فوائد وأهمية دراسة السيرة النبوية الشريفة

38serv

+ -

 السيرة النبوية، هي دراسة حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والاطلاع على أخباره، ومعرفة صفاته الخِلقية والخُلقية ودلائل نبوته، وكل ما يتعلق بحياته صلى الله عليه وسلم، من قبل الولادة إلى الوفاة.

وإن لمعرفة ودراسة السيرة النبوية أهمية عظيمة في مسيرة الحياة البشرية، وليس الغرض من دراسة السيرة النبوية وفقهها، مجرد الوقوف على الوقائع التاريخية، ولا سرد ما طرف أو جمل من القصص والأحداث، إنما هي التطبيق العملي الأمثل لنصوص الوحي وتنزيل أحكام الشريعة في كافة مناحي الحياة الإنسانية، وهي المعين التربوي الصافي لبناء الشخصية المسلمة المتأسية بالرسول الأكرم والمعلم الأحكم والمربي الأعظم.

ولهذه الغاية يجب على كل مسلم دراستها وفهمها، واستلهام معالم القدوة منها، وخاصة المربين والمدرسين، ولقد كان السلف يقدرون لهذه السيرة قدرها، وكانوا يحفظونها كما يحفظون السورة من القرآن، ويتواصون بتعلمها وتعليمها لأبنائهم، فكان علي بن الحسين رضي الله عنه يقول: “كنا نُعلّم مغازي النبي صلى الله عليه وسلم كما نعلم السورة من القرآن”، وكان الزهري يقول: “علم المغازي والسرايا علم الدنيا والآخرة”.

ولقد اهتم العلماء قديما وحديثا بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم لأنه بهديه صلى الله عليه وسلم تستقيم الحياة، ويتضح الطريق، فقد قال الله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا}.

ودراسة السيرة النبوية فيها الكثير من الفوائد العظيمة، والمنافع المتعددة، التي ينبغي التعرف عليها والاستفادة منها، ومن هذه الفوائد: معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وزيادة الإيمان برسالته، وتعميق محبّته صلى الله عليه وسلم والتأدب معه وأداء حقوقه بالتعرف على شمائله. والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، لأن المحبة الصادقة تهدي إلى طاعة المحبوب والاقتداء به، ولن يتحقق التأسي والاقتداء إلا بمعرفة سيرة وأحوال المُتأسَى والمقتدَى به. وفهم كتاب الله عز وجل، حيث تُعد مواقف وأحداث السيرة النبوية أرضا خصبة للمفسرين، وحتى تُفهم الآيات القرآنية فهما صحيحا لا بد من دراسة السيرة النبوية، والتعرف على هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الأمور كلها، وخاصة في معاملة الخلق، والوقوف على كمال عدله ورحمته ورأفته بهم، والاعتصام بسنته صلى الله عليه وسلم في العبادة والأخلاق، ونشر هديه وتبليغه للناس.

كما نجد في سيرته صورة الحاكم والقائد والراعي الذي يقيم العدل بين الرعية، فهو صلوات الله وسلامه عليه أعدل الناس، وأبعدهم عن الظلم، فما ظلم أحدا، ولا حابى أحدا، ولا جار في حكم أبدا. كما أنها باب عظيم مبارك من أبواب السعادة؛ بل إن السعادة متوقفة على معرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فلا سعادة إلا بسلوك نهجه ولزوم هديه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

وحياته عليه الصلاة والسلام تقدم إلينا نماذج سامية للشاب المستقيم في سلوكه، الأمين مع قومه وأصحابه، المتقن لعمله، كما تقدم النموذج الرائع للإنسان الداعي إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، الباذل منتهى الطاقة في سبيل إبلاغ رسالته، ولرئيس الدولة الذي يسوس الأمور بحذق وحكمة بالغة، وللزوج المثالي في حسن معاملته، وللأب في حنو عاطفته، مع تفريق دقيق بين الحقوق والواجبات لكل من الزوجة والأولاد، وللقائد الحربي الماهر والسياسي الصادق المحنك، وللمسلم الجامع في دقة وعدل بين واجب التعبد والتبتل لربه، والمعاشرة الفكهة اللطيفة مع أهله وأصحابه.

إن دراسة السيرة النبوية العطرة تعد غذاء للقلوب، وبهجة للنفوس، وسعادة ولذة وقرة عين، بل إنها جزء من دين الله سبحانه وتعالى وعبادة يتقرب بها إلى الله؛ لأن حياة نبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه حياة بذل وعطاء وصبر ومصابرة وجد واجتهاد ودأب في تحقيق العبودية لله تبارك وتعالى والدعوة إلى دينه عز وجل.

ومن المهم بمكان أن يتجه المسلمون عامة، والآباء والأمهات والمربون خاصة، إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لأهميتها، والاستفادة من دروسها وعبرها، في إصلاح أنفسهم وواقعهم، وتربيتهم لأبنائهم وأولادهم، فسيرته صلوات الله وسلامه عليه معجزة من معجزاته، وآية من آيات نبوته، فإنه صلى الله عليه وسلم القدوة العملية والأُسوة الحسنة للمسلمين جميعا.