أدى رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، اليوم، اليمين الدستورية في قصر الأمم، أمام الرئيس الأول للمحكمة العليا، الطاهر ماموني، في جلسة حضرها جميع كبار المسؤولين، مدنيين وعسكريين، وشخصيات حزبية ووطنية معروفة، وممثلي السلك الدبلوماسي.
منذ الصباح، شرع أعوان التنظيم في استقبال الضيوف، في مدخل قصر الأمم، الذي عادة ما يخصص لهذا الإجراء الدستوري، ليتم توجيههم إلى الداخل، حيث فُتحت أبواب المقهى الداخلي، للاستراحة وأخذ مرطبات وتبادل الحديث، في انتظار مجيء الرئيس وبداية مراسم الجلسة الاحتفائية.
توافد الضيوف على المبنى، وسط إجراءات أمنية مشددة، وفي يوم مشمس يخترقه عليل ونسمات باردة منبعثة من البحر القريب، ورياح خفيفة تهز الرايات والأعلام الوطنية الجديدة المثبتة على طول الطريق.
وبرز من هؤلاء أعضاء الحكومة ورئيس السلطة المستقلة للانتخابات، محمد شرفي، وقادة الأحزاب السياسية جميعهم، وأعضاء الأسرة الثورية ورؤساء حكومات سابقة، ونواب البرلمان بغرفتيه، وأعيان ومشايخ من الجنوب الكبير والتنظيمات النقابية والمهنية والرياضية.
وعلى صعيد رمزي، لفت الانتباه مجيء منافسي الرئيس في الانتخابات، الأمين الوطني الأول لجبهة القوى الاشتراكية، يوسف أوشيش، ورئيس حركة مجتمع السلم، عبد العالي حساني شريف، وأيضا رؤساء حكومة سابقين عبد العزيز بلخادم وعبد العزيز جراد وأيمن بن عبد الرحمان ورئيس المجلس الشعبي الوطني الأسبق عبد العزيز زياري ومن حل بعده العربي ولد خليفة، وأيضا شقيقة المغني القبائلي الشهير، معطوب لوناس.
امتلأ البهو الداخلي بالشخصيات وجرت تفاعلات واتصالات بين المسؤولين والسياسيين والإعلاميين بشكل مطول، فيما خصصت قاعة داخلية لضيوف الشرف والشخصيات السياسية، قبل أن يتوجهوا جميعا في حدود الواحدة زوالا، إلى الصالة الدائرية الكبيرة، في أجواء رسمية وتحت تأطير مسؤولي التشريفات برئاسة الجمهورية.
وفي حدود الواحدة والنصف، التحق الرئيس تبون بقصر الأمم، وكان في استقباله الحرس الجمهوري بالخيول، وفي المدخل، رئيسا مجلس الأمة، صالح ڤوجيل، والمجلس الشعبي الوطني، إبراهيم بوغالي، والوزير الأول، نذير العرباوي، وقائد أركان الجيش الوطني، الفريق أول السعيد شنڤريحة، ورئيس المحكمة الدستورية، عمر بلحاج، ومدير ديوان الرئاسة، بوعلام بوعلام.
وفي القاعة استقبله جمع غفير، صفق له بحرارة وحفاوة.
بعد خمس سنوات، عاد الرئيس تبون إلى القاعة الدائرية التي أدى فيها اليمين الدستورية سنة 2019، ليؤدي اليمين الدستورية، مرة ثانية، في نفس الديكور والبروتوكول، مع اختلاف واضح في السياقات والتحديات والوجوه.
وبعد نحو عشر دقائق من الانتظار، دخل تبون، وانطلقت بروتوكولات الجلسة والمراسم الدستورية، بداية من آيات قرآنية ثم تلاوة مستخرج قرار النتائج النهائية لانتخابات، من قبل رئيس المحكمة الدستورية، عمر بلحاج.
وبعدها، اُستدعي إلى المنصة، الرئيس الأول للمحكمة العليا، ماموني الطاهر، الذي دعا الرئيس تبون إلى القسم بالصيغة الموجودة في الدستور. وبمجرد ما انتهت المراسم، ألقى الرئيس أول خطاب له في العهدة الثانية، شاكرا "الشعب الجزائري العظيم صاحب السيادة والذي حمى ويحمي بوعيه الوطني مسار ترسيخ شرعية المؤسسات وبناء دولة الحق والقانون من خلال الاستحقاقات الوطنية".
وتوجه في البداية بشكر خاص إلى منافسَيه، لـ"خوضنا معا حملة نظيفة"، مشيرا إلى أنه و"إن اختلفت فيها أساليب وأدوات الإقناع، غير أنها جرت في إطار ضوابط الممارسة السياسية وما تمليه الأخلاق وما يقتضيه الولاء للوطن"، مسجلا بـ"ارتياح واعتزاز النجاح الذي طبع الاستحقاق بالسلاسة والطمأنينة والأمن".
وبالمناسبة، حيا الرئيس "الجيش والأسلاك الأمنية والقطاعات المعنية بتوفير اللوجستيك لتحقيق انتخابات حرة ونزيهة". وقال تبون إن الأمانة التي "استمر في حملها والتي يقع حملها على عاتقي بتفويض منكم في هذه المرحلة الحساسة، على الصعيدين الإقليمي والدولي، تقتضي حشد القدرات والعزائم من أجل تعزيز المكاسب التي تحققت في العهدة الأولى، وهي إنجازات لا يحجبها تدليس ولا يخفيها نكران"، يضيف الرئيس تبون.
وكان الرئيس يتخلى عن القراءة من الورقة ويخوض في شؤون الحكم بارتجال وعفوية، قبل أن يعود للقراءة مجددا من الورقة لاستكمال خطابه.
وأفاد تبون بـ"أننا كنا في تحد لإنقاذ الجزائر المغدورة والمنهكة وإيصالها إلى بر الأمان، وتغلبنا على ذلك بفضل الله والشعب، وانتقلنا إلى جزائر جديدة، ينتعش فيها الأمل ولها هيبة بصدق القول المتبوع بالعمل والمقرون بتجسيد الالتزامات الـ51 التي تعهدنا بها أمام الشعب".
خطوة سياسية جديدة
وفي مسعى سياسي جديد، التزم الرئيس تبون بالقيام بـ"اتصالات كثيفة واستشارات مع كل الطاقات الحية، السياسية منها والاقتصادية والشبانية، للدخول في حوار وطني مفتوح، لنخطط معا للمسيرة التي ستنتهجها بلادنا لتكريس الديمقراطية الحقة وليس ديمقراطية الشعارات.. بل ديمقراطية تعطي السيادة لمن يستحقها".
وخاض رئيس الجمهورية في الإنجازات التي تحققت في العهدة الماضية بشكل مقتضب، في القطاع المنجمي، كإنتاج الحديد والفوسفات في غار جبيلات وتبسة، وفي البنية التحتية وخاصة السكك الحديدية التي "سنوصلها إلى تمنراست"، إلى جانب "الطفرات في الإنتاج الفلاحي عبر خارطة طريق مدروسة لتقليص الاستيراد إلى أدنى مستوياته".
وأعاد تبون تعداد التزاماته في الحملة الانتخابية وهي "الاكتفاء الذاتي التام في القمح الصلب في غضون 2025، والاكتفاء الذاتي من الشعير والذرى في 2026"، إلى جانب "توسيع الأراضي المزروعة بحوالي مليون هكتار جديد"، و"خلق بعون الله 450 ألف منصب شغل للشباب، والاستمرار في دعم وإنشاء المؤسسات الناشئة التي كانت 200 في البداية، وحاليا هي 8 آلاف، وفي المستقبل ستصل إلى 20 ألفا"، يضيف الرئيس تبون.
وفي الاستثمار، قال إن "هناك حاليا 9 آلاف مشروع استثماري قيد النشاط عبر الوكالة الوطنية للاستثمار، وهي مشاريع ستخلق مناصب الشغل ومدرة للثروة".
وعاد الرئيس تبون إلى مرحلة الرئيس الراحل هواري بومدين بالقول إن "نسبة مساهمة التصنيع في الدخل القومي كانت تساوي 19 بالمائة، لكن تقهقرت الجزائر بعد وفاة الرئيس بومدين إلى 3.5 بالمائة، أي صحراء صناعية"، واليوم، يتابع تبون "بلغنا نسبة مشاركة الصناعة في الدخل القومي الخام 5 بالمائة"، ملتزما برفعها إلى 12 بالمائة في آخر العهدة، "ما يسمح للجزائر بتحولها إلى بلد صناعي"، يقول المتحدث.
ووعد بتجاوز أزمة المياه، من خلال ربط السدود ببعضها البعض والقيام بالتحويلات الكبرى، علاوة على "استلام قريبا خمس محطات لتحلية مياه البحر، التي تسير بسواعد جزائرية من مهندسين ويد عاملة وتقنيات جديدة أيضا".
وفي السكن قال تبون إن عهدته الأولى شهدت إنجاز 1.7 مليون سكن بمواد بناء جزائرية مائة في المائة، وهو الأمر الذي يخفف الأعباء بشكل كبير عن الخزينة العمومية، حسبه، مشيرا إلى "أننا كنا نبني كل السكنات بمواد مستوردة".
وهنا وعد بأن "العهدة الثانية ستشهد تشييد مليوني سكن، مع رفع نسبة إعانة السكن الريفي إلى 100 مليون سنتيم".
كما التزم تبون بحماية القدرة الشرائية للمواطن بروافدها الثلاثة، محاربة التضخم والتحكم في أسعار المواد الأساسية ورفع العلاوات. وختم الرئيس خطابه بتحية الحاضرين بالوقوف أمامهم للحظات ثم غادر القاعة.