومصر منذ 2006م، ويقطنها قرابة مليونان نسمة، فهي من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، ومواردها محدودة، وتعرضت لحروب مدمرة عدة مرات، وها قد صارت عنوان الصمود، وتفسيرا واقعيا لقول الله تعالى: {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين}.
نعم إن غزة معجزة؛ لأنها البلد العربي الوحيد الذي يصنع سلاحه!، أليس إعجازا أن تكون هذه البقعة الضيقة من أرض الله، المحاصرة منذ سنين، النزرة الموارد هي المنطقة العربية الوحيدة التي تصنع قاذفاتها المتطورة التي تدمر الميركافاه (دبابة صهيونية متطورة تصنف بين أحسن الدبابات عالميا)، وتصنع صواريخ تقصف بها تل الربيع (يسميها الصهاينة تل أبيب)، وقد كانت النماذج الأولى لهاته الصواريخ مدعاة لسخرية الإعلام العربي المطبع، وكذا المشايخ المتصهينين!، بل وتصنع مسيرات منوعة وطائرات حربية صغيرة، في الوقت الذي تستورد فيه الدول العربية الإبرة من الصين!، فهل يأتي اليوم الذي تصدر فيه كتائب القسام مسيراتها للدول العربية العظمى؟!، فها هي غزة معجزة باهرة في أمة عاجزة صاغرة!.
نعم إن غزة معجزة، لا يمكن تفسير ما حدث ويحدث فيها إلا بتدخل العناية الربانية، التي ربطت على قلوب المجاهدين وأيدتهم، وربطت على قلوب الغزيين فصبرتهم، فقد تخلى عن غزة وأهلها القريب قبل البعيد، وتآمر عليها من يفترض فيه أنه المعين والنصير، وتكالبت عليها وحوش الصهاينة، ووحوش الغرب والناتو، وضباع العربان المطبعين، وخذلتها الشعوب العربية والإسلامية ودولها إلا قليلا قليلا، ولا تزال صامدة مقاومة، ولسان حالها يردد: {ولما رَءَا المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما}.
إن غزة معجزة؛ لأن المفترض أن الأمة هي التي تدعم غزة وتقويها وتحييها وتسندها وتحررها، لكن الذي حصل هو العكس، فالأمة العربية والإسلامية أصابها خمول عام، وعمها تشاؤم ثقيل خاصة بعد انتصار الثورات المضادة للربيع العربي المظلوم التي حولت كثير من الدول العربية إلى خراب، وردتها إلى قاع الخنوع للاستبداد وأنظمة الفساد، فتخلت عن غزة كما تخلت عن العزة، وهرولت كثير من دولها إلى التطبيع، وكانت السعودية قاب قوسين أو أدنى منه، فجاء طوفان الأقصى المبارك ليهدم أوكار التطبيع على رؤوس الخائنين، ويهدم جسر التطبيع السعودي الذي كان يأمل الصهاينة من وراء تحقيقه آمالا كبيرا... فها هي الأمة عاجزة، وغزة تدافع عنها، في الوقت الذي كان من واجب الأمة الدفاع عن غزة والضفة وفلسطين ولبنان وكل بلاد العرب والإسلام، ولكن الأمة عاجزة، وغزة هي المعجزة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق في بشارته: «لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لَأْوَاء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك»، قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: «ببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس» رواه أحمد، «.. وإن أفضل جهادكم الرباط، وإن أفضل رباطكم عسقلان» رواه الطبراني، وعسقلان من إقليم غزة. وسيكون لهذه المعجزة خبرا عظيما، وإن غدا لناظره قريب.
*إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة