+ -

بعدما أعلنت المحكمة الدستورية النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية، مرسمة عبد المجيد تبون رئيسا لعهدة ثانية، طُويت صفحة الاستحقاقات، لتبدأ مرحلة ما بعد الانتخابات، بمجرد أن يضع الرئيس تبون كفَّه على المصحف الشريف، ويؤدي اليمين الدستورية، أمام الشعب، والرئيس الأول للمحكمة العليا وبحضور كبار المسؤولين، لتنطلق بعدها معركة التجسيد والوفاء بالتعهدات والعهود، في سياق دولي مختلف ومطبوع بالأزمات والحروب بمختلف أشكالها.

 يدرك متابعو وممارسو السياسة أن الخطابات والالتزامات التي عادة ما تؤثث الحملات الانتخابية والتجمعات الشعبية، والمشاريع والبرامج المدونة في المطويات والدفاتر الخاصة بالدعاية الإعلامية، للمرشحين، مختلفة بالكامل عن مرحلة التجسيد، وتحمل طابعا حماسيا، ما يجعلها غير قابلة للإسقاط في الواقع كما هي، بالنظر إلى أن المسعى مرتبط بالعديد من الأطراف والمساهمين والمتدخلين، وكذا تغير الظروف، برغم أن مسؤوليتها تقع على عاتق الرئيس وحده.

 

 وعود والتزامات..

 

 تميزت التجمعات الشعبية التي نشطها تبون في قسنطينة، وهران، جانت والجزائر العاصمة، بخطاب مس كل فئات المجتمع وكل جهات الوطن، ما جعل تجسيد، على الأقل 50 بالمائة منه، تحديا في حد ذاته، بالرغم من امتلاك الجزائر احتياطي صرف "محترم"، وتواجدها في وضع اقتصادي "مريح" و"الثالث في إفريقيا".

 وسيباشر الرئيس الفائز بولاية ثانية مهمته الجديدة، في ظروف دولية وإقليمية، تختلف عن ظروف العهدة الأولى، بالرغم من الصعوبات التي اعترضت هذه الأخيرة، بتزامنها مع الأزمة الصحية العالمية وبروز مقاومة شرسة للتغيير من قبل مراكز قوية في بنية السلطة وخارجها أيضا، كالمستفيدين والمنتفعين الذين قذفت بهم الأحداث خارج الإطار.

 وفي قراءة للأحداث وارتداداتها المحتملة على مرحلة العهدة الثانية، يواجه الفائز تحديات كبيرة في عهدته الثانية، أهمها اقتصادية، مثلما كان خطابه مركزا ومهتما بهذا الجانب، وهي استكمال مسار تنويع الاقتصاد وتخفيف الاعتماد على عائدات تصدير الطاقة، الذي قد يتسبب الاستمرار في هذا النموذج في اختلال إيرادات الحكومة وتراجع الاستثمارات في حال انخفضت أسعار النفط.

 كما ينتظر من الرئيس تبون برمجة مشاريع قوانين الولاية والبلدية والمعلم وشبه الطبي وغيرها، بالإضافة إلى التقسيم الإقليمي والإداري المفترض، الذي تحدث عنه مدير حملته الانتخابية، إبراهيم مراد، بقوله "هناك استعداد لدى مرشحنا لاستحداث 100 ولاية".

 ومن التحديات أيضا "مجابهة مشكلة التزود بالمياه في عدة مناطق، والشروع في مشروع تشييد مليوني سكن واستكمال الزيادات في الأجور ومنحة البطالة وغيرها".

 وتحيط بهذه العهدة أوضاع وعلاقات دولية متشعبة ومطبوعة بالحروب وآثار التغيير غير الدستوري لعدة أنظمة في الساحل، إلى جانب محاولات إشعال فتيل نزاعات مسلحة في الشريط الحدودي الجنوبي، من قبل قوى دولية معروفة، إضافة إلى مخاضات عسيرة للانتقال من عالم وحيد القطب إلى آخر متعدد الأقطاب، والأهم من كل ذلك الإبادة الجماعية في غزة بفلسطين وظهور المقاومة بمظهر صلب وغير قابل للانكسار. خارجيا، من المنتظر أن يرسخ الرئيس مقاربته في إدارة سياسته الخارجية، لتكييفها أو دمجها مع البعد الاقتصادي، وتجسيده فعليا.

 كذلك أمام الرئيس تبون تحديات مرتبطة بتحالفاته الدولية، التي شهدت في العهدة الأولى "مفاجآت"، كرفض طلب الجزائر الانضمام إلى مجموعة "بريكس"، بالرغم من أن ما تتوفر عليه من مقدرات ومؤشرات اقتصادية باعثة على الإيجابية.

 إلى جانب ذلك، يُنتظر من الرئيس المساهمة في إدارة الأزمات القائمة في الساحل وفي ليبيا، بما يخفف أو يوقف من ارتداداتها على الجزائر وعلى أمنها القومي.

 وفي العلاقات المغاربية، يستشرف مراقبون بأنها ستكون على رأس أولويات العهدة الجديدة للرئيس، في اتجاه تونس وموريتانيا وليبيا، بينما يُنتظر أن تراوح العلاقات مع المغرب مكانها، نظرًا لاستمرار سياسة الجار الغربي العدائية.