عندما يكون لديك مشروع وطني ببعد عالمي، فإن النظرية الميكيافيلية: "الغاية تبرر الوسيلة"، تصبح ذات جدوى، وآلية من آليات تحقيق الهدف.. ربما هو حال مبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقتها الصين الشعبية قبل سنوات، وها هي المبادرة تنمو وتكبر وتتوسع في أقطاب العالم، وما كان لها أن تعرف أولى بوادر النجاح وقطف الثمار لولا انخراط كل المجتمع الصيني، حكومة وشعبا، في هذا المشروع، حيث تبنته كل مكونات الدولة والمجتمع، من السلطة السياسية إلى القوة الاقتصادية إلى المنظمات الجماهيرية والأذرع الإعلامية القوية، كحال جريدة "الشعب" اليومية، الناطق باسم الحزب الشيوعي الصيني التي استطاعت أن "تنسج" علاقات متينة مع عشرات وسائل الإعلام في عديد الدول، ومنها، مثلا، جريدة "الخبر".
التقى أكثر من 200 مندوب ومسؤول وممثل عن وسائل إعلامية عربية، وأخرى عالمية، في فعاليات منتدى التعاون الإعلامي بشأن مبادرة "الحزام والطريق" للعام 2024، بمدينة شينغدو، في مقاطعة سيتشوان، جنوب غربي الصين. ويمثل عدد الإعلاميين المشاركين في هذا المنتدى رفيع المستوى 80 دولة، تابعوا مداخلات المشاركين في فعاليات هذا الحدث الذي تعطيه سلطات البلد أهمية قصوى، بالنظر لارتباطه الوثيق باتفاقيات التعاون والشراكة الصيني – العربي، وأيضا اتفاقيات تعاون وشراكة بين مؤسسات إعلامية عربية ونظيرتها الصينية، مثلما هو حال جريدة "الخبر" الجزائرية وجريدة "الشعب" الصينية.
ولأن المنتدى برعاية سامية من أعلى سلطات البلد، كانت جلسة الافتتاح بخطاب "مميز" ألقاه مدير إدارة الدعاية المركزية للحزب الشيوعي الصيني، لي شو لي، الذي أكد على أهمية منتدى التعاون الإعلامي لـ"الحزام والطريق"، وهو الذي يعتبر منصة مهمة وفضاء مميزا للحوار والتبادل بين وسائل الإعلام في مختلف الدول.
ودعا لي شو لي، في كلمته خلال منتدى التعاون الإعلامي بشأن مبادرة "الحزام والطريق" لعام 2024، والذي جاء تحت شعار "تعزيز التعاون الإعلامي من أجل التنمية المشتركة"، الإعلاميين إلى الحديث عن الممارسات الإيجابية لمبادرة "الحزام والطريق"، وإبراز مساهمتها في التنمية العالمية، مردفا بأن المنتدى يوفر فرصة قيّمة لتبادل الخبرات والأفكار بين المؤسسات الإعلامية من مختلف أنحاء العالم.
وتم استضافة هذا المنتدى بشكل مشترك من جانب صحيفة "الشعب اليومية" وسلطات مقاطعة سيتشوان، حيث شهد المنتدى إصدار مبادرة تتعلق بالتعاون الإعلامي في إطار مبادرة "الحزام والطريق".
"الحزام والطريق" آفاق جديدة للتعاون والتواصل
إلى ذلك، قال رئيس صحيفة "الشعب" اليومية الصينية، السيد تو تشن، بأن مبادرة الحزام والطريق فتحت آفاقاً جديدة للتواصل والتعاون الدولي، لافتاً إلى الاهتمام الكبير الذي يوليه الرئيس الصيني، شي جين بينغ، للتعاون الإعلامي في إطار هذه المبادرة. وأعاد تو تشن التذكير أن مبادرة "الحزام والطريق" تسعى إلى التنمية والمنفعة المتبادلة، بما يتماشى مع الاتجاهات العالمية للسلام والتعاون.
وأشاد تو تشن، مدير صحيفة "الشعب" الصينية، بالإنجازات الملموسة التي حققتها شبكة "الحزام والطريق" للتعاون الإخباري والإعلامي، في مجال تعزيز التعاون الإعلامي، وتعميق التبادل الثقافي بين الدول المشاركة. وأوضح تو تشن أن الشبكة نجحت في إنشاء آلية فعالة لتبادل المواد الإخبارية بالتعاون مع وسائل إعلام عربية وعالمية، ما أدى إلى تعزيز التغطية الإعلامية المشتركة لمبادرة "الحزام والطريق".
وكانت وسائل الإعلام الجزائرية حاضرة في أشغال المنتدى التعاون الإعلامي بمبادرة "الحزام والطريق"، ممثلة في جريدتي "الخبر" و"المجاهد". وبالمناسبة، أعادت الزميلة آمال زموري (المجاهد) التأكيد على أبعاد المشروع الصيني الضخم، مؤكدة أن "هذه المبادرة تتضمن العديد من الأبعاد، فبالتوازي مع الاستثمارات في البنى التحتية للنقل، سارعت الصين لتطوير شبكة الاتصالات الخاصة بها، والمعروفة باسم "طريق الحرير الرقمي"، عبر الكابلات البحرية، و"طريق الحرير الصحي" خلال فترة مرض كوفيد 19، وقد سمح هذا التطور للصين باكتساب النفوذ، من خلال احتلالها مكانة أكبر قوة عالمية في العديد من المجالات".
وأردفت السيدة زموري أن مبادرة "الحزام والطريق" أصبحت ركيزة أساسية بشكل متزايد في السياسة الخارجية للصين، وهي تستفيد من خبرة الصين التي لا مثيل لها ومزاياها التنافسية في بناء البنية التحتية: السكك الحديدية والطرق والموانئ والمطارات ومحطات الطاقة والاتصالات السلكية واللاسلكية. ويجب القول إنه بالنسبة للبلدان النامية، لا شيء يكتسي أكثر أهمية من البنية التحتية، ففي قلب أي اقتصاد إنمائي، توجد البنية التحتية، مضيفة أن التعاون بين الصين والدول العربية حول "الحزام والطريق" يتجاوز مشاريع البنية التحتية الضخمة، وقد ساعد عدد من مشاريع الطاقة النظيفة بعض البلدان العربية على تأمين إمداداتها من الطاقة، من خلال تنويع مزيج الطاقة.
الجزائر.. حجر زاوية لمبادرة "الحزام والطريق" قاريا وعربيا
أما بالنسبة للجزائر، فإن البلدين مرتبطان بشراكة تاريخية ومتعددة الأبعاد، وهي نموذج حقيقي للتعاون الناجح "جنوب- جنوب". ففي عام 2004، كانت الجزائر أول دولة عربية توقع اتفاقية إستراتيجية مع الصين، وفي 2014، تم توقيع اتفاقية إستراتيجية عالمية متبادلة المنفعة بين الجزائر وبكين، ومنذ عام 2015، أصبحت الصين أكبر شريك اقتصادي للجزائر. واستمرارا لهذا المنحى، انضمت الجزائر في سبتمبر 2018 إلى المبادرة الصينية، ومنذ ذلك الحين، البلدان شريكان رئيسيان في بناء مجتمع المستقبل".
وقالت الزميلة زموري "إن طرق الحرير الجديدة (الجزائر العاصمة - لاغوس لمسافة 4800كم، وتندوف - زويرات لمسافة 800كم) هي الأداة المثالية لإعادة وضع الجزائر على المستوى الإفريقي، وهذه المشاريع المهمة للقارة الإفريقية، وكذلك للجزائر، لها توجه إستراتيجي يساعد على تعزيز التنمية في هذه المناطق التي تعبرها هذه الطرق المنشطة، ويعكس استعداد الجزائر والتزامها بتحقيق التكامل الإقليمي في القارة".
وحضر المنتدى وانغ شياو هوي، سكرتير لجنة الحزب الشيوعي الصيني في مقاطعة سيتشوان، بجانب نخبة من القيادات السياسية في مقاطعة سيتشوان، والقيادات الإعلامية وصنّاع القرار في قطاع الإعلام من مختلف الدول العربية، وأيضا ممثلي ومسؤولي وسائل الإعلام العالمية، لاسيما من البرازيل التي كانت حاضرة بوفد قارب الـ30 إعلاميا ومسؤولا في قطاع الإعلام والاتصال.
وتحدث المسؤولون السياسيون والإعلاميون، وأيضا مسؤولو مؤسسات وشركات صينية، خلال فعاليات هذا المنتدى، عن ضرورة تعزيز آليات التشارك الدولي في التبادل الإخباري وتعميق تبادل الثقافات، ودور المجلس في تبادل الخبرات بين الإعلاميين من مختلف الدول المشاركة فيه.
من جهتهم، أعرب المندوبون في المنتدى عن اعتقادهم بأنه ينبغي على المؤسسات الإعلامية أن تظهر، بشكل أفضل، قصص التعاون المربح للجميع في الدول المشاركة في مبادرة "الحزام والطريق"، وأن تتحدث عن الممارسات والإسهامات في البناء المشترك لمبادرة "الحزام والطريق".
وفي معرض إشارتهم إلى أن مبادرة "الحزام والطريق" شهدت تطورا مزدهرا منذ طرحها عام 2013، دعا الضيوف المنظمات الإعلامية إلى ضرورة تعزيز ارتباطية المعلومات وتكثيف الجهود لتعزيز قدراتها، من خلال التقنيات الرقمية والذكية، وتعميق التعاون لإبراز سحر الحضارات المختلفة.
يأتي انعقاد المنتدى في إطار مبادرة "الحزام والطريق" الصينية التي تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي، والربط بين الدول على امتداد طريق الحرير القديم، بما يسهم في تعزيز التبادل الثقافي والحضاري بين الشعوب.
ونظمت شبكة "الحزام والطريق" للتعاون الإخباري والإعلامي العديد من الفعاليات التبادلية، بما في ذلك المنتديات والدورات التدريبية والزيارات الميدانية، والتي ساهمت في تعزيز التفاهم المتبادل وتبادل الخبرات بين الإعلاميين من مختلف الدول.
تجدر الإشارة إلى أن شبكة "الحزام والطريق" للتعاون الإخباري والإعلامي تضم 273 وسيلة إعلامية من 109 دول، في آسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية وأوقيانوسيا، وتهدف إلى تعزيز التفاهم والصداقة والتعاون الإعلامي، في إطار مبادرة "الحزام والطريق" الصينية.
البدايات
انعقدت الجلسة الأولى لمجلس إدارة شبكة "الحزام والطريق" للتعاون الإخباري والإعلامي، والتي يشار إليها لاحقا بـ"الشبكة" في بكين، عاصمة جمهورية الصين الشعبية، في أفريل 2019. وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ، أرسل بهذه المناسبة رسالة تهنئة إلى الشبكة، معربا فيها عن الترحيب الحار بممثلي أعضاء المجلس من وسائل الإعلام من البلدان المشاركة في بناء "الحزام والطريق".
ويتضمن المجلس أهم مؤسسات إعلامية رئيسية من عدة دول، وانطلاقا من مختلف أشكال الحوار والتواصل أثناء انعقاد الجلسة، توصلت هذه الأخيرة إلى توافق واسع في الآراء، بشأن الترويج لعمل الشبكة وإصدار البيانات مشتركة، وتكون صيغة البيان كالآتي:
وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ، طرح في سنة 2013 البناء المشترك لمبادرة "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير" و"طريق الحرير البحري للقرن الـ21"، والتي تعرف اختصارا بمبادرة "الحزام والطريق". وبما أن المبادرة وريثة طريق الحرير القديم ومُروّجة له، فهي تمثل نموذجا جديدا للتعاون متعدد الأطراف.
واستحدثت مبادرة "الحزام والطريق" منصة هامة لتعزيز التعاون الدولي، وقدمت وجلبت أفكارا وفرصا جديدة تهدف إلى تطوير التنمية العالمية وتعميم الفائدة لتحقيق الكسب المشترك، من منطلق "رابح – رابح"، كما أنها تساعد البلدان ذات الصلة على تعزيز التبادلات الثقافية التواصل بين قلوب الشعوب.
وتسعى مبادرة "الحزام والطريق" إلى بناء الثقة والتفاهم بين شعوب الدول والمناطق المشاركة في بناء "الحزام والطريق"، ويمثل تعزيز التعاون والتبادل الإعلامي بين هذه الدول والمناطق قناة هامة لتحقيق الألفة بين شعوبها.
وباعتبارها منصة هامة للتعاون الإعلامي للبلدان والمناطق الواقعة على طول "الحزام والطريق"، تتمتع الشبكة بميزة فريدة تتمثل في تقارب وتوافق الآراء المتعلقة بتعزيز التنمية والتبادلات بين هذه البلدان. ومن أجل تعزيز فرص تبادل التنمية بين الأعضاء وتوسيع مجالات الاتصالات، تتمسك الشبكة بروح "طريق الحرير"، المتمثلة في التعاون السلمي والانفتاح والتسامح والتعلم المتبادل والمنفعة المتبادلة والفوز المشترك، وذلك من أجل نشر معلومات إخبارية موضوعية وصادقة ودقيقة وعادلة عن العالم، ولعب دور بناء في تعزيز التفاهم والثقة المتبادلة بين شعوب مختلف البلدان والمناطق.
ويوضح ميثاق شبكة "الحزام والطريق" للتعاون الإخباري والإعلامي طبيعة هذه الأخيرة والغرض من إنشائها ووظائفها الأساسية، ويحدد نطاق عمل مجلس الإدارة والأمانة العامة والإدارات الأخرى، كما أنه يوضح حقوق وواجبات الأعضاء وآليات عمل الشبكة، وتمت الموافقة على ميثاق الشبكة من قبل مجلس الإدارة في هذا الاجتماع.
وأنشأت الشبكة مجلسا للإدارة يتكون من ممثلين عن وسائل الإعلام، وبناء على تغير الظروف، تقوم في الوقت المناسب بإضافة مؤسسات إعلامية أخرى كمديرين. كما أنشأت الشبكة أمانة عامة باعتبارها آلية دائمة لها، ويقع مكتب الأمانة في مقر صحيفة "الشعب" اليومية الصينية.
وتقوم الشبكة ببناء منصة لتشارك المعلومات وأخرى للتعاون والتبادل والتواصل الإعلامي، وذلك لتعزيز الترابط بين البلدان والمناطق المشاركة في بناء "الحزام والطريق". كما قامت الشبكة بإطلاق موقع على شبكة الإنترنت، ومنصة لتجميع الأخبار لتوفير خدمات تحميل المحتوى الإعلامي ومشاركته مع أعضاء الشبكة لمساعدتهم على تحقيق تعاون مباشر ومريح، وذلك على أساس حماية واحترام حقوق النشر الخاصة بالمواد الإخبارية.
وتعمل الشبكة على إثراء أنشطة الأعضاء، وذلك من خلال إجراء أشكال مختلفة من الحوارات وتبادل المواد الإخبارية، وتعزيز التبادلات الشعبية، وتقاسم التطور التكنولوجي. كما يتم عقد منتدى التعاون الإعلامي "للحزام والطريق"، واختيار جائزة "طريق الحرير" للاتصال الدولي، وتنظيم مقابلات مشتركة عابرة للحدود، وعقد ندوات للإعلاميين رفيعي المستوى، وإنشاء قاعدة بيانات عامة للوثائق والمخطوطات لمشاركة وتبادل الموارد الإعلامية والإخبارية.
ويعكس المنتدى، الذي نمت مكانته وأهميته منذ إنشائه، رؤية الصين الإستراتيجية، المتمثلة في وضع نفسها كشريك التنمية المفضل للجنوب العالمي، وفي عالم يتحدد بشكل متزايد بالتحولات الجيوسياسية والتغيرات الاقتصادية، ومن أجل عالم ليس أحادي أو ثنائي القطبية، بل عالم متعدد الأقطاب.
وفي قلب هذا المنتدى، يكمن الوعد بـ"التحديث عن طريق النمط الصيني"، والتحديث هو المصطلح الذي يتردد صداه بعمق في السرد الخاص بكل من الصين وإفريقيا، حيث أكد الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في كلمته الرئيسية، على أن تحديث الصين وإفريقيا ليس مجرد ضرورة إقليمية، بل ضرورة عالمية. وبما أن ثلث سكان العالم يقيمون في الصين وإفريقيا، فإن التقدم المشترك بينهما يعتبر عنصرا محوريا في عملية التحديث العالمية الأوسع.