+ -

يقوم شباب جزائري محب لوطنه ومخلص في توجهاته، وعلى رأسهم السيد معلي فؤاد، بمبادرة وطنية عبارة عن حملة كبيرة من أجل زرع وتشجير وغرس مئات الآلاف من الأشجار عبر مناطق مختلفة من الجزائر، ونحن إذ نشد على أيديهم ونسعى لتقديم العون لهم، نذكر بأهمية وفضل وفوائد التشجير والعناية بالنبات في ديننا الإسلامي، كما نشير إلى أن هذا المشروع يحظى بدعم السلطات العمومية وكذا المواطنين والمحسنين.

إن النبات من أهم الكائنات الحيّة على الأرض، فلو غاب النبات، غابت الحياة من عليها. لذا، امتن الله تعالى على الناس بنعمة النباتات أعظم امتنان، ودعاهم على شكره بالعبادة، فقال تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون}.

وبلغ من عناية الإسلام بالنبات والزرع أنه وصف من يقطع الزرع والنبات دون فائدة بالفساد في الأرض، قال تعالى: {وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد}. وتوعد من يقطع النبات دون فائدة بدخول النار، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “من قطع سدرة صوّب الله رأسه في النار”.

لقد بلغت عناية الإسلام واهتمامه بالبيئة الزراعية أن حض على الغرس والزرع، ورتب أجرا على ما يؤكل من ثمار هذا الزرع، قال صلّى الله عليه وسلم: “ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة.. إلا كان له به صدقة”. وإدراكا منه صلّى الله عليه وسلم لما يحتاجه الزرع من وقت ورعاية ربما تأخذ الكثير من الوقت، أكد صلّى الله عليه وسلم على ثواب ذلك وأجره عند الله تعالى، فعن رجل من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم بأذني هاتين يقول: “من نصب شجرة، فصبر على حفظها، والقيام عليها حتى تثمر، فإن له في كل شيء يصاب من ثمرها صدقة عند الله عز وجل”. كما صرّح النبي صلّى الله عليه وسلم بأن الغرس من الأعمال التي تبقى للرجل بعد موته، فعن أنسٍ رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: “سبعة يجري على العبد أجرهُن بعد موته في بره: من علّم علما، أو أَكْرَى نهرا، أو حفر بئرا، أو غرس نخلا، أو بنى مسجدا، أو ورَّث مصحفا، أو ترك ولدا يستغفر له”.

فهم الصحابة والمسلمون الأوائل ذلك فانطلقوا مطبقين لتعاليم الإسلام التي تحث على الزراعة، رغم مشاغل بعضهم الجسيمة واستغنائهم، ففي الخراج ليحيى بن آدم: “جاء رجل إلى علي رضي الله عنه، فقال: أتيتُ أرضا قد خربت، وعجز عنها أهلها، فكريت أنهارا وزرعتها. قال: كُل هنيئا، وأنت مصلح غير مفسد، معمِّر غير مخرّب”.

إن ديننا الإسلامي الحنيف يحث المسلمين على عمارة الأرض وغرس الأشجار حتى عند قيام الساعة، كما جاء في الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة (نخلة صغيرة أو شتلة)، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل”.

والعناية بالتشجير والتخضير وسيلة مهمة لحفظ مقاصد الشريعة الإسلامية وكلياتها الضرورية (الدين، النفس، العقل، النسل والمال)، انطلاقا من الآثار التي يرتبها زرع الأشجار وغرس النباتات، سواء تعلق الأمر بحماية البيئة وما يلحق ذلك من تأثير واضح على صحة الإنسان وسلامته الجسمية والعقلية، أو بما يتحقق من زراعة الشجر من فوائد هامة ونتائج نافعة للاقتصاد وللبنية المادية للعقارات المحيطة بها، حماية للمحصولات والمنتجات الزراعية؛ ليتأكد بالملموس أن عناية الإسلام بأصل المصلحة التي تتحصل من التشجير والتخضير حصلت قبل أن يعرفها تمدن اليوم. ولا شك أن الزراعة والغراسة يمثل كل منهما في عصرنا الحاضر إحدى الركائز الاقتصادية لأي شعب يطمح في الازدهار الاقتصادي، وزيادة الدخل الوطني، والاكتفاء الغذائي الذاتي.
جدير بالذكر ما تمّ كشفه في العصر الحديث من فوائد الزرع والغرس، بخلاف ما كان معروفا في الماضي، وهي الفوائد التي نحتاجها في عصرنا، خاصة أن التشجير وزيادة المساحات الخضراء هو من أفعل الوسائل لمقاومة التلوث البيئي الذي جاء منذ الثورة الصناعية إلى وقتنا هذا.

وما أحوجنا إلى دعم مبادرة الجزائر الخضراء حيث يتم القيام بحملات دورية لتشجير الشوارع وإنشاء الحدائق ونشر الخضرة بالأراضي الصحراوية والبور، والاستفادة من الطبيعة التي وهبها الله لنا، خصوصا في تلك الفترة التي فقد الإنسان فيها لنحو ثلثي الغابات فى العالم.