+ -

فتح إعلان رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، إجراء اتصالات واستشارات مع مختلف "القوى الحية" في البلاد، للدخول في حوار مفتوح والتخطيط معا للمسيرة التي ستُنتهج، في أول خطاب له عقب تأدية اليمين الدستورية، بحر الأسبوع الماضي، باب التساؤلات والتأويلات، حول الصيغة المحتملة للخطوة وأهدافها والفاعلين المحتملين فيها ومدى قابلية انفتاحها على كل المعارضة؟

وتفكيكا للمبادرة التي لم تكن منتظرة، رجح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الدكتور عمار سيغة، في تصريح لـ"الخبر" أن "الدعوة موجهة إلى كل الفواعل السياسية على مختلف مشاربها وتوجهاتها، خصوصا التي انخرطت في المسار الانتخابي، في مقدمتها حركة مجتمع السلم وجبهة القوى الاشتراكية".

 ويأتي هذا الإعلان، في تحليل الجامعي، "انطلاقا من رغبة صانع القرار في توسيع قاعدة الحكم، بالنظر إلى أننا في مرحلة قادمة ستشهد حكومة جديدة وحديثا عن إعادة هيكلة في العديد من الدوائر الوزارية".

وحول إمكانية إشراك أو انخراط الأحزاب المعارضة الأخرى، كالتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، الذي يقوده عثمان معزوز، وحزب العمال بزعيمته لويزة حنون، والاتحاد من أجل التغيير والرقي، لرئيسته زبيدة عسول، الذين رحبوا جميعهم بالمبادرة، قال الدكتور إن فكرة الإجماع هي حتمية، خاصة في المرحلة القادمة، مشيرا إلى أنه "ليس من مصلحة صانع القرار ومستقبل المشهد السياسي المزيد من الإقصاء والتهميش".

 

تابعونا على منصة x

 

 

وستشكل العملية، وفق ما افترض المتحدث، "استكمالا لبعض من النقص الذي شاب نسبة المشاركة، لإضفاء المزيد من الشرعية وسيغلق الباب أمام كل الأبواق، الداخلية والخارجية، التي تعلق على نسبة المشاركة والنسبة التي فاز بها الرئيس.

 فالأحزاب التي دأبت على رمي كل أسباب العجز والفشل على السلطة القائمة، يضيف المتحدث، من "مصلحتها الانخراط في هذا المسار والحوار بوصفه فرصة حقيقية في هذا التوقيت بالذات، الذي لا يتحمل المزيد من الشرخ في الفواعل السياسية".

وتابع المتحدث واصفا المبادرة بالذكية والمكرسة لـ"مبدأ التشاركية في دمقرطة الحياة السياسية"، وهي، بحسبه، "ضرورية أكثر من أي توقيت آخر"، خاصة و"أننا نلمس، لدى رئيس الجمهورية، رغبة في تعزيز اللحمة الداخلية في ظل المناورات لزعزعة الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي".

 ومن أهدافها، في نظر المحلل، "التحضير للانتخابات المقبلة ورفع المشاركة السياسية في الاستحقاقات، من أجل بلورة مفهوم جديد للحكم المحلي، بوصفه آلية أساسية في الدفع بالعملية التنموية في العديد من الدول كبريطانيا وفرنسا وغيرهما، التي نجحت في تجسيد بعد تنموي من خلال إضفاء متانة على الحكم المحلي وخلق الثروة الداخلية".

 ومن زاوية أخرى، يقدم أستاذ علوم الإعلام والاتصال، الدكتور حكيم بوغرارة، قراءة تنطلق من ضرورة إشراك المعارضة والممارسة النقدية والرقابية على أعمال السلطة، قائلا في حديث مع "الخبر"، إنه "من المؤكد أن الرئيس جرّب الساحة السياسية من دون أحزاب، حيث ظهر فراغ سياسي رهيب، جعل السلطة وعلى رأسها الرئيس، تتيقن أن تواجد الأحزاب في إدارة الشأن السياسي والعام أمر ضروري لإضفاء توازن في تناول مختلف الملفات".

 فالعمل السياسي من دون أحزاب سياسية ومن دون معارضة ومن دون تجاذب، وفق الجامعي، أثر كثيرا وغيّب الرؤية النقدية، معتقدا أن الرئيس تبون يريد "تنشيط وتفعيل الساحة السياسية، خاصة وأنه، مؤخرا، اجتمع بجل الأحزاب حول طاولة مستديرة واستمع لمختلف الرؤى، التي تقاطعت في ضرورة بعث حوار وطني، يقطع الطريق أمام محاولات استغلال الفراغ السياسي واختراق المجتمع والتضليل".

ولم يستبعد المتحدث مشاركة الأحزاب السياسية المعارضة، بحكم أنها "لم تدع إلى مقاطعة الانتخابات، وكانت مواقفها إيجابية إلى حد ما مع الإعلان عن حوار مفتوح". بالإضافة إلى "تقاطع الجميع في المصلحة العليا للوطن وتقوية الجبهة الداخلية، في ظل ما تمر به الأوضاع الإقليمية والدولية من تقلبات".

كل هذا، في نظر بوغرارة، "جعل السلطة تتقدم بخطوة وتستثمر هذه الأوراق على الأقل للتخلص من شبح التصحر السياسي، لافتا إلى ضرورة ضم أحزاب المعارضة والشخصيات الوطنية التي لها رصيد تاريخي ونضالي، التي يمكن أن تدفع بالحوار إلى الأمام وأن تقترح أحسن من الأحزاب الأخرى، التي أظهرت خلال الحملة خطابا شعبويا رديئا".

 أما جزئية "التخطيط معا" التي وردت في كلمة الرئيس، صنفها المتحدث ضمن خانة إرساء ثقافة جديدة، تعقب الأزمة السياسية التي خلفها الحراك، مرجحا أن "السلطة وقفت على ضرورة إحداث إصلاحات بإرساء ثقافة الحوار واحترام الاختلاف وتقريب وجهات النظر".

وبالنسبة لفرضية أن الحوار جاء لتعويض نسبة المشاركة المتدنية، نفى الأكاديمي هذه القراءة، قائلا إن "نسبة المشاركة في هذه الانتخابات مرتفعة قياسا بسابقتها"، مضيفا أن السلطة لم تعد تتحرج في إعلان النسبة الحقيقية، بدليل أن الرئيس شارك في الاحتجاج على الأرقام، في حين، يتابع المتحدث، "إن الأجدر هو دراسة وتشريح نسبة المشاركة وتحليلها ودراسة حالة العزوف ومعرفة أسباب الأوراق الملغاة".

وبخصوص المقصود من قول الرئيس "إجراء الحوار في ظروف تسمح بذلك"، ذكر الدكتور بوغرارة أن "العبارة تعني ضرورة توفير الظروف الملائمة لإنجاح المسعى، كإجراء اتصالات غير مباشرة مع المعارضة وشخصيات وطنية داخل وخارج الوطن وجس نبض الطبقة السياسية".

 فالسلطة، في تصور الجامعي، "اقتنعت بضرورة إنجاح الحوار ومنح له الوقت والظروف اللازمين، مستفيدة من تجارب سابقة، كالمبادرات التي جرت في الحراك الشعبي وقادها رئيس الدولة الراحل عبد القادر بن صالح وفشلت".