يتجه النظام المغربي صوب أزمة وجودية غير مسبوقة، جاءت نتيجة منطقية لسياساته غير الشعبية التي مضى فيها في السنوات القليلة الماضية وأنتجت احتجاجات عارمة تنادي بها العديد من المنظمات.
وترتسم الأزمة بعد سلسلة احتجاجات يومية، انطلقت منذ تطبيع سلطتي الاحتلال، الصهيونية والمخزنية، علاقتيهما دبلوماسيا وأمنيا وعسكريا واستخباراتيا، والسير عكس اتجاه عجلة التاريخ وتجاربه وإرادة الشعب المغربي.
وتتكرر النداءات الداعية إلى الاحتجاج العام في المغرب، من قبل عديد المنظمات والجمعيات، في مقدمتها الجمعية المغربية لحماية المال العام، على خلفية استشراء الفساد في مؤسسات الدولة ورفض خوصصة قطاعات حساسة على الطريقة الغربية والتراجع عن مسار التطبيع وإلغاء كل الاتفاقيات التي ترتبت وانبثقت عنه، بمختلف أشكالها ومجالاتها.
ومن مظاهر ومؤشرات الأزمة والاحتجاج العارم، استمرار الاحتجاجات الفرعية اليومية المحدودة وآثارها النفسية على صعيد تحرير الذهنيات من الخوف، على الرغم من محدوديتها المناطقية والعددية، إلى جانب حدوث "الهروب الكبير"، وهو هجرة جماعية بالمئات، تحدت وواجهت الحواجز الأمنية والرقابية في الحدود.
ومن مؤشرات تصدعات عرش محمد السادس، انعزاله تماما عن الواقع المغربي ومطالب واتجاهات الرأي العام في الشارع المغربي، وبقائه غارقا في بروتوكلات القصر والتواصل مع محيطه وإدارة الشأن العام بأساليب تقليدية ترتكز على التخويف والعنف الرمزي، ما أحدث فجوة كبيرة بينه وبين ما يجب أن يكون في الحكم والحكامة.
وتجتمع، يوميا، الظروف والعوامل المساعدة على اندلاع احتجاجات عارمة بالجارة الغربية، على غرار الغلاء الفاحش وذهاب الحكومات المتعاقبة في سياسيات وقرارات غير شعبية ولا اجتماعية، ما جعل المواطنين لقمة سائغة للفقر أو الحاجة لأبسط الأمور.
ومن المطالب المرفوعة، توسيع صلاحيات مؤسسات الرقابة والحكامة في مواجهة الفساد والرشوة ونهب المال العام، إلى جانب تعزيز دور السلطة القضائية في مكافحة الفساد والرشوة وتقوية وتحصين تجربة أقسام جرائم المال العام، ووضع استراتيجية وطنية لاسترجاع الأموال المنهوبة. .
وينخرط تدريجيا في الاحتجاجات التي تتشكل في صمت، العديد من الهيئات كحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، والحزب الاشتراكي الموحد، والجامعة الوطنية للتعليم ذات التوجه الديمقراطي، إلى جانب صفحات مؤثرة بعدة منصات في الفضاء الافتراضي.
وتتحد النقابات والجمعيات والمنظمات وتتقاطع في المطالب والغضب، وتتوالى في الإعلان عن ذلك، ومنها التنسيقية المغربية لموظفي وأطر وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، التي وجهت نداء إلى الشعب المغربي، لمواجهة ما وصفته بـ "خطر يهدد مستقبل المنظومة الصحية العمومية بالمغرب ومجانية الخدمات الصحية والخدمات الاجتماعية الحيوية" بسبب توجه الحكومة نحو خوصصة قطاع الصحة.
إلى جانبها، وجه الاتحاد المغربي للشغل، انتقادات لاذعة لمشروع القانون المتعلق بتعديلات تخص التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، داعيا الحكومة إلى "التراجع الفوري" عنه لأنه يهدف إلى محاولة الإجهاز والتخلص من الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي. كما دعا إلى رص الصفوف ومواجهة هذا القانون بكل الوسائل النضالية والاحتجاجية المشروعة.
وفي نفس السياق، أعلنت الجامعة الوطنية للتعليم في المغرب، عن تنظيم احتجاجات يوم الفاتح أكتوبر أمام مقر البرلمان بالعاصمة الرباط للمطالبة بالاستجابة لمطالبها، داعية إلى المشاركة القوية والمكثفة في هذه الاحتجاجات.
يحدث هذا في ظل احتجاجات فرعية تطالب بالحق في السكن والعمل وتوفير شروط العيش الكريم ووقف التعسف في استعمال السلطة وسلب الفلاحين أراضيهم على حساب الاستثمارات الأجنبية الناهبة والمتوحشة.
كما استنكرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في بيان لها، بشدة استمرار السلطات المغربية في قمع حرية الرأي والتعبير والصحافة من خلال الملاحقات الأمنية والقضائية لعدد من الحقوقيين من بينهم صحفيين ومدونين ومبلغين عن الفساد.